في خضم أزمة إنسانية متفاقمة تشهدها غزة، أُعلن عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس الفلسطينية.
هذا الاتفاق يأتي وسط ترقب دولي وشعبي كبير، حيث تتجه الأنظار إلى إمكانية أن يُشكل خطوة نحو إنهاء معاناة الفلسطينيين التي طال أمدها.
ومع ذلك، تُثار تساؤلات مشروعة حول مصير هذا الاتفاق: هل سيتحول إلى أساس لسلام دائم وشامل؟ أم أنه مجرد هدنة مؤقتة ستنهار في ظل الضغوط الإقليمية والخلافات الجوهرية بين الأطراف؟
أخبار تهمك
المرحلة الأولى.. تبادل أسرى ووقف مؤقت للنار
تبدأ الصفقة بتنفيذ المرحلة الأولى، التي تشمل وقفًا لإطلاق النار وتبادلًا للأسرى. يتضمن الاتفاق إطلاق سراح 33 إسرائيليًا محتجزًا لدى حماس، مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يتم تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، الذي يعاني سكانه من نقص حاد في الغذاء والدواء بسبب الحصار والقصف المستمر.
لكن، وكما هي العادة في مثل هذه الاتفاقيات، تواجه المرحلة الأولى تحديات كبيرة. فقد أثار التأخير المتكرر في تنفيذها شكوكًا حول جدية الأطراف. ويرجع هذا التأخير إلى تعقيدات مرتبطة بآليات التنفيذ، لا سيما التحقق من قوائم الأسرى وسلامتهم، مما يزيد من حالة التوتر ويضع الاتفاقية في اختبار مبكر.
المرحلة الثانية.. تحديات المفاوضات الشائكة
تُعد المرحلة الثانية من الصفقة الأكثر تعقيدًا، – وهي تبدأ في اليوم الـ 42_ حيث تهدف إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الأحياء لدى كلا الطرفين، مع إنهاء العمليات العسكرية وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة.
ومع ذلك، فإن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب مفاوضات شائكة بين الجانبين. تسعى إسرائيل لفرض شروط صعبة، من بينها تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس ونفي قياداتها إلى دولة ثالثة، وهو ما تعتبره الحركة شرطًا تعجيزيًا وغير مقبول. على الجانب الآخر، تصر حماس على ضرورة رفع الحصار المفروض على غزة وضمان عدم استهداف قياداتها في المستقبل، مما يجعل المفاوضات أشبه بمعركة سياسية ودبلوماسية قد تُعيد إشعال الصراع إذا فشلت.
المرحلة الثالثة.. إعادة الإعمار في مهب الريح
تتضمن المرحلة الأخيرة من الاتفاقية جهودًا لإعادة إعمار قطاع غزة، الذي دُمرت بنيته التحتية بالكامل تقريبًا بسبب الحرب. تشمل هذه المرحلة إطلاق سراح باقي المحتجزين الإسرائيليين، مع التزام دولي بتمويل عمليات إعادة البناء.
لكن هذه المرحلة تبدو الأكثر غموضًا، إذ لم تتضح بعد تفاصيل خطة إعادة الإعمار، وسط شكوك حول التزام الأطراف المانحة وتوافر التمويل اللازم. كما أن استمرار التوترات السياسية قد يُعطل هذه الجهود، ما يُهدد بجعل الاتفاقية حبراً على ورق.
الدور الدولي والإقليمي.. بين الدعم والضغوط
يتزامن الإعلان عن الاتفاقية مع تغيرات سياسية على الساحة الدولية، لا سيما تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة. ورغم العلاقات الوثيقة التي تجمع بين نتنياهو وترامب، إلا أن الأخير أبدى رغبة واضحة في تقليص التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج، مما قد يضع إسرائيل في موقف صعب إذا قررت استئناف العمليات العسكرية في غزة.
على الجانب الإقليمي، تبدو الدول العربية منقسمة بين داعم ومتحفظ تجاه الاتفاق، حيث تضع بعض الدول أولوياتها الوطنية فوق القضية الفلسطينية، بينما تحاول أخرى لعب دور الوسيط لتثبيت وقف إطلاق النار.
آفاق السلام.. خطوة للأمام أم هدنة مؤقتة؟
في ظل التحديات المعقدة التي تواجه تنفيذ بنود الاتفاق، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن أن تصمد هذه الصفقة أمام الضغوط المتزايدة، أم أنها ستنهار كما حدث مع اتفاقيات سابقة؟
من جهة، تُعتبر هذه الصفقة بصيص أمل للفلسطينيين الذين أنهكتهم الحرب، لكنها من جهة أخرى تُظهر هشاشة واضحة في الالتزام بتفاصيلها وآليات تنفيذها.
في النهاية، يُدرك الجميع أن تحقيق السلام في المنطقة لا يعتمد فقط على الاتفاقيات، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية ورغبة صادقة في إنهاء الصراع. وحتى تتحقق هذه الإرادة، ستظل غزة تعيش على وقع الأمل والحذر في آن واحد، مترقبة ما ستؤول إليه الأيام القادمة.
0 تعليق