ذكرت وزارة الخارجية الصينية، أمس، أنها لن تولي اهتماماً إذا استمرت الولايات المتحدة في «لعبة أرقام الرسوم الجمركية»، بعد أن قدم البيت الأبيض توضيحاً يظهر كيف أن الصين تواجه رسوماً جمركية تصل إلى%245 بسبب قيامها بإجراءات مضادة، وأعلنت الوزارة أن بكين منفتحة على الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن القضايا الاقتصادية والتجارية، مؤكدة حرصها على تعزيز التعاون القائم على المصالح المتبادلة.
وتأتي هذه التصريحات تعليقاً على إعلان ترامب بشأن استغلال الصين للفرصة الأخيرة، وفي ظل التوترات المستمرة وحرب الرسوم المشتعلة بين أكبر اقتصادين في العالم، وسط دعوات متزايدة إلى إيجاد أرضية مشتركة تضمن الاستقرار في العلاقات الثنائية.
وأكدت بكين أن الحوار البناء هو السبيل الأمثل لمعالجة الخلافات، مشددة على أهمية احترام القواعد الدولية وتحقيق التوازن في العلاقات التجارية.
وبدلاً من التركيز على فرض رسوم جمركية على السلع، اختارت الصين اللجوء إلى إجراءات أخرى، بما في ذلك خطوات تستهدف قطاع الخدمات الأميركي، وفقاً لما ذكرته شبكة CNBC، واطلعت عليه «العربية Business».
وبينما ركزت إدارة ترامب بشكل كبير على المضي قدماً في خطط التعريفات الجمركية، طرحت بكين سلسلة من التدابير التقييدية غير الجمركية، بما في ذلك توسيع ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة وفتح تحقيقات مكافحة الاحتكار ضد شركات أميركية، مثل شركة الأدوية العملاقة دوبونت وشركة تكنولوجيا المعلومات الرائدة غوغل.
وقبل التصعيد الأخير، أدرجت بكين في فبراير عشرات الشركات الأميركية على ما يُسمى بقائمة «الكيانات غير الموثوقة»، التي من شأنها تقييد أو منع الشركات من التجارة مع الصين أو الاستثمار فيها. ومن بين الشركات التي أُضيفت إلى القائمة شركات أميركية مثل PVH، الشركة الأم لشركة تومي هيلفيغر، وشركة Illumina، وهي شركة مزودة لمعدات تسلسل الجينات.
البيت الأبيض: الصين تواجه رسوماً جمركية تصل إلى%245 لقيامها بإجراءات مضادة
ويتطلب تشديد بكين على صادرات العناصر المعدنية الأساسية من الشركات الصينية الحصول على تراخيص خاصة لتصدير هذه الموارد، مما يُقيد فعلياً وصول الولايات المتحدة إلى المعادن الرئيسية اللازمة لأشباه الموصلات وأنظمة الدفاع الصاروخي والخلايا الشمسية.
وفي أحدث تحركاتها الثلاثاء، هاجمت بكين شركة بوينغ - أكبر مُصدر أميركي - بإصدارها أمراً لشركات الطيران الصينية بعدم استلام أي شحنات إضافية من طائراتها، وطلبت من شركات النقل وقف أي مشتريات من المعدات وقطع الغيار المتعلقة بالطائرات من الشركات الأميركية، وفقاً لبلومبرغ. وسيزيد قطع الشحنات إلى الصين من مشاكل شركة صناعة الطائرات التي تعاني من ضائقة مالية، في ظل معاناتها من أزمة مراقبة الجودة المستمرة.
وفي مؤشر آخر على تزايد الأعمال العدائية، أصدرت الشرطة الصينية إشعارات بالقبض على ثلاثة أشخاص زعمت تورطهم في هجمات إلكترونية ضد الصين نيابة عن وكالة الأمن القومي الأميركية. وحثت وسائل الإعلام الرسمية الصينية، التي نشرت الإشعار، المستخدمين والشركات المحليين على تجنب استخدام التكنولوجيا الأميركية واستبدالها ببدائل محلية.
وقالت ويندي كاتلر، نائبة رئيس معهد سياسات جمعية آسيا: «تُشير بكين بوضوح إلى واشنطن بأن هناك طرفين يمكنهما المشاركة في لعبة الانتقام هذه، وأن لديها العديد من الأدوات التي يمكنها استخدامها، وكلها تُسبب مستويات مختلفة من الألم للشركات الأميركية»، مضيفة: «مع فرض رسوم جمركية مرتفعة وقيود أخرى، فإن عملية فك الارتباط بين الاقتصادين بلغت ذروتها».
استهداف تجارة الخدمات
ويرى البعض أن الصين تسعى لتوسيع نطاق الحرب التجارية لتشمل تجارة الخدمات - التي تشمل السفر والخدمات القانونية والاستشارات والخدمات المالية - حيث تحقق الولايات المتحدة فائضاً كبيراً مع الصين منذ سنوات.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أشار حساب على وسائل التواصل الاجتماعي تابع لوكالة أنباء شينخوا الصينية الرسمية إلى أن بكين قد تفرض قيوداً على شركات الاستشارات القانونية الأميركية وتنظر في إجراء تحقيق في عمليات الشركات الأميركية بالصين، بسبب «المزايا الاحتكارية» الضخمة التي حققتها من حقوق الملكية الفكرية.
ووفقاً لتقديرات نومورا، ارتفعت واردات الصين من الخدمات الأميركية بأكثر من عشرة أضعاف لتصل إلى 55 مليار دولار في عام 2024 على مدار العقدين الماضيين، مما دفع فائض تجارة الخدمات الأميركية مع الصين إلى 32 مليار دولار العام الماضي.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الصين أنها ستخفض وارداتها من الأفلام الأميركية، وحذرت مواطنيها من السفر أو الدراسة بالولايات المتحدة، في إشارة إلى نية بكين الضغط على قطاعات الترفيه والسياحة والتعليم الأميركية.
وصرح جينغ تشيان، المدير الإداري لمركز تحليل الصين، «تستهدف هذه الإجراءات قطاعات بارزة - كالطيران والإعلام والتعليم - ذات صدى سياسي في الولايات المتحدة»، مضيفاً: «في حين أن تأثيرها الفعلي على السوق قد يكون ضئيلاً بالنظر إلى صغر حجم هذه القطاعات، إلا أن آثارها على السمعة - كانخفاض عدد الطلاب الصينيين أو زيادة حذر الموظفين الصينيين - قد تمتد إلى الأوساط الأكاديمية ومنظومة المواهب التقنية».
بكين تلجأ إلى السوق المحلي لدعم نمو الاقتصاد
وتقدر شركة نومورا أن 24 مليار دولار قد تكون على المحك إذا شددت بكين القيود المفروضة على السفر إلى الولايات المتحدة بشكل كبير، مبينة أن قطاع السفر هيمن على الخدمات الأميركية المتجهة إلى الصين، مما يعكس إنفاق ملايين السياح الصينيين في الولايات المتحدة. في قطاع السفر، يتصدر الإنفاق المتعلق بالتعليم قائمة الإنفاق بنسبة%71، وفقاً للتقديرات، ويأتي معظمه من الرسوم الدراسية ونفقات المعيشة لأكثر من 270 ألف طالب صيني يدرسون في الولايات المتحدة.
وذكرت شركة الاستثمار أن صادرات الترفيه، التي تشمل الأفلام والموسيقى والبرامج التلفزيونية، لم تُمثل سوى%6 من صادرات الولايات المتحدة ضمن هذا القطاع، مشيرة إلى أن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها بكين بشأن واردات الأفلام «تحمل ثقلاً رمزياً أكثر من تأثيرها الاقتصادي».
وقال تشيان: «قد نشهد انفصالاً أعمق - ليس فقط في سلاسل التوريد، ولكن في العلاقات بين الأفراد، وتبادل المعرفة، والأطر التنظيمية. وقد يُشير هذا إلى تحول من التوتر في المعاملات إلى تباعد منهجي».
هل يمكن لبكين أن تصبح أكثر عدوانية؟
ويتوقع المحللون إلى حد كبير أن تُواصل بكين استخدام ترسانتها من أدوات السياسة غير الجمركية، في محاولة لتعزيز نفوذها قبل أي مفاوضات محتملة مع إدارة ترامب.
وأضاف ويلداو أن شركات أبل وتسلا وشركات الأدوية والأجهزة الطبية من بين الشركات التي قد تُستهدف مع مضي بكين قدماً في إجراءاتها غير الجمركية، بما في ذلك العقوبات والمضايقات التنظيمية وضوابط التصدير.
في حين أن الاتفاق قد يسمح للجانبين برفع بعض الإجراءات الانتقامية، إلا أن آمال إجراء محادثات قريبة بين الزعيمين تتضاءل بسرعة.
الأسرة الأسيوية
وروج الرئيس الصيني شي جينبينغ لفكرة الأسرة الآسيوية، ودعا إلى الوحدة الإقليمية خلال جولته في جنوب شرق آسيا، سعيا لمواجهة الضغوط الأميركية.
وأكد شي، في خطاب ألقاه في ماليزيا، على التضامن مع توقيع البلدان اتفاقيات واسعة النطاق، قائلاً: «ستقف الصين وماليزيا إلى جانب دول المنطقة للتصدي للمواجهة الجيوسياسية، معا سنحمي الآفاق المشرقة لأسرتنا الآسيوية».
وفي بيان مشترك صدر أمس، اتفقت الصين وماليزيا على تعزيز التعاون في مجالات الصناعة وسلاسل التوريد والبيانات والمواهب، والتزمتا بتنفيذ برنامجهما للتعاون الاقتصادي والتجاري وبناء مجتمع ماليزي صيني استراتيجي رفيع المستوى.
وأضاف شي: «علينا أن نقف معاً ضد الهيمنة وسياسة القوة، ومعارضة أي محاولات من قوى خارجية للتدخل في شؤوننا الداخلية وزرع الفتنة». وذلك في ظل الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، بعد التعريفات الجمركية الباهظة التي فرضها ترامب على واردات الصين، ورد بكين برسوم انتقامية، وتدابير أخرى.
من جانبه، ذكر البيت الأبيض الثلاثاء أن إجمالي الرسوم الجمركية على الصين يشمل أحدث الرسوم المضادة والبالغة%125، ورسوماً تبلغ%20 على صلة بأزمة الفنتانيل، ورسوماً تتراوح بين 7.5 و%100 على سلع محددة لمعالجة الممارسات التجارية غير العادلة.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً إضافية على جميع الدول قبل أسبوعين، قبل أن يلغي الرسوم المرتفعة فجأة عن عشرات الدول مع الإبقاء على الرسوم المضادة المفروضة على الصين.
ورفعت بكين هي الأخرى رسومها الجمركية على السلع الأميركية، ولا تسعى إلى إجراء محادثات. وتقول إنه لا يمكن إجراء مشاورات إلا على أساس من الاحترام المتبادل والمساواة. وكشفت الصين عن خطة عمل لتعزيز استهلاك الخدمات في عام 2025، في إطار جهود توفير محركات جديدة للطلب المحلي وتحفيز النمو الاقتصادي.
وتهدف الخطة، التي تم إصدارها بشكل مشترك من وزارة التجارة وثماني دوائر حكومية أخرى، إلى توسيع نطاق المعروض من الخدمات الاستهلاكية وتحسين جودة الخدمات وإطلاق إمكانات النمو للقطاع، وتقترح 48 تدبيراً محدداً عبر مجموعة واسعة من الصناعات، تغطي قطاعات الخدمات الرئيسية، إضافة إلى أشكال جديدة من الأعمال وسيناريوهات جديدة للاستهلاك، وفق وكالة شينخوا الصينية للأنباء.
وتركز التدابير أساساً على ستة مجالات، بما في ذلك الدعم السياساتي والأنشطة الترويجية والانفتاح وبيئة الاستهلاك. وتدعو الخطة إلى زيادة المعروض من الخدمات الاستهلاكية الجيدة، من خلال توسيع نطاق الانفتاح وتقليل القيود المفروضة على اللاعبين في السوق المحلي.
وحددت الصين تعزيز الاستهلاك بين مهامها الرئيسية لعام 2025 في تقرير عمل الحكومة، حيث شددت على الحاجة إلى معالجة الطلب المحلي غير الكافي، لا سيما عدم كفاية الإنفاق الاستهلاكي. وخلال السنوات القليلة الماضية، شهد الاستهلاك في قطاع الخدمات بالصين حالة من الزخم، وارتفع متوسط إنفاق الفرد على استهلاك الخدمات في عام 2024 بنسبة%7.4 مقارنة بعام 2023، مما أسهم بنسبة%63 في النمو العام للإنفاق الاستهلاكي للفرد.
من جانبه، ذكر الرئيس التنفيذي لشركة «بي إتش بي» الأسترالية، أمس، إن آفاق الاقتصاد العالمي تعتمد على قدرة الصين على تنشيط الاستهلاك المحلي، في ظل تهديد رسوم الرئيس دونالد ترامب الجمركية بتعطيل التجارة العالمية.
وأضاف مايك هنري: «قدرة الصين على التحول نحو اقتصاد قائم على الاستهلاك، وقدرة تدفقات التجارة على التكيف مع البيئة الجديدة، ستكونان عاملين أساسيين في الحفاظ على التوقعات العالمية»، وأشار إلى أنه في حين كان التأثير المباشر للرسوم الجمركية على شركة التعدين محدودا، لكن احتمال تباطؤ النمو الاقتصادي وتفتت بيئة التجارة يمثلان مشكلة أكبر، حسبما نقلت «فايننشال تايمز».
وأعلنت أكبر شركة تعدين في العالم، أمس، ارتفاع إنتاجها من النحاس بنسبة%10 في الأشهر الثلاثة المنتهية في مارس، بينما استقر إنتاج خام الحديد، وانخفضت أحجام إنتاج النيكل والفحم.
0 تعليق