أثارت سياسة فرض الرسوم الجمركية الأميركية مؤخرًا جدلًا عالميًا. وردًا على فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية مرتفعة بشكل غير عادي على الصين، صرّحت الصين بوضوح بأنه لا رابح في حرب الرسوم الجمركية أو الحرب التجارية، وأنها لا تريد خوض حرب، ولكنها لا تخشى خوضها. وفي هذا السياق، أود أن أشرح للأصدقاء الكويتيين سبب عدم خشية الصين من حرب الرسوم الجمركية.
الأسس والركائز للتنمية الاقتصادية الصينية
تُعدّ الصين الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك جميع الفئات الصناعية المدرجة في التصنيف الصناعي للأمم المتحدة، مما يمنحها ميزة تصنيعية لا يمكن للدول الأخرى تحقيقها على المدى القصير. وبالاعتماد على سلاسل التوريد الصينية الراسخة والشاملة، تبلغ الطاقة الإنتاجية لمصنع «تسلا» العملاق في شانغهاي 950 ألف مركبة سنويًا، وهو ما يمثل ما يقرب من نصف إنتاج شركة تسلا العالمي.
المرونة القوية للاقتصاد الصيني
في 2024، بلغ إجمالي مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية في الصين 48.8 تريليون يوان (نحو 2.05 تريليون دينار كويتي)، حيث ساهم الاستهلاك بنسبة 44.5% في النمو الاقتصادي. ويُعد الاستهلاك، بدلا من الصادرات، المحرك الرئيسي للاقتصاد الصيني. كما يشهد هيكل التجارة الخارجية الصينية تحسنًا مستمرًا، حيث لا تمثل صادرات الصين إلى الولايات المتحدة سوى 14.7% من إجمالي صادراتها. وفي الربع الأول من عام 2025، حقق الناتج المحلي الإجمالي للصين نموا بنسبة 5.4%، ما يدل على مرونة اقتصادها الجيدة.
المدافعٌ عن العدالة والإنصاف الدوليين
تلتزم الصين بتعزيز الانفتاح عالي المستوى ومشاركة فرصها مع العالم. وقد أصبحت شريكًا تجاريًا رئيسيًا لأكثر من 150 دولة ومنطقة، ووقعت أكثر من 20 اتفاقية تجارة حرة مع أكثر من 30 دولة ومنطقة. في الأول من ديسمبر العام الماضي، منحت الصين معاملة صفرية من الرسوم الجمركية بنسبة 100% على بنود الرسوم الجمركية لـ43 دولة من الدول الأقل نموا التي تقيم علاقات دبلوماسية معها، ما أدى إلى زيادة بنسبة 18.1% في صادرات هذه البلدان إلى الصين.
عكس ذلك، تستخدم الولايات المتحدة الرسوم الجمركية كسلاحٍ لممارسة أقصى قدر من الضغط والسعي وراء مصالحها الذاتية، وهو ما يشكل تعديا خطيرا على الحقوق والمصالح المشروعة للدول الأخرى، ويمثل انتهاكا صارخا لقواعد منظمة التجارة العالمية، ويلحق ضررا بالغاً بالنظام التجاري المتعدد الطرف القائم على القواعد، ويزعزع استقرار النظام الاقتصادي العالمي بشكل كبير، وهذا يُخالف العالم أجمع. وقد اتخذت الصين التدابير اللازمة ليس فقط لحماية مصالحها الخاصة، بل أيضًا للدفاع عن العدالة والإنصاف الدوليين والمصالح المشتركة لجميع الدول.
سياسة أميركية مضرّة
في ظل سلاسل الصناعة والتوريد العالمية شديدة التكامل اليوم، يُؤدي فرض الرسوم الجمركية العالية إلى تعطل شبكات سلاسل التوريد، ويُقلل من كفاءة مختلف الصناعات، ويؤثر سلبًا على التنمية الاقتصادية السليمة لجميع الدول. سيُلحق فرض الولايات المتحدة للرسوم الجمركية وسياساتها الانعزالية الضرر بتعاونها مع الدول الأخرى، ويُضعف أسس التعاون الدولي، وقد واجهت معارضة شديدة وإجراءات مضادة من الكثير من الدول، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة.
يُظهر بحثٌ أجراه مجلس الأعمال الأميركي-الصيني أن الحرب التجارية الأولى التي شنّتها الولايات المتحدة ضد الصين عام 2018 أسفرت عن خسائر 245 ألف وظيفة في الولايات المتحدة. وبعد إعلان الولايات المتحدة عن سياسة تعريفات جمركية جديدة في أوائل أبريل الجاري، حذّر وزير الخزانة الأميركي السابق لورانس سامرز من أنها قد تُسفر عن خسائر تبلغ 30 تريليون دولار، ورفع بنك «جي بي مورغان» احتمالات حدوث ركود اقتصادي عالمي إلى 60%.
تقول المقولة الصينية المأثورة: «عندما يغيب الشروق عن الشرق، فسيسطع الغرب»
يتكامل اقتصاد الصين بشكل كبير مع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها الكويت. وبصفتها أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي، فإن الصين على أتم استعداد للعمل مع مجلس التعاون لتسريع استكمال مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بينهما، والعمل بشكل مشترك على تعزيز تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ودول «التعاون»، والصين والدول العربية. كما تحرص الصين على مواصلة تعميق التعاون البراغماتي مع الكويت، مسترشدة بالتوافقات المهمة بين قيادتي بلدينا الصديقين، لتحقيق المزيد من الفوائد لشعبي البلدين.
0 تعليق