بعد حرب تحرير البلاد من الغزو العراقي الغاشم والظالم والأحمق، انكمشت الكويت على نفسها، ويبدو ان العرب الذين كانت تقول عنهم "امن الكويت من الامن العربي، وانهم السور الذي يحميها من اي عدوان خارجي (والواقع لم يكن للكويت اعداء خارجيون غير الهاجس العراقي).
الا ان الغزو العراقي (العربي) في الثاني من اغسطس 1990 كان كافياً لينسف الكويتيون السور والثقة، والنفاق والابتزاز العربيين، وكل ما ينتمي للسور العربي، وانه لم يكن سوراً من الحديد، لكنه كان خدعة واهية، سور من التراب سهّل الاختراق ليس من الخارج، لكن من الداخل العربي، فالغرب تجاوز زمن الاحتلالات والاستعمار والسيطرة على خيرات الشعوب المستضعفة.
فالعراق الذي كان ينادي ان "العرب امة واحدة ذات رسالة خالدة"، وان اي عدوان على اي بلد عربي عدوان على العراق، هو الذي تجرأ واخترق وعوده وعهوده ضارباً عرض الحائط بما كان يتبجح به من وعود مخادعة، فغزا الكويت في ليلة ظلماء واهلها نائمون.
هذه الدولة الوديعة الصغيرة التي لم تكن الا اخا وشقيقا لكل العرب، من العراق الى مراكش وموريتانيا.
كانت اللقمة لا تصل الى فمها الا اذا وصلت الى افواه اشقائها، واذا اصيب بلد شقيق بوجع كانت الاولى في "الفزعة"، لذلك شاركت في كل الحروب العربية، العدوان الثلاثي 1956 حرب حزيران 1967، حرب العبور 1973.
لم تشارك للفشخرة والدعاية الرخيصة، انما مشاركة فعلية بالرجال والمال والعتاد، ودفع شهداء في تلك الحروب، ولمن له بصر وبصيرة يدرك ان الدول ليست بحجمها، انما بافعالها، ولا، ولن، ينكر دورالكويت العربي، الا جاحد او حاقد.
احداث اغسطس 1990 كانت كافية لكي يدرك الكويتيون ان امنهم ليس عربياً، انما بقدر الاعتماد على قوى عالمية، فسارعت لابرام اتفاقات امنية مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن (الولايات المتحدة،بريطانيا، روسيا، فرنسا، الصين).
قطعا الكويت كانت تدرك ان اي عدوان عليها، لن تسارع الدول الكبرى مجتمعة لنجدتها، خصوصاً ان المصالح متقاطعة، ولن يلتقي الجندي الاميركي مع الجندي الصيني في معركة او حرب ليست حربه، لكن كانت تلك الاتفاقيات الامنية، لان الكويت لن تضيع وسط الزحام، ومطامع الاقربين.
ان اهمية الدول ليست بحجمها، انما بموقعها اولاً، ومواقفها من قضايا العالم، والكويت لا تزال عربية الهوى، وعالمية المصالح، وهذا لا يعيب، فكل يسعى لمصالحه ويتحالف مع الشيطان للحفاظ على وجوده.
اسرائيل، مثلاً، نجحت في الاونة الاخيرة باختراق الصف العربي، بعقد صداقات مع بعض البلدان العربية، بعدما تيقنت تلك الاطراف ان المنطقة والعالم بحاجة الى السلام، لا الى الحروب والصراعات.
الكويت، رغم علاقاتها القوية والثابتة مع حلفائها الغربيين، الا انها بقيت وفيّة لعروبتها، وبخاصة للقضية الفلسطينية، ولن يجرؤ اي مدع كذوب ان يقول الكويت باعت فلسطين، بل الفلسطينيون باعوا الكويت.
فهي رغم تلقيها صفعات قاسية من الاعراب، الا انها بقيت وفيّة لوعودها ومبادئها...انها الكويت يا سادة لمن في عيونه قذى وفي قلوبه حقد.
بعد حرب تحرير الكويت انقسم الرأي العام الكويتي الى مع وضد، فهناك من رأى مقاطعة البلدان التي ايدت الغزو، فيما اخرون رأوا العودة الى الصف العربي.
على صعيد الحكومة ايضاً، انقسمت الاراء، ففي الوقت الذي كان فيه بطل التحرير، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، سمو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، يرى انه لم يحن وقت المصالحة، كان، آنذاك، وزير الخارجية سمو الشيخ صباح الاحمد يرى عودة اللحمة العربية.
وازاء اصرار كاد الخلاف بين الشيخين يدفع باستقالة الحكومة، الا ان سمو الامير الشيخ جابر الاحمد الصباح، بحكمته حل الخلاف، ورغم ذلك شارك سمو الشيخ سعد العبدالله بمراسيم جنازة الملك حسين في عمان.
اما حين دب الخلاف الخليجي - الخليجي فقد سارع سمو الشيخ صباح الاحمد الى جولة مكوكية بغية المصالحة، بين الرياض والدوحة والمنامة وابوظبي، رغم ان ذلك كان في شهر الصيام، والطقس الحار، واعتلال صحته.
الشيخ صباح، يرحمه الله، كان عروبياً الى النخاع، بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران، كان الشيخ صباح اول مسؤول عربي يسارع الى زيارة طهران، ولقاء الامام الخميني، وكان الوضع يهدد بحرب بين العراق وايران، وفي اثناء الحرب العراقية - الايرانية مكث ثلاثة اشهر في نيويورك للحصول على قرار من مجلس الامن يقضي بوقف الحرب بين طهران وبغداد، وبرحيل الشيخ صباح اغلقت بوابة الكويت للمصالحات العربية.
صحافي كويتي
0 تعليق