دراسة: أثر عدم صدور اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة احتكار الأراضي الفضاء على تنفيذه

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

صدر القانون رقم 8/2008 بشأن استغلال القسائم والبيوت المخصصة لأغراض السكن الخاص المعدل للقانون رقم 50/1994 بهدف الحد من ظاهرة المضاربة بالأراضي السكنية، عبر فرض «رسوم» – والأصح وصفها بالضريبة- على ملاك الأراضي السكنية الذين يحتفظون بها دون تطويرها أو استغلالها مدة طويلة بهدف إعادة بيعها بعد ارتفاع أسعار الأراضي، وهو ما يرهق الراغبين في تملك الأراضي السكنية. وقد صدر القرار رقم 21/2010 باللائحة التنفيذية لتنفيذ أحكام هذا القانون.

وفي أواخر سنة 2023 صدر القانون رقم 126/2023 بشأن مكافحة احتكار الأراضي الفضاء الذي أعاد تنظيم الضريبة المفروضة على الأراضي المشمولة بالقانون رقم 8/2008، وقد نص القانون على أن تضع اللائحة التنفيذية للقانون قواعد حساب الرسم وإجراءات تحصيله، والأحكام الأخرى الواجبة لتنفيذ القانون على أن تصدر هذه اللائحة خلال 3 أشهر من صدور القانون. ولم تصدر هذه اللائحة حتى اليوم على الرغم من مرور أكثر من 14 شهرا على صدور القانون. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول:

- تأثير عدم صدور اللائحة التنفيذية على تنفيذ أحكام القانون.

- إمكانية الاستمرار بالعمل بأحكام القرار رقم 21/2010 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 8/2008.

- إمكانية طعن ملاك الأراضي على القرارات الفردية التي ستصدر بتحديد الضريبة في حال استمرار عدم صدور اللائحة التنفيذية للقانون الجديد.

- مدى مشروعية إصدار لائحة تنفيذية للقانون بعد مرور مدة الثلاثة أشهر المحددة بالقانون: أي هل يجوز الطعن على اللائحة لصدورها بعد المدة المحددة؟

في سبيل الإجابة عن هذه التساؤلات القانونية نتعرض بداية لأحكام قانون استغلال القسائم والبيوت المخصصة لأغراض السكن الخاص ولائحته التنفيذية، ثم ننتقل لشرح أحكام قانون مكافحة احتكار الأراضي الفضاء، وأخيرا نتعرض للإجابة عن التساؤلات المطروحة في الجزء الأخير من الدراسة.

أولا: قانون استغلال القسائم والبيوت المخصصة لأغراض السكن الخاص

فرض القانون ضريبة سنوية تفرض في حال زادت مساحة القسيمة أو مجموع القسائم السكنية غير المبنية المملوكة لأحد الأشخاص عن مساحة معينة، سواء أكانت هذه القسائم موجودة في موقع واحد، أو موزعة بين عدة مواقع. وتحديدا فرض القانون ضريبة بمقدار 10 د.ك عن كل متر يجاوز مساحة خمسة آلاف متر من أي قسيمة سكنية غير مبينة، فلو فرضنا -على سبيل المثال- امتلاك أحد الأشخاص لقسائم بمساحة إجمالية تساوي 5100 متر مربع، فإن الضريبة تفرض على الـ100 متر مربع فقط، لا على إجمالي مساحة القسائم، وبواقع 10 د.ك عن كل متر مربع، بحيث تكون الضريبة واجبة الدفع 1000 د.ك سنويا لا غير.

ويشترط في القسيمة أو القسائم السكنية عدة شروط حتى ينطبق عليها القانون، فيجب أن تكون القسيمة غير المبنية مخصصة للسكن الخاص، وأن تكون جاهزة للبناء. ولا تسري هذه الضريبة على قسائم السكن الخاص المملوكة للدولة أو لإحدى الشخصيات الاعتبارية العامة، كما يخرج من نطاق القانون القسائم الاستثمارية والتجارية والصناعية والتجارية والزراعية.

ويلتزم بدفع الضريبة مالك القسيمة أو القسائم سواء أكانت القسيمة مملوكة لشخص واحد أو عدة أشخاص، ويعد الملاك متضامنين فيما بينهم لأداء دين الضريبة. وقد رتب القانون جزاء على عدم دفع الضريبة يتمثل بعدم جواز إتمام إجراءات نقل ملكية القسائم التي لم يلتزم ملاكها بدفع التكليف المفروض عليها، أو إصدار توكيل بالتصرف بها للغير.

ثانيا: الأحكام الواردة باللائحة التنفيذية للقانون

كررت اللائحة التنفيذية للقانون بعض الأحكام الواردة بالقانون كما فصلت في الجوانب الموضوعية والإجرائية الأخرى، ومن هذه الأحكام أن اللائحة أوضحت الأحوال التي يقف فيها استحقاق الضريبة، وتقسيم الأدوار بين الجهات المختصة بتنفيذ القانون وحكم اختلاف حائز الأرض عن مالكها والتظلم من قرار فرض الضريبة وموعد سداد الضريبة.

وتحديدا قررت اللائحة أن يقف استحقاق الضريبة متى اكتمل بناء القسيمة، وأصبحت جاهزة للسكن، وذلك متى ما تم تنفيذه طبقا لترخيص البلدية، وتم إيصال التيار الكهربائي للبيت. كما أوضحت اللائحة أن يلتزم بدفع الضريبة مالك القسيمة وفقا للقانون، حتى لو حاز القسيمة من الناحية الفعلية آخرون.

كما بينت دور الجهات الإدارية بتنفيذ أحكام القانون: فيتعاون في تطبيق هذا القانون ثلاث جهات، هي: إدارة التسجيل العقاري والتوثيق بوزارة العدل – التي تزود وزارة المالية بكشوف تتضمن أسماء ملاك الأراضي الفضاء التي تزيد مساحتها عن المساحة المحددة بالقانون، وبلدية الكويت التي يتمثل دورها في بيان ما إذا كانت الكشوف التي أرسلتها وزارة العدل تتعلق بأراض جاهزة للبناء، كما تلتزم البلدية بتنبيه وزارة المالية في حال اكتمال البناء لإيقاف الضريبة المفروضة، أما إدارة أملاك الدولة بوزارة المالية فيتقوم دورها بإخطار المكلفين بقيمة الضريبة واجبة الدفع قبل موعد السداد بثلاثة أشهر، وتحصيل قيمة الضرائب منهم دفعة واحدة نقدا أو بشيك، أو عبر أي وسيلة معتمدة لدى الوزارة.

وحددت اللائحة موعد سداد الضريبة: فتحصل عن كل سنة تبدأ من أول السنة المالية وتنتهي في نهايتها. وأكدت اللائحة أن للمالك أن يتظلم من الضريبة خلال ستين يوما من إخطاره بقيمة الضريبة، وعلى الوزارة أن تبت بالتظلم خلال 60 يوما، على أن يكون قرار الرفض مسببا.

ثالثا: قانون مكافحة احتكار الأراضي الفضاء

صدر القانون رقم 126/2023 بشأن مكافحة احتكار الأراضي الفضاء لتلافي عيوب القانون السابق بإعادة تنظيمه في ست مواد موضوعية، نص فيها على وعاء الضريبة ومعدلها، والمكلف بأدائها، كما أضاف حكما جديدا لم يسبق النص عليه في القانون السابق، بتطبيق جزاء على المتخلف عن دفع الضريبة. ولم يلغ قانون مكافحة احتكار الأراضي الفضاء صراحة القانون رقم 50/1994 المعدل بالقانون رقم 8/2008 بشأن استغلال القسائم والبيوت المخصصة لأغراض السكن الخاص، فقد نص قانون مكافحة احتكار الأراضي الفضاء على إلغاء بعض أحكام القانون بصورة ضمنية، وذلك بالنص على إلغاء كل حكم يتعارض مع أحكام هذا القانون.

إلا أن المشرع بين أن الضريبة المقررة بالقانون رقم 50/1994 وتعديلاته يستمر فرضها وتحصيلها بعد مرور سنتين من بدء العمل بهذا القانون، وهو ما يعني أن القانون أعطى ملاك العقارات فترة سماح تمتد لسنتين قبل تطبيق الضريبة المتصاعدة الواردة في هذا القانون.

فقد فرض قانون مكافحة احتكار الأراضي الفضاء ضريبة بمقدار 10 د. ك على كل متر يزيد على مساحة ألف وخمسمئة متر مربع لقسائم السكن الخاص غير المبنية -سواء أكانت هذه القسائم في موقع واحد أم في مواقع متعددة- على أن يزداد هذا المبلغ سنويا 30 د. ك حتى يبلغ 100 د. ك ويفرض هذه الضريبة سواء أكان مالك العقار شخصا طبيعيا أو اعتباريا. وقد نص القانون على التزام الملّاك في حال تعددهم بالتضامن بدفع قيمة الضريبة.

ولأن القانون جاء ليعالج مشكلة المضاربة في القسائم السكنية، فقد أخرج المشرع من نطاق تطبيقه الأراضي المخصصة للمؤسسة العامة للرعاية السكنية، والقسائم التي لم يصدر قرارٌ من البلدية بتنظيمها، أو التي صدر بها قرار ولم يتجاوز السنتين، بالإضافة لأراضي السكن الخاص الواقعة في مناطق لم تصل لها خدمات البنية التحتية والكهرباء، وجميع القسائم غير المخصصة للسكن الخاص أو النموذجي، ويقف احتساب الضريبة المقررة متى اكتمل بناء القسيمة وإيصال التيار الكهربائي لها. ومنعا للتلاعب بقطع المدة المقررة لسداد الضريبة عبر تغيير المالك، قرر القانون أن استحقاق هذه الضريبة لا يقف بالتصرفات الناقلة للملكية إذا انتهت هذه التصرفات لذات المالك على ذات العقار خلال سنتين.

أما بالنسبة للجزاء المترتب على عدم دفع الضريبة فكما هو الحال في القانون السابق، فقد حظر المشرع إتمام إجراءات نقل الملكية أو إصدار توكيل بالتصرف في حال عدم سداد قيمة الضريبة المفروضة، كما حظر القانون على الجهات الحكومية التعامل مع المتخلفين عن السداد. وأجاز القانون استثناء للمالك المتعثر بالسداد أن يتقدم بطلب بيع العقارات أو جزء منها بالمزاد العلني على أن تشرف على تنفيذ المزاد وزارة العدل.

* د. بدور الصفي (عضو هيئة تدريس بكلية الحقوق – جامعة الكويت، متخصصة بالقوانين الدستورية والإدارية)

* د. سارة خالد السلطان (عضو هيئة تدريس بكلية الحقوق – جامعة الكويت، متخصصة بالقوانين المالية والضريبية)

تساؤلات قانونية مستحقة حول أثر تأخير صدور اللائحة

بعد أن بينا أحكام الضريبة الواردة في القوانين المشار إليها نعود للإجابة عن التساؤلات التي طرحناها في بداية الدراسة.

1. مدى تأثير عدم صدور اللائحة التنفيذية على تنفيذ أحكام القانون

الأصل أن عدم صدور اللائحة التنفيذية لقانون ما لا يترتب عليه تعطيل أحكام القانون، بل يكون القانون نافذا وواجب التنفيذ على الرغم من تخلف إصدار لائحته التنفيذية طالما كان التنفيذ ممكنا على أرض الواقع، وتستثنى من هذا الأصل حالتان، الأولى أن يوقف القانون ذاته نفاذ أحكامه على صدور اللائحة التنفيذية، وهذه الحالة لا تفترض بل تتطلب نصا صريحا في القانون مفاده تعليق نفاذه على صدور اللائحة – وهي حالة غير متحققة في القانون رقم 126/2023 بشأن مكافحة احتكار الأراضي الفضاء - والثانية هي استحالة تنفيذ القانون دون وجود اللائحة التنفيذية فلا يعود التنفيذ ممكنا بحال من الأحوال.

2.مدى إمكانية الاستمرار بالعمل بأحكام القرار رقم 21/2010 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 8/2008

من الراجح أنه إذا تحققت الحالة الثانية – وهي حالة استحالة تنفيذ أحكام القانون دون صدور اللائحة - فإن ذلك ناتجه استمرار العمل بالقانون القديم الذي تم إلغاؤه وبلائحته التنفيذية تفاديا لوقوع فراغ قانوني لا يمكن سده إلا بصدور اللائحة التنفيذية للقانون الجديد، لكن التساؤل هنا لا يقتصر على هاتين الحالتين، فماذا لو كنا بصدد القاعدة العامة التي تقضي بنفاذ القانون ووجوب تنفيذه طالما كان التنفيذ ممكنا، فهل يجوز استعارة بعض الأحكام من اللائحة التنفيذية للقانون8/2008؟ أي الأحكام المتعلقة بكيفية التنفيذ لاسيما وقد خلا منها القانون الجديد؟ في تصورنا يجوز استعارة بعض الأحكام التنفيذية تنفيذا للقانون الجديد في الحدود اللازمة للتنفيذ، وذلك فيما لا يتعارض صراحة مع أحكام القانون الجديد. فتطبق الأحكام التي يمكن التوفيق بينها وبين القانون الجديد وطرح الأحكام المتعارضة وجوبا، فالقانون اللاحق يلغي السابق في حدود التعارض خاصة وأن القانون اللاحق أسمى في قوته القانونية من اللائحة السابقة.

3. مدى إمكانية طعن ملاك الأراضي على القرارات الفردية التي ستصدر بتحديد الضريبة في حال استمرار عدم صدور اللائحة للقانون الجديد

إن عدم إصدار اللائحة التنفيذية كأصل ليس مطعنا ينسب للقرار ويكفي لادعاء عدم مشروعيته إلا إذا كنا بصدد إحدى حالتي وقف نفاذ القانون وتنفيذه، كأن يعلق القانون نفاذه صراحة على صدور اللائحة التنفيذية أو نواجه حالة استحالة تنفيذ القانون عندها يتعيب القرار الفردي الناشئ عن تنفيذ هذا القانون بعيب مخالفة القانون، بل ينعدم لانعدام محله.

4. مشروعية إصدار لائحة تنفيذية للقانون بعد مرور مدة الثلاثة أشهر المحددة بالقانون: أي هل يجوز الطعن على اللائحة لصدورها بعد المدة المحددة؟

إن إصدار اللائحة التنفيذية للقانون واجب يقع على عاتق السلطة التنفيذية، وإنه ولو كان الأصل أنها تستقل في اختيار وقت إصدارها للائحة التنفيذية وفقا لسلطتها التقديرية، إلا أنه متى ما قيدها المشرع بمدة معينة انتفت سلطتها التقديرية، ووجب عليها الامتثال لما حدده القانون أي في حدود الثلاثة أشهر، ومع ذلك فإن المدد التي تقرنها القوانين بصدور اللوائح التنفيذية هي مجرد مواعيد تنظيمية الغاية منها حث المشرع اللائحي على أهمية السرعة في إصدار اللوائح لارتباطها بتنفيذ القانون فيختار مواعيد منطقية يقدرها دون أن يرتب أثرا قانونيا على مخالفة المدة المنصوص عليها فيما يتعلق بمشروعية اللائحة التي تكون مشروعة بموافقة أركانها للقانون دون أدنى اعتبار لهذه المدة ولا وجه للطعن الذي يكون أساسه صدور اللائحة بعد الميعاد، إذ لا يرتبط هذا الميعاد بالاختصاص في إصدارها، فوجوب إصدار السلطة التنفيذية للائحة قائم في جميع الأحوال سواء خلال الميعاد وبعد انقضائه.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق