الجندى المجهول.. محمود يحلم بمهرجان مسرحى للمكفوفين: قادرين على الوصول للعالمية

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

للوهلة الأولى، قد تظن أنك أمام شاشة تليفزيون أو تجلس على مقاعد مسرح قومى تتابع أداءً لممثلين محترفين من الصف الأول.. نحن الآن فى مسرح قصر ثقافة أسيوط، حيث نشاهد عرضًا يجمع بين الغرابة والإبداع، لكن المفاجأة تأتى فى نهاية العرض، حين تكتشف أن هؤلاء النجوم هم من أصحاب الهمم من ذوى الإعاقة البصرية. 

خلف الكواليس، يكمن السر فى شخص يُعرف بـ«الجندى المجهول»، وهو المخرج المسرحى محمود عيد، الذى يقود فرقة النور للمكفوفين بإبداع وإخلاص، ليصنع من التحدى قصة نجاح تروى.

فى البداية، يقول محمود عيد، أخصائى التربية المسرحية، ومصمم الديكور والمخرج المسرحى لفرقة النور للمكفوفين التابعة لوزارة الثقافة، ومؤسس الفرقة فى قصر ثقافة أسيوط، إنه بدأ رحلته فى العمل المسرحى مع المكفوفين عام ٢٠١٠ كأخصائى تربية مسرحية فى مدرسة النور للمكفوفين بأسيوط. 

ويضيف: «لاحظتُ حينها حالة من عدم الرضا والضيق والإحباط تسيطر على الطلاب بسبب إعاقتهم وشعورهم بالوحدة، دفعنى هذا الوضع إلى إنشاء فريق مسرحى خاص بهم، وواجهتُ فى البداية صعوبات، سواء من الإجراءات الروتينية أو من عدم تقبل الطلاب للفكرة أصلًا، ولكن مع مرور الوقت، بدأ الطلاب بالاندماج والتعلّم بسرعة، حتى وصلوا إلى الاحتراف فى فن المسرح». ويكشف كيف بدأ بتدريب أعضاء الفرقة، قائلًا: «جمعت الشباب وبدأتُ معهم باللعب على المسرح، ثم انتقلنا إلى التدريبات المسرحية المكثفة، وتعلّموا طرق الحديث على الخشبة، وكيفية إخراج الكلمات بوضوح، والتحكم فى وحدة الصوت ونبرة الكلام».

وتحدث عن الصعوبات التى واجهت الطلاب، قائلًا: «الحركة كانت الجزء الأصعب فى الأمر؛ حيث كان يتم تدريب كل ممثل على حدة على طريقة الحركة وكيفيتها، بالإضافة إلى العمل على حفظ عدد الخطوات بينه وبين الممثل الآخر حتى لا يحدث أى اختلال فى العرض، ثم بدأتُ بتدريبهم على أبعاد المسرح وطريقة الحركة عليه، ورغم أن الوضع فى البداية كان صعبًا، لكن بعد خوضهم بعض التجارب وحصولهم على عدد من الجوائز، بدأ الأمر فى التحسن ونشأ لديهم شعور بالرغبة فى الاستمرارية فى هذا العمل».

ويكشف المخرج محمود عن أن فرقة النور للمكفوفين تضم ٢٥ شخصًا، من بينهم ١٥ من المكفوفين، وقد تم دمجهم مع مبصرين للاستعانة بهم فى بعض الاستعراضات أو العزف على الآلات، بالإضافة إلى تشجيع الممثلين المكفوفين وإعطائهم دفعة قوية للعمل فى المجتمع المحيط بهم تحت أى ظرف من الظروف ومع أى شخص مهما كان، ومع ذلك، فإن الأدوار الرئيسية وأبطال العرض هم من ذوى الهمم.

ويُوضح أن العنصر النسائى من المكفوفين غير متوفر بكثرة، وذلك لعدم تشجيعهن على العمل المسرحى وشعورهن بالخوف من مواجهة الجمهور، بالإضافة إلى قلق أسرهن، لذلك، نضطر للاستعانة بالعنصر النسائى من المبصرات حتى يكتمل الفريق.

ويُضيف أن الفرقة التى بدأت العمل معه فى عام ٢٠١٠، وكانت تشارك فى العروض المسرحية الخاصة بالتربية والتعليم والشباب والرياضة، وفى عام ٢٠١٦، تم اعتمادها فرقة رسمية بوزارة الثقافة، وأصبحت لها ميزانية رسمية وعرض مسرحى ثابت.

ويُشير «محمود» إلى أن الفرقة شاركت فى العديد من المهرجانات، منها مهرجان مسرح الجنوب، ومهرجان أحمد بهاء الدين، ومهرجان مسرح الهواة، ومسرح السامر، ومسرح جامعة أسيوط. وحصلت على العديد من الجوائز فى مجالات مختلفة، مثل التمثيل والإخراج والتأليف والنص وغيرها، كما قدمت الفرقة عروضًا عديدة منها: «العميان، وحلم يوسف، وكفر التنهدات، وإن صلح العشق للظروف، والقلب الأبيض، وخالتى صفية والدير، ولما روحى طلعت، وقضية الذهب، والحمار، وليلة من ألف ليلة».

ويؤكد أن لدى الفرقة العديد من المواهب، من بينها الإنشاد الدينى والعزف والغناء، كما أن لدى بعض الممثلين خبرة فى عمل الاستعراضات المُركبة، إضافة إلى أنهم يتمتعون بروح الفكاهة وخفة الظل الرائعة، وهو ما يظهر جليًا على المسرح فى بعض العروض.

ويُشير «محمود» إلى أنه يحلم بأن تُمثل الفرقة مصر فى المهرجانات الدولية، خاصةً أنها الفرقة الوحيدة للمكفوفين على مستوى الجمهورية، ويتمنى أن يتوجه أعضاء الفرقة إلى العمل السينمائى أو العمل المسرحى الأكثر احترافية، فهم يمتلكون العديد من المواهب التى تُؤهلهم لذلك.

كما يتمنى أن يتم تطبيق هذه التجربة فى كل محافظات الجمهورية والتعامل مع جميع ذوى الاحتياجات الخاصة والاهتمام بهم، وأن يكون لهم مهرجان مُنفصل يجمع جميع الفرق على مستوى الجمهورية.

ويقول إن الممثلين يُضيفون قيمة كبيرة للعروض، ففى بعض الأحيان، يُفاجأ بأن أحد الممثلين يأتى ويُخبره بإضافة مُقترحة للنص، ويتم النقاش فيها، وإذا كانت الإضافة مُناسبة للسياق الدرامى، يتم تنفيذها، وعلى الرغم من أنهم يستهلكون الكثير من الوقت والمجهود فى التدريب، تدفعهم سعادتهم برد فعل المُتفرجين ولجان التحكيم إلى الاستمرار.

ويضيف أنه عندما ينتقلون إلى مسرح جديد، يستغرقون ساعة قبل العرض لتدريب الممثلين على المقاسات الجديدة للمسرح، حتى لا يخرج الممثل عن السياق الدرامى أو يُصيب نفسه أو زميله بأذى نتيجة عدم قدرته على رؤية الوسط المُحيط به. 

كما يوضح أن العلاقة بينهم لا تقتصر على مُخرج وفرقة مسرحية، بل هم بمثابة أبنائه، يتشاركون فى الأفراح والأحزان وكل شىء، حتى إن الأمر تطور إلى أنهم بدأوا يُنادونه «عم محمود» بدلًا من الأستاذ محمود.

ويختتم حديثه قائلًا إنهم يلقون تشجيعًا كبيرًا من الجمهور، الذى يُفاجئ الممثلين فى بعض الأحيان بصعوده إلى المسرح لالتقاط الصور التذكارية معهم، والكثير من الجمهور يُعبّر لهم دائمًا عن دهشته من أدائهم، مُؤكدين أنهم لم يشعروا نهائيًا بأن الممثلين من المكفوفين بسبب جودة حركتهم على المسرح.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق