نحن نعيش في زمن العجائب، زمن أصبح فيه لاعبو كرة القدم أشبه بلاعبي السيرك الذين يتقنون اللعب على كل الحبال، لا مبادئ تحكمهم، ولا قيم توجههم، بل المادة وحدها هي البوصلة. ملايين الدولارات تُنفق على اللاعبين والمدربين، بينما الأزمات الحقيقية للمواطن العادي تتوارى خلف أضواء الملاعب وصخب البرامج الرياضية. أصبحنا بحاجة ماسة لوضع حد لهذه المهازل التي تستهلك وقتنا ومواردنا بلا جدوى، خاصة أن الفضائيات الرياضية تحولت إلى منصات تسيطر عليها "شِلَل" بعينها، تُردد نفس الكلام وتناقش نفس الموضوعات، وكأن كرة القدم هي محور الحياة بأكملها.
في الماضي، كانت الأندية تُحكم قبضتها على اللاعبين، وكان رئيس النادي شخصية مهابة تفرض احترامها، أشبه بالمدرس الذي كنا نخشاه ونهرب من مواجهته. أما الآن، فقد انعكست الأدوار وأصبحت الأندية لعبة في أيدي اللاعبين. ليس هذا فقط، بل أصبحت بعض الأندية مراكز قوى تحمي اللاعبين عند ارتكابهم الأخطاء، وتُدافع عنهم مهما كانت تجاوزاتهم.
اللاعبون للأسف استغلوا صراع مجالس إدارات الأندية لتحقيق المكاسب. في زمن أصبح فيه الحفاظ على التقاليد هو الاستثناء، والمادة هي المحرك الأساسي، تحولت كرة القدم إلى معركة بين أرقام خيالية تُنفق دون حساب، بينما المواطن البسيط يكافح لتأمين احتياجاته اليومية.
نناقش أزمة "بالونة عاشور"، أزمات تجديد العقود، وصراع الأندية على لاعبين يساومونها على 20 و25 مليونًا، وكأن مصر لم يعد فيها سوى لاعبي كرة القدم. وفي المقابل، نتجاهل العلماء والأدباء والمثقفين وكبار المبدعين. بينما يحتفي العالم بالبروفيسور المصري مجدي يعقوب واكتشافاته التي تُبهر العالم، نجد أنفسنا غارقين في قصص وأزمات تافهة لا تليق بمستقبل وطن.
حتى الإعلام لم يسلم من هذه الفوضى، حيث انتشرت البرامج الرياضية بشكل غير مسبوق، تقدم محتوى مكررًا ومملاً، تحت سيطرة شلل محددة، وكأن كرة القدم هي القضية الوحيدة التي تستحق النقاش.
لقد تغير الزمن، لكننا بحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات. نحن بحاجة إلى استعادة القيم والتقاليد، والحد من هذا العبث الذي يهدر طاقاتنا. إنه زمن الذين يلعبون على كل الحبال، زمن العجائب الذي نتجاهل فيه ما ينفعنا ونتفرغ للهوامش.
نتجاهل كبار المبدعين و نعطى الاولوية للمدعين،
لا تتعجبوا،إنه زمن العجائب.
0 تعليق