التلوث البيئي في العراق.. دعوات للحد من الانبعاثات وتحسين جودة الهواء

العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يعاني العراق من ارتفاع مقلق في معدلات التلوث البيئي، ما يشكل تحديات خطيرة على صحة السكان واستدامة موارده البيئية.

وتشير التقارير إلى أن بغداد أصبحت من أكثر المدن تلوثا في العالم، مع تسجيل مؤشرات تلوث خطيرة انعكست على البيئة وصحة المواطنين.

وتعود أسباب هذا التلوث إلى مجموعة من العوامل، أبرزها الحرق العشوائي للمواد، وانبعاث الملوثات من المولدات الكهربائية الأهلية ومحطات توليد الكهرباء، وانتشار عدد كبير من السيارات في شوارع بغداد، بالإضافة إلى التوسع السريع وغير المخطط له في المدن وخاصة بغداد، والذي يساهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة، فضلا عن أنظمة الصرف الصحي القديمة أو غير الكافية التي تعتبر من الأسباب الرئيسية لتلوث المياه.

كما انتشرت خلال الأيام الأخيرة في العاصمة "بغداد" رائحة الكبريت بشكل لافت، ما أثار قلق الأهالي وزاد من مخاوفهم بشأن الوضع البيئي.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور جاسم عبدالعزيز حمادي الوكيل الفني لوزارة البيئة العراقية، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا" أن ارتفاع مؤشرات تلوث الهواء في بغداد يعود إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها محطات توليد الكهرباء التي تستخدم الوقود الثقيل (النفط الأسود)، مثل محطة توليد الكهرباء في الدورة، بالإضافة إلى معامل الأسفلت المؤكسد وغير المؤكسد، ومعامل الطابوق المنتشرة في ضواحي بغداد وحزامها. كما تساهم مواقع تراكم النفايات والمطامر غير الصحية، بالإضافة إلى الحرق العشوائي، خاصة في فترات الليل، في تفاقم المشكلة.

وأضاف حمادي أن وزارة البيئة، من خلال خلية الأزمة التي شكلت منذ ظهور هذه الظاهرة، قد اتخذت إجراءات عقابية ضد الأنشطة الملوثة، داعيا جميع الجهات المعنية إلى اتخاذ أقصى الإجراءات العاجلة والضرورية لتقليص الانبعاثات وإيقاف مصادرها.

وأوضح أن مواجهة التحديات البيئية تتطلب جهودا متكاملة وتعاونا مشتركا بين جميع الأطراف، مع التركيز على تعزيز الوعي البيئي وتطبيق الحلول المستدامة، لضمان بيئة نظيفة وآمنة للأجيال المقبلة.

بدورها، قالت عديلة شاهين الإعلامية والخبيرة في البيئة، إن "العراق يعاني من ارتفاع حاد في مستويات تلوث الهواء والتربة والمياه، مما جعله يصنف من بين الدول الأكثر تلوثا في العالم، حيث يحتل المرتبة الخامسة عالميا من حيث ارتفاع نسب التلوث. أدى ذلك إلى زيادة ملحوظة في أعداد الإصابات بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي. وعلى الرغم من صغر مساحتها، فقد سجلت بغداد تلوثا يزيد 11 مرة عن معدلات التلوث في ثمانينات القرن الماضي، مما جعلها المدينة الأكثر تلوثا بين محافظات العراق".

وأضافت شاهين في تصريح مماثل لوكالة الأنباء القطرية "قنا" أن "سكان بغداد يشكون من رائحة تشبه الكبريت التي تنتشر غالبا في الليل على شكل غمامة سديمية نتيجة الحرق العشوائي للنفايات. كما تشهد بغداد انتشار غاز ثنائي أكسيد الكبريت الناتج عن حرق الوقود في محطات توليد الطاقة الكهربائية"، لافتة إلى أن مستوى تلوث الهواء في بغداد وصل إلى مستويات خطيرة، حيث بلغ 173 وحدة على مقياس درجة تلوث الهواء (AQI).

وأوضحت أن أسباب التلوث تتنوع وتشمل انبعاثات المصانع داخل المدن، وعدم وجود أماكن طمر صحي نموذجية، مما يدفع إلى حرق كميات كبيرة من النفايات يوميا، كما تساهم انبعاثات عوادم السيارات، والمولدات الكهربائية الأهلية المنتشرة في الأحياء السكنية التي تجاوز عددها 49 ألفا، في زيادة التلوث، مضيفة أن تهالك شبكات الصرف الصحي وحرق الوقود الأحفوري، وكذلك انبعاثات معامل الطابوق ومعامل الأسفلت، تؤدي أيضا إلى تدهور البيئة.

وشددت على ضرورة اتخاذ إجراءات جادة لتقليل التلوث، مثل تقليل استخدام المبيدات والأسمدة الزراعية، وتعزيز إعادة تدوير النفايات بدلا من حرقها، واستبدال الوقود الأحفوري بالطاقة الشمسية، كما دعت إلى زيادة المساحات الخضراء وإعادة تشجير المدن، إضافة إلى أهمية تفعيل قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009 للحد من التلوث البيئي، وتحقيق تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم (24777) الخاص بالسيطرة على الانبعاثات، لضمان تحسين جودة الهواء.

من جهته، أشار مقدام الجميلي نائب رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية بالعراق ، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية، إلى أن السبب الرئيسي لتلوث البيئة في العراق هو حرق النفايات والطمر الصحي غير النظامي، لافتا إلى أن بعض معامل الطابوق في بغداد، التي تستخدم المشتقات النفطية الثقيلة، تساهم أيضا في التلوث، حيث تحتوي هذه المخلفات النفطية على نسبة عالية جدا من الكبريت.

وأضاف الجميلي أن الدكتور هه لو العسكري وزير البيئة العراقي الجديد، قد قام بعدة جولات تفقدية على المطامر في بغداد، خاصة تلك التي تستخدم فيها عمليات حرق النحاس، والتي تؤثر بشكل كبير على البيئة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن شرطة البيئة تقوم بحملات ملاحقة ضد من يقوم بحرق المخلفات والنحاس.

وفيما يخص تلوث المياه، أكد وجود مشروع لإنشاء محطات معالجة للمياه، حيث كانت مخلفات بعض المستشفيات تلقى بشكل مباشر في الأنهار دون معالجة، مضيفا: "حاليا تم إنشاء محطات معالجة بالتعاون مع منظمة "اليونيسف" في مدينة الطب، وتم تنفيذ مشاريع مماثلة في مستشفيات صحة بغداد الكرخ والرصافة"، مشيرا إلى وجود مشروع في محافظة بغداد لإنشاء 23 محطة معالجة طبية وصحية لمخلفات المستشفيات، والذي هو قيد التنفيذ. ونسب الإنجاز تتراوح بين 30 إلى 40 بالمئة، موضحا أن اللجنة تعمل بالتعاون مع محافظة بغداد ووزارة الصحة من أجل تسريع تنفيذ هذه المشاريع، والتي من شأنها تقليل تلوث المياه.

وفي هذا الإطار، أكد لؤي المختار المتحدث باسم وزارة البيئة بالعراق ، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية، أن تلوث الهواء في بغداد ما زال يشكل تحديا كبيرا بسبب عدم الاستدامة في اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل المؤسسات المعنية، مشيرا إلى أن الفرق الرقابية للوزارة تواصل رصد عمليات الحرق غير القانونية للنفايات في مواقع مختلفة، بالإضافة إلى وجود أنشطة مخالفة تولد انبعاثات ضارة، مؤكدا أن الوزارة تعمل على إصدار أوامر بإغلاق أو إيقاف الأنشطة المخالفة بالتعاون مع القيادات الأمنية.

من جانبه، قال الدكتور أحمد عسكر الخبير البيئي، في تصريح لـ"قنا"، إن الدخان الناتج عن الاحتراق يمثل أحد أبرز مصادر تلوث الهواء، حيث تطلق عمليات مثل صهر المعادن، جسيمات تحتوي على الكربون والرصاص والأمونيا، مما يشكل تهديدا كبيرا لصحة الإنسان، مضيفا أن الجسيمات الدقيقة، مثل الرصاص والأمونيا، تمثل عوامل مسرطنة، مشيرا إلى الزيادة الكبيرة في الإصابات بالأمراض التنفسية.

وفيما يخص حرق النفايات في مناطق مثل النهروان والتاجي ومعسكر الرشيد، أوضح عسكر أن النفايات التي تحتوي على مواد بلاستيكية وغذائية تطلق غاز الأمونيا نتيجة عمليات التفسخ العضوي، مما يساهم في تلوث الهواء بشكل كبير، خاصة أن الحرق يتم غالبا في الليل بعيدا عن الرقابة، داعيا إلى استخدام الطرق الحديثة لمعالجة مكبات النفايات، ونقل المصانع بعيدا عن المدن لتقليل تأثيرها السلبي، واستخدام تقنيات متقدمة لمعالجة الغازات الضارة، بالإضافة إلى معالجة مخلفات المستشفيات قبل تصريفها.

بدوره، لفت الدكتور حاتم ثويني رئيس مؤسسة الحضر للتنمية والاستدامة البيئية، إلى أنه حان الوقت لفتح ملف تلوث الهواء في بغداد بشكل جاد.

وأضاف أن الحلول الجذرية للتلوث تحتاج إلى قيادة وطنية قوية قادرة على التمويل والمتابعة. كما اقترح عدة حلول طويلة الأجل، منها تحويل محطات توليد الكهرباء الكبرى إلى غابات حضرية، وإخراج النشاطات الصناعية من وسط العاصمة، وتحفيز استخدام السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى إنشاء مصانع لتدوير النفايات.

من جهته، أكد صادق عطية خبير الأرصاد الجوية، أن خرائط التلوث البيئي تشير إلى زيادة في مستويات ثاني أكسيد الكبريت في أجواء العاصمة "بغداد"، ما أدى إلى انتشار رائحة كبريتية في سماء العاصمة، لافتا إلى أن حرق الوقود الأحفوري هو المصدر الرئيسي لهذا التلوث، مما يزيد من خطر تعرض السكان لأمراض خطيرة مثل السكتة الدماغية وأمراض القلب والربو.

وكانت الحكومة العراقية قد أصدرت تعليمات لوزارة البيئة بضرورة إيقاف النشاطات الملوثة، مثل تغيير الوقود المستخدم في الأنشطة الصناعية، واستخدام فلاتر للحد من الانبعاثات السامة، كما أكدت على ضرورة تفعيل دور شرطة البيئة لمراقبة الحرق غير القانوني للنفايات وتكثيف الحملات الأمنية، وأوصت وزارة الزراعة وأمانة بغداد بالتركيز على زراعة الأشجار وإنشاء حزام أخضر حول العاصمة لتقليل التلوث.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق