قالت دار الإفتاء المصرية إن التهرب من دفع الضرائب والجمارك ودفع الرشوة لإنقاصهما غير جائز شرعًا؛ موضحة أن هذه الالتزامات المالية عبارة عن مقدار محدد تفرضه الدولة في أموال المواطنين نظير خدمات والتزامات تقوم بها لصالح الجميع ولخلق نوع من التوازن في المجتمع .
وأوضحت الإفتاء أن أقر جماعة من فقهاء المذاهب المتبوعة الضرائب، لكنهم أسموها بـ"الخراج"، وأسماها بعضهم بـ"النوائب"، وهي اسم لما ينوب الفرد من جهة السلطان؛ إعمالًا لما تقرَّر في الشريعة الإسلامية أن في المال حقًّا سوى الزكاة؛ فقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 177] فجُمِعَ في الآية بين إيتاء المال على حُبه وبين إيتاء الزكاة، مما يدل على أن في المال حقًّا سوَى الزكاة، وقال صلى الله عليه وآله وسلم -مؤكدًا هذا المعنى حين سُئل عن الزكاة-: «إِنَّ فِي المَالِ لحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ» رواه الترمذي.
سلطة ولي الأمر في فرض الضرائب
وأضافت الإفتاء أن ولي الأمر يجوز له أن يفرض ضرائب عادلة في تقديرها وفي جبايتها إلى جوار الزكاة؛ وذلك لتغطية النفقات العامة والحاجات اللازمة للأمة، باعتبار أن ولي الأمر هو القائم على مصالح الأمة التي تستلزم نفقات تحتاج إلى وجود مورد ثابت، لا سيما في هذا العصر الذي كثُرت فيه مهام الدولة واتسعت مرافقها.
وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أوَّل مَن اجتهد في فرض أموال تُؤْخَذ من الناس من غير زكاة أموالهم؛ لتحقيق المصالح العامة؛ كالخراج، فالخراج واجب على كل من بيده أرض خراجية نامية، سواء أكان مسلمًا أم كافرًا، صغيرًا أم كبيرًا، عاقلًا أم مجنونًا، رجلًا أم امرأةً؛ وذلك لأن الخراج مئونة الأرض النامية، وهم في حصول النماء سواء.
وقيام سيدنا عمر رضي الله عنه بفرض ضريبة الخراج على الأراضي كان لمصالح عامة ظهرت له؛ منها: الحاجة لإيجاد مورد مالي ثابت للأمة الإسلامية بأجيالها المتعاقبة، وتوزيع الثروة وعدم حصرها في فئة معينة، وعمارة الأرض بالزراعة وعدم تعطيلها.
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: وإنما كان الخراج في عهد عمر رضي الله عنه، يعني: أنه لم يكن في الإسلام قبل خلافة عمر رضي الله عنه، فضريبة الخراج لم تكن مفروضة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا في عهد خليفته الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفَعَلَ عمر رضي الله عنه ذلك بعد استشارته لكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار. انظر: "الاستخراج لأحكام الخراج" للحافظ ابن رجب الحنبلي (ص: 16، ط. دار الكتب العلمية)، و"الموسوعة الفقهية" (19/ 56) وما بعدها.
موقف الإسلام من فرض الضرائب
أوضحت الإفتاء أن الإسلام لا يمنع فرض الضرائب؛ فقد تقرَّر في الشريعة الإسلامية أن في مال المسلم حقًّا سوى الزكاة؛ ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، فالآية قد جُمِعَ فيها بين إيتاء المال على حبه وبين إيتاء الزكاة بالعَطْفِ المقتضِي للمُغايرة، وهذا دليل على أن في المال حقًّا سوَى الزكاة لتصح المُغايرة. انظر: "تفسير الفخر الرازي" (5/ 216، ط. دار إحياء التراث العربي) وما بعدها.
وأخرج الترمذي والدارمي في "سننيهما" عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: سُئل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الزكاة فقال: «إِنَّ فِي المَالِ لحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ» ثم تلا هذه الآية التي في سورة البقرة ﴿لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ﴾، قال القرطبي في "تفسيره" (2/ 242، ط. دار الكتب المصرية) بعد ذكره للحديث المذكور: [والحديث وإن كان فيه مقال فقد دلَّ على صحته معنى ما في الآية نفسها من قوله تعالى: ﴿وَأقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾، فذكر الزكاة مع الصلاة، وذلك دليل على أن المراد بقوله: ﴿وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ ليس الزكاة المفروضة، فإن ذلك يكون تكرارًا. والله أعلم] اهـ.
0 تعليق