أكد الدكتور محمد جودة الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، أن خطة اليوم التالي للحرب في قطاع غزة، يجب أن تشمل توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الشقاقات خاصة مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتابدل الإفراج عن الأسرى والمحتجزين بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف جودة في تصريحات خاصة لـ الدستور، أنه بعد الإعلان رسميًا عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين حماس واسرائيل بعد 466 يوم من الحرب الوحشية على قطاع غزة، دفعت غزة فيها أكثر من 65 الف شهيد وأكثر من 110 جريح فلسطيني وتدمير قرابة ال90% من قطاع غزة، أصبح لزامًا على حركة حماس التفكير جديًا وإعادة النظر في مدى صوابية إدارتها لحكم غزة والواقع السياسي للقطاع بعد هذه الحرب.
اليوم التالي للحرب يحمل معه اعباء وتحديات
وتابع جودة، اليوم التالي للحرب على غزة يحمل معه أعباء وتحديات تتجاوز حجم الدمار المادي الذي خلفته القذائف والصواريخ، فغزة ليست فقط أرضًا منكوبة تعاني من الحصار والدمار والحرب، بل هى أيضًا مسرح لصراعات سياسية وأجندات إقليمية ودولية متشابكة.
وأشار جودة إلى أن الحرب شارفت على الانتهاء باتفاق لوقف إطلاق النار، لكن جذور الأزمة تبقى حاضرة، مما يجعل التهدئة هشّة ومستقبل القطاع غامضًا.
وأوضح جودة أن الحرب التي شهدتها غزة أعادت تأكيد هشاشة الوضع الإنساني، حيث يعيش أكثر من مليوني نسمة في ظروف صعبة بسبب الحصار المفروض منذ عام 2007، خاصة أن حجم الدمار الذي لحق بالمنازل والبنية التحتية يزيد من صعوبة الحياة اليومية، مما يجعل من إعادة الإعمار أولوية ملحة، ومع ذلك، فإن هذا الملف، كما هو الحال في كل مرة، لا يخلو من تعقيدات سياسية، وبرأيي ان الأطراف المختلفة، سواء الفلسطينية أو الإقليمية أو الدولية، تسعى لاستغلال هذه المرحلة لتعزيز مصالحها.
وأضاف أن مصطلح اليوم التالي ما بعد الحرب هو مصطلح سياسي ظهر في خضم الحرب على قطاع غزة، والمقصود به طبيعة وشكل العلاقة المستقبلية بين الاحتلال الإسرائيلي ومنظوره إلى قطاع غزة من الجانب السياسي ومن سيحكم القطاع ومن سيديره، إضافة إلى الجانب الجغرافي ويتعلق بشكل وطبيعة جغرافية قطاع غزة ما بعد الحرب.
ولفت جودة إلى أن الرؤية الأمريكية المعلن عنها لليوم التالي للحرب على غزة مبنية على فكرة إعادة غزة إلى الحالة التي كانت عليها ما قبل سيطرة حركة حماس عليها عام 2007، لتكون إلى جانب الضفّة الغربيّة تحت سيطرة السلطة الفلسطينيّة، فيما تقوم السلطة بكل ما يلزم لإعادة إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب.
وبين السياسي الفلسطيني أن مصطلح اليوم التالي للحرب كان يعبر عن طبيعة الرؤى والخطط السياسية لمستقبل قطاع غزة والتعامل معها، وهو لم يختصر على القطاع بل بات يناقش إسرائيليا وما يرتبط بالحالة السياسية الإسرائيلية، والعلاقة الإسرائيلية الداخلية.
وأكد جودة أن الحرب الحقيقية هى تلك الحرب السياسية التي تتبلور ما بعد الإعلان عن وقف الحرب الميدانية والعسكرية لأن كل طرف من الأطراف يبدأ يبحث عن مجالات استثمار لنتائج الحرب.
وأوضح جودة أن الاحتلال الإسرائيلي سيحاول استثمار الحشد والتعاطي الدولي وحالة الدمار والقتل وملفات أخرى أحدثها في قطاع غزة وهي جزء من الأدوات الضاغطة التي سيحاول من خلالها ابتزاز الطرف الفلسطيني والمقاومة للحصول على أكبر قدر ممكن من المكتسبات السياسية.
وقال جودة إن نتنياهو يعول على مكتسبات سياسية في اليوم التالي للحرب من قبل الإدارة الأميركية وما ستمنحه لإسرائيل كإنجازات أو ثمار سياسية ما بعد الحرب، وفلسطينيا هناك معضلة حقيقية مع حالة الانقسام وعدم التوافق السياسي مما يضعف طبيعة وحجم الاستثمار أو الاستفادة من اليوم التالي لما بعد الحرب، ويزيد من حالة الفجوة بين تيارين فلسطينيين، أحدهما متمثل في المقاومة، والآخر التيار الرسمي الفلسطيني ممثلا بالسلطة الوطنية الفلسطينية، حيث سيحاول كل طرف إلقاء اللوم على الآخر وهى واحدة من المعضلات الأساسية التي ستكون لها ارتداداتها فلسطينيا بحيث لا يوجد رؤية سياسية فلسطينية موحدة.
وأضاف جودة أن المطلوب من حركة حماس وفصائل المقاومة إعادة النظر في حكم قطاع غزة من خلال التوافق مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس لإدارة القطاع والتخلي عن سياسة الحكم السابقة من خلال التراجع عن أحداث العام 2007 وما قامت به حماس من انقلاب عسكري، فشعبنا في قطاع غزة وبعد 15 شهرا من هذه الحرب الدموية وبعد كل هذه المعاناة يجب أن يعيش بأمن وسلام وتحت مظلة حكومة فلسطينية تستطيع تغيير واقعه وتكون قادرة على توفير له كل ما يلزم من مقومات الحياة وسبل العيش الكريم والاستقرار على أرضه وفي وطنه بأمن وسلام.
وأكد جودة أنه مطلوب من المجتمع الدولي وبدلًا من أن ينصب تركيزه على تقديم المساعدات الإنسانية أن ينظر لمعالجة جذور المشكلة سياسيا بالدرجة الأولي، حتى لا تترك غزة عالقة في حلقة مفرغة، ولذلك فليس المطلوب من المجتمع الدولي أن يصدر للشعب الفلسطيني بيانات الإدانة والوعود بالمساعدات، ولكن عليه أن يخطو خطوات جادة للدفع باتجاه حل سياسي دائم للصراع مع إسرائيل.
وتابع "في ضوء هذه المعطيات، يظل مستقبل غزة مرهونًا بتغيرات جذرية في النهج السياسي على المستويات كافة، فالوحدة الوطنية الفلسطينية تبدو شرطًا أساسيًا للخروج من هذا المأزق، إلى جانب ضغط دولي حقيقي على إسرائيل لإيجاد حل سياسي يحقق الاستقرار.
وأكد جودة أن اليوم التالي للحرب على غزة ليس مجرد لحظة لوقف إطلاق النار، أو ملف إنساني، بل هى اختبار حقيقي للإرادة الدولية والإقليمية وفرصة لإعادة النظر في السياسات الحالية، تحتاج غزة إلى حلول شاملة وإرادة حقيقية لإنهاء المعاناة سياسيًا وإنسانيًا، ومعالجة جذور الصراع بدلًا من مجرد إدارة نتائجه، ودون حلول حقيقية، ستبقى غزة رهينة الحروب المتكررة والأزمات المستمرة وسيدفع أهلها الثمن الأكبر.
0 تعليق