يقود السير مجدى يعقوب، جراح القلب الشهير، مشروعًا بحثيًا يسعى إلى تطوير صمامات قلبية يمكنها أن تنمو بشكل طبيعى داخل الجسم، ما ينهى الحاجة إلى المزيد من العمليات الجراحية المعقدة لعلاج أمراض القلب.
ويوفر المشروع حلًا مبتكرًا للمرضى الذين يعانون من تلف أو فشل فى صمامات القلب، دون الحاجة إلى اللجوء إلى الصمامات الاصطناعية أو المشتقة من مصادر حيوانية، حيث سيتم تركيب صمامات قلب مستمدة من أنسجة جسم الإنسان نفسه. ووفقًا لتصريحات «يعقوب»، لصحيفة «صنداى تايمز» الأسبوع الماضى، من المقرر أن تخضع مجموعة أولية تضم أكثر من ٥٠ مريضًا لزراعة صمامات قلبية مصنوعة من ألياف خاصة، وتعمل هذه الألياف كـ«سقالة» أو هيكل داعم، حيث تُزرع داخل القلب وتتكامل حيويًا مع خلايا الجسم الطبيعية. وتكمن أهمية المشروع فى تقليل خطر رفض الجسم الصمامات المزروعة، ما يزيد من معدلات النجاح ويقلل من المضاعفات المحتملة على المدى الطويل، كما يعزز من فرص الشفاء التام للمرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض القلب المزمنة.
بدء التجارب السريرية فى معهد القلب الخاص بـ«السير» فى بريطانيا.. قريبًا
قال الدكتور أحمد عفيفى، رئيس قسم جراحة القلب بمركز أسوان للقلب، إن المشروع يتمثل فى تطوير صمامات قلب حية تُزرع داخل جسم المريض باستخدام خلايا مأخوذة من جسمه نفسه، ما يمثل خطوة متقدمة فى مجال جراحة القلب، حيث يهدف إلى تحسين جودة العلاج وتقليل المضاعفات المرتبطة بالصمامات الاصطناعية.
وأضاف أن صمامات القلب هى أنسجة ليفية حية تحتوى على خلايا عضلية ونهايات عصبية وشعيرات دموية، مبينًا أن «يعقوب» كان يرى، منذ عقود، أن استبدال الصمامات بأخرى صناعية ليس الحل الأمثل، ما دفعه للبحث عن بدائل أكثر طبيعية وفاعلية.
وأشار إلى أن الصمامات الحية تتميز بقدرتها على مقاومة الالتهابات البكتيرية والميكروبية، والتكيف مع التغيرات الفسيولوجية، مثل ارتفاع وانخفاض ضغط الدم، ونبضات القلب، فضلًا عن تحملها حالات الحمل، والجفاف، والنزيف، ونمو الأطفال، مشددًا على أن إصلاح الصمامات يُعد الخيار الأمثل.
ولفت إلى التطورات الكبيرة التى شهدها مركز أسوان للقلب فى تقنيات إصلاح الصمام الميترالى، إلى جانب الجراحة التى ابتكرها السير مجدى يعقوب فى الثمانينيات للحفاظ على الصمام الأورطى، التى أصبحت من الركائز المهمة فى مجال جراحة القلب.
وكشف الدكتور «عفيفى» عن أن مركز أسوان للقلب طرح فى عام ٢٠١٩ تقنية «يعقوب ٢»، التى تهدف إلى إصلاح واستبدال صمامات القلب باستخدام أنسجة من جسم المريض نفسه، وتعتمد على زرع الصمام الرئوى فى مكان الصمام الأورطى، واستبدال الصمام الرئوى بصمام صناعى.
وأوضح أن المشروع الجديد للسير مجدى يعقوب يتمثل فى تصميم هيكل من أنسجة ليفية يحتوى على خلايا عصبية وشعيرات دموية للقلب، عبر استخدام خلايا مأخوذة من بطانة جلد خد المريض وتحويلها إلى خلايا عضلة قلب نابضة، مشيرًا إلى أن التحدى الأساسى يكمن فى تحقيق اتصال وتكاثر هذه الخلايا مع الهيكل المصنوع.
وأكد أن «يعقوب» يقترب من بدء التجارب السريرية فى معهد القلب الخاص به فى بريطانيا، لافتًا إلى أن الحصول على الموافقة لإجراء التجارب يمثل إنجازًا كبيرًا وخطوة حاسمة نحو التطبيق العملى لهذا التطور العلمى.
تغنى عن الصمامات الاصطناعية أو المشتقة من مصادر حيوانية.. والتجربة تحسم الفاعلية
أكد الدكتور إبراهيم الشربينى، مدير مركز أبحاث علوم المواد المدير المؤسس لبرنامج علوم النانو بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، أن الصمامات التقليدية المأخوذة من الأبقار، والخنازير، أو الأنسجة البشرية المزروعة فى المرضى لها عمر افتراضى محدود، كما قد يرفضها الجهاز المناعى.
وفى تصريحات صحفية، قال «الشربينى» إن الصمامات الميكانيكية والبيولوجية التى تُصنّع خارج الجسم البشرى تتطلب من المرضى تناول أدوية مضادة لتجلط الدم مدى الحياة، ما يضع عبئًا صحيًا مستمرًا عليهم، وهو ما يجعل التقنية الجديدة خطوة واعدة لتجاوز هذه التحديات.
وأوضح أن العلاجات المتوافرة حاليًا للأطفال الذين يولدون بعيوب خلقية فى القلب تمثل تحديًا كبيرًا، حيث تفشل الصمامات التقليدية فى التكيف مع نمو أجسامهم، ما يضطرهم للخضوع لعمليات جراحية متكررة لاستبدالها.
وأضاف أن الصمامات الجديدة التى يتم تطويرها تُحدث نقلة نوعية، حيث تتميز بقدرتها على النمو بالتزامن مع نمو الطفل، ما يجعلها جزءًا متصلًا ومتجانسًا مع جسم المريض، ويقلل الحاجة إلى التدخلات الجراحية المتكررة.
وذكر أن تطبيقات «هندسة الأنسجة» تهدف إلى إنشاء نسيج حيوى، أو جزء من عضو بشرى، أو حتى عضو بشرى كامل، وتعتمد هذه العملية على ثلاثة مكونات رئيسية، الأول الخلايا وهى الوحدات الأساسية التى تُشكل الأنسجة الحيوية، ويتم اختيار خلايا مُناسبة للنسيج المراد إنشاؤه، وتُزرع هذه الخلايا لتتكاثر وتتراكم فى طبقات، لتُشكل فى النهاية النسيج المطلوب.
وواصل: «الثانى هو السقالة الحيوية، وهى عبارة عن هيكل ثلاثى الأبعاد يُحاكى البيئة الطبيعية للعضو أو النسيج على المستوى الميكروى الدقيق، ويجب أن تُصنع هذه السقالة من مواد حيوية متوافقة مع الجسم وقابلة للتحلل الحيوى، أى أنها تتلاشى أو يمتصها الجسم بمرور الوقت، خاصةً إذا كان التخلص منها ضروريًا فى مراحل لاحقة من العلاج. وتُوفر السقالة الدعم الهيكلى للخلايا وتُساعدها على النمو والتنظيم لتكوين النسيج المطلوب».
وبين أن المكون الثالث هو التغذية والإمداد الدموى، حيث تحتاج الخلايا المزروعة إلى التغذية المستمرة وإمدادها بالأكسجين والمواد الغذائية من خلال الأوعية الدموية، وتُستخدم تقنيات مختلفة لضمان وصول التغذية الكافية للخلايا داخل السقالة الحيوية، مثل استخدام عوامل النمو أو إنشاء شبكة من القنوات الدقيقة تُحاكى الأوعية الدموية. من جهته، قال الدكتور أحمد محمود بندارى، أستاذ مساعد أمراض القلب والأوعية الدموية بكلية الطب فى جامعة بنها، إن المشروع البحثى يحمل وعدًا بتحقيق إنجاز ثورى فى علاج أمراض الصمامات القلبية بشرط التأكد من فاعليتها من خلال الدراسات السريرية المستقبلية.
ولفت إلى أن التقنية المقترحة تُتيح إمكانية توفير صمام قلب صناعى ذاتى التجدد، أى أنه يتحول إلى نسيج حى داخل الجسم، وهذا الصمام الجديد سيكون قادرًا على تقليد وظائف الصمامات الطبيعية بشكل كامل، بما فى ذلك القدرة على التجدد، والمرونة، والتكيف مع التغيرات فى ضغط الدم.
وذكر أن تطوير صمامات متوافقة حيويًا وقادرة على التجدد داخل جسم الإنسان يمثل نقلة نوعية، حيث توفر حلًا طويل الأمد للمرضى، مع تقليل المضاعفات المحتملة، ما يعزز جودة الحياة بشكل كبير ويقلل الحاجة إلى التدخلات الجراحية المتكررة.
وبين أنه إذا نجحت هذه التقنية على البشر، فإنها ستُمثل تحولًا جذريًا فى مجال جراحة القلب، حيث ستُغير طريقة علاج أمراض صمامات القلب بشكل كبير.
0 تعليق