بعد أشهر من التصعيد والمعاناة فى قطاع غزة، يدخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس حيز التنفيذ، اليوم، مستندًا بشكل كامل إلى تفاصيل المبادرة المصرية التى أعلنتها القاهرة فى مايو الماضى.
ورغم التوترات والمفاوضات المعقدة التى استمرت طوال الأشهر الماضية، بقيت المبادرة المصرية حجر الأساس للحل، وقدمت رؤية متوازنة لإنهاء النزاع ووقف القتال الذى استمر ١٥ شهرًا، وعكس الاتفاق الموقّع إجماع طرفى الصراع على جدوى المقترح المصرى، ما يعزز دور القاهرة كوسيط رئيسى فى تحقيق استقرار مستدام فى المنطقة.
وتمكنت الجهود المصرية من تقريب وجهات النظر بين طرفى الحرب على مدار الـ١٥ شهرًا الماضية، خاصة منذ شهر مايو الماضى، حين طرحت القاهرة «المبادرة المصرية» التى وفرت أفضل صيغة يمكن أن يتوصل إليها من أجل وقف حمام الدماء فى غزة، وهى التى وقّعت عليها حماس وإسرائيل خلال الأيام الماضية.
واستندت المبادرة المصرية إلى رؤية شاملة تحقق هدوءًا مستدامًا داخل غزة، وكذلك التزمت بالمبادئ الثابتة لدى القاهرة تجاه القضية الفلسطينية.
وشكّل الاقتراح المصرى خارطة طريق لتحقيق التهدئة وإنهاء التصعيد، فى إطار ما تتمتع به مصر من ثقل وخبرة سياسية ودبلوماسية، كلاعب رئيسى لتحقيق الاستقرار بالمنطقة، خاصة داخل قطاع غزة الذى يتشارك فى الحدود مع سيناء.
وتميز الدور المصرى بقدرته على تقديم رؤية شاملة مبنية على المصلحة الفلسطينية، وكذلك مصلحة المنطقة فى العودة إلى الهدوء مرة أخرى، مع الحفاظ على حوار مفتوح مع جميع الأطراف المعنية، وليس الاقتصار على طرف بعينه، وهذه المصداقية مستمدة من ثوابت مصرية لم تتغير منذ بداية الأزمة.
ولم يقتصر الدور المصرى على تقديم المبادرة، بل شمل جولات دبلوماسية مكثفة فى القاهرة وخارجها، حيث انخرطت القيادة المصرية، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، فى مشاورات مع مختلف الأطراف لضمان تنفيذ الاتفاق.
وعكست هذه التحركات المكثفة التزامًا مصريًا جادًا بدعم حقوق الشعب الفلسطينى، وتجنيبه ويلات استمرار الحرب لوقت أطول، وضمان وقف التصعيد الإسرائيلى، بل وعدم استئنافه مرة أخرى.
وبصفتها دولة جوار مباشر لغزة، تتمتع مصر بفهم معمق للواقع الميدانى فى القطاع، وهذا الفهم منحها القدرة على تقديم مبادرات واقعية تتماشى مع طبيعة الأوضاع فى غزة، وأن تكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع هناك، ما عزز من مصداقية طروحاتها لدى جميع الأطراف الإقليمية والدولية.
وارتكزت الجهود المصرية على مبادئ ثابتة تجاه القضية الفلسطينية، أبرزها حماية حياة الشعب الفلسطينى، وحقن دمائه التى هدرت على مدار ١٥ شهرًا، والحفاظ على الوحدة السياسية والجغرافية للفلسطينيين، والتماسك الجغرافى لقطاع غزة، والعمل على إيصاله بالضفة الغربية والقدس المحتلتين، والالتزام بالشرعية الفلسطينية كمبدأ أساسى، ومنح الأولوية لمصلحة المواطن الفلسطينى وتحقيق رفاهيته.
ويتجاوز الدور المصرى فى غزة كونه دورًا وسيطًا تقليديًا، ليعكس رؤية متوازنة ومصداقية ثابتة فى التعامل مع الأزمات، وبينما يوصف الوضع فى غزة بالتعقيد، يبقى التحرك المصرى نموذجًا للدور الإقليمى المسئول، الذى سعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار فى المقام الأول وضمان حقوق الشعوب فى حياة كريمة.
ويعد الاتفاق الذى تم توقيعه بين إسرائيل وحماس، ويحمل بصمة مصرية بارزة، وسيلة تمهد الطريق نحو سلام مستدام، ليس فقط عبر التهدئة العسكرية، بل أيضًا من خلال إعادة بناء البنية التحتية فى القطاع.
ويعكس الاتفاق رؤية شاملة ترتكز على ٣ مراحل رئيسية، تمتد كل منها على مدار ٤٢ يومًا، وتهدف إلى تحقيق هدنة مستدامة تسهم فى إنهاء التوتر وإعادة بناء القطاع.
وتركز المرحلة الأولى على وقف العمليات العسكرية وسحب القوات الإسرائيلية من المناطق المكتظة بالسكان داخل القطاع، مع بدء عودة النازحين تدريجيًا إلى منازلهم.
وبالتزامن مع ذلك، تتضمن الخطة إدخال مساعدات إنسانية عاجلة، حيث يُسمح بدخول ٦٠٠ شاحنة يوميًا محملة بالغذاء والوقود والمستلزمات الطبية لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان وإعادة تأهيل المرافق الحيوية.
كما تتضمن تبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانبين وفق آليات محددة، بإطلاق سراح ٣٣ محتجزًا إسرائيليًا مقابل عدد يتم التوافق عليه من الأسرى الفلسطينيين، بمن فى ذلك النساء والأطفال، فى خطوة تهدف إلى تعزيز الثقة بين الطرفين.
كما يهدف الاتفاق إلى إعادة إعمار القطاع بشكل شامل على مدار ثلاث إلى خمس سنوات، مع إشراف دولى وإقليمى لضمان التنفيذ الفعّال، وتشمل هذه الجهود ترميم البنية التحتية المدمرة، ما يسهم فى تحسين الظروف المعيشية فى غزة على المدى الطويل.
0 تعليق