والحقيقة من أكثر الأمور التي أعتقد أنها أصبحت في رأس الأولويات والأهميات في العناية الشخصية وخاصة في عصرنا الحالي الممتلئ جدا بالانشغالات والاهتمامات، هي الضبط والمعالجة النفسية الدائمة، لأن كل ما يتعلق بالخارج سيكون متصلا بشكل وثيق بما يحدث في داخلك، وهذا سيؤثر بشكل كلي في حالة التوازن المطلوب على كل الأصعدة والأدوار المنوطة بك.
في المقولة العالمية المشهورة المتواجدة في كثير من كتب الفلسفة والباحثين عن الحكمة (As Within, So Without) والتي تشير إلى دلالة أن العالم الخارجي يعكس العالم الداخلي للفرد أو ما نشعر به وما نؤمن به في داخلنا يميل إلى الظهور والتجلي في حياتنا. أو كما عبر عنها واين داير (عندما تتغير الطريقة التي ننظر بها إلى الأشياء، تتغير الأشياء التي ننظر إليها).
أعتقد فهم هذه الحقيقة والانتقال بها إلى عالم التطبيقات اليومية سينتقل بالإنسان إلى منطقة وعي جديدة كفيلة بأن تضيف بعدا ثالثا إن صحت العبارة لتلك الحياة المسطحة ذات البعدين السيني والصادي.
وهذه الأبعاد أصيلة في أدبياتنا وثقافتنا الإسلامية، وقد تحتاج شيئا من النفث على هالة الغبار المتكومة عليها حتى تكون ناصعة الوضوح المعرفي والتطبيقي، قال الله سبحانه وتعالى في تلك الآية الكريمة والتي هي نبراس في أبواب التغير الجمعي أو الفردي (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). لا يمكن لتغيير يظهر على السطح أيا كان نوعه أن يكون ظاهر الوجود دون ذلك الارتباط الوثيق بما يحدث في الداخل، تأمل ارتباط المدخلات والمخرجات في الحديث القدسي، الله يقول (أنا عند ظن عبدي بي؛ إن ظن بي خيرا فله، وإن ظن شرا فله)، وفي الحديث الآخر ويوضح بشكل متناهي الدقة عن أصالة ارتباط الحالة النفسية الداخلية بما هو في الخارج (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده فقال له: لا بأس طهور إن شاء الله. قال: قلت: طهور؟ كلا بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذاً). فعندما رد الأعرابي بتشاؤم، أقره النبي على ما قال، فالبلاء موكل بالمنطق وما يحدث بالخارج هو انعكاس لما يحدث بالداخل.
بمجرد الإدراك لهذا القانون الكوني والوصول لإدراك معرفي وتطبيقي له سيكون هناك توجه كلي لدى صاحبه في التركيز على الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تخالطنا، وسيكون الرضا والسلام الداخلي صخرتين كبيرتين جدا في حيز المتابعة الشخصية، وسيكون التفكير الإيجابي دائم الوجود فضلا عن الاستنكاف التلقائي الذي سيحدث لك عندما يكون هناك نشاز سلبي يحوم حول حواسك، وسيغشى الهدوء والوعي أغلب تفاعلاتك التي تحثك فيها رغبتك الداخلية دائمة الإلحاح نحو التصرفات الحكيمة، ستحرص على مراقبة صحتك النفسية لأنها صمام الأمان لتجويد أفعالك وأعمالك، وإذا داهمها شيء من الكدر سيكون هناك جهد متكرر لتقبله والتعامل معه بتقليل أثره لمعرفتك الراسخة بأن أثره لا يبقي ولا يذر على سلوكياتك، ستتلهف على معرفة المناظير المختلفة لدى الآخرين لحالة اليقين التي ارتسمت ملامحها على صاحبها بأن التغيير الحقيقي دائما يبدأ من هناك، وأخيرا يفرض رادار الوعي الجديد عليك مراقبة كل تلك المحفزات الداخلية التي تجلب لك التوازن والرضا والسلام الداخلي والسعادة.
هكذا أعتقد والله أعلم.
0 تعليق