الخميس 23/يناير/2025 - 09:01 ص 1/23/2025 9:01:33 AM
أحدث قرار رئيس جامعة الأزهر بتعريب المقررات الدراسية لكليات الطب البشري والصيدلة والهندسة وغيرها حالة شديدة من الجدل في المجتمع المصري، وطبيعي أن يحدث هذا الجدل حين يصدر القرار عن خلفية عاطفية أكثر منها علمية وإدارية، وحين تكون الدوافع مجرد فكرة نظرية مفادها أنه لابد أن نستعيد مكانتنا بالعودة إلى هويتنا وأن تلك العلوم وضعت في الأصل بالعربية من خلال علماء المسلمين وموضوع تعريب الطب قديم وهناك بعض التجارب القديمة وإن لم تأتي بثمارها الكاملة، كما أن هناك بلدان أخرى كثيرة في العالم تدرس العلوم بلغتها، لكن المنسي في هذه الحجة أن تلك البلدان من دول العالم المتقدم من حقها أن تفرض لغتها على الآخرين، وانها حين تقوم بذلك فإنها تطبقه على جامعاتها الوطنية بالكامل، أما في هذه الحادثة كان القرار عشوائيا لا يرتقي بجامعة عمرها بعمر الأزهر الشريف، فكيف يفكر رئيس الجامعة في تعريب العلوم في جامعته دون أن نسمع عن تنسيق جرى مع الجامعات المصرية الأخرى، أم أنه يريد أن يتخرج الطبيب في جامعته وهو يشعر بعين الغربة في وطنه عند التواصل والتبادل العلمي مع زملائه في نفس الوطنوالذين تخرجوا في الجامعات المصرية الأخرى وقد درسوا الطب باللغة الإنجليزية الطبية والمصطلحات اللاتينية، ثم أنهم كيف ينسجمون مع سوق العمل الطبي وهم في واحة عزلة علمية صنعها قرار غير مدروس يبدو عنتريا لإضافة إنجاز مختلق لن يتحقق على أرض الواقع، وكان يجب على جامعة الأزهر قبل أن يصدر مجلسها قرارا بتبني هذا التعريب أن يدرك أن هذا الأمرقرار سيادي ينبغي العودة فيه أولا من حيث المبدأ إلى رئيس الجمهورية مستندا على موافقة مبدئية مدروسة من المجلس الأعلى للجامعات تتوافق فيه الجامعات المصرية على تطبيق الفكرة، وقبل ذلك التفكير في معالجة إشكاليات أربعة أساسية تواجه تطبيق هذا القرار أولها أن أستاذ المادة الذي درس الطب بالإنجليزية وحصل على دراساته العليا بالإنجليزية كيف سيكون في استطاعته بين ليلة وضحاها أن يٌدرس مادته باللغة العربية وهو فقير فيها أصلا؟ ففاقد الشيء لا يعطيه، وثانيا كيف يتابع الطبيب التطور العلمي المذهل؟ والمجلات العلمية والمراجع الطبية معظمها باللغة الإنجليزية والمكتبة الطبية العلمية تفتقدللمراجع العلمية باللغة العربية، وثالثا كيف يشارك الطبيب في المؤتمرات العلمية الدولية وهو لا يجيد لغة المتحدثين بها؟ ورابعًاأن هناك بعض المصطلحات العلمية التي ترجمت باللغة العربية فجاءت بألفاظ فظة من الصعب استيعابها وتداولها. إن اللغة العربية ونحن نعتز بها اعتزازا أصيلا لا يقبل الشك ليست بلغة عالمية لأن عدد الناطقين بها ما يربو عن 450 مليون شخص في عالم يعيش فيه نحو 8 مليارات نسمة، وأن لغة العلم ينبغي أن تكون لغة عالمية حتى يسهل من خلالها انتقال وتداول المستحدث في العلوم والأبحاث الجديدة، أما فكرة أن العرب المسلمين هم من وضعوا تلك العلوم وهي حقيقة لا ينكرها إلا جاحد، فيجب أن نسأل أولا عند استدعاء هذه الفكرة رئيس جامعة الأزهر عن الإجراءات التي اتخذتها جامعته والجامعات المصرية الأخرى للحفاظ على هذه الحقيقة التاريخية والبناء عليها، وكم عدد رسالات الماجيستير والدكتوراه التي ربطت بين العلم الحديث وحقائقه الموجودة في التاريخ العلمي العربي والإسلامي؟ وإذا أجبنا بأمانة عن هذه الأسئلة لأدركنا من هو المتسبب حقا في أننا صرنا أمة في ذيل الأمم كما أعلن ذلك مسبقا وعلى الملأ فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في مواجهته الشهيرة مع رئيس جامعة القاهرة السابق حين قال بالنص:
"إن جامعاتنا الآن منذ أكثر من قرن من الزمان فيها الهندسة والطب والزراعة والصيدلة والطيران والعلوم ومراكز البحث العلمي وحتى الآن مش قادرين نصنع كاوتش سيارة"
وكان الأجدر برئيس جامعة الأزهر أن يؤسس لتحويل جامعته إلى جامعة منتجة يكون خريجها قادر على المنافسة في سوق العمل إذا كان قد أدرك حديث الإمام الأكبر وهو يؤكد أن الآلة الإعلامية الخبيثة تصور الأزهريين على أنهم مجرد حملة للقرآن والسنة وهذا غير الحقيقة. ورغم أن جامعة الأزهر التي يدعو رئيسها للتعريب تمنح حوافز مادية على النشر الدولي باللغة الإنجليزية لباحثيها بهدف رفع تصنيفها دوليا إلا أنه قد أصدر قرارات تنفيذية فعلية معاكسة نشرها المركز الإعلامي للجامعة بجميع الصحف منها ما هو لتشكيل لجنة علمية لتعريب الطب النفسي، والآخر لتشكيل لجان تعريب مقررات الطب البشري والصيدلة تحت إشراف نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، إلا أن هذه القرارات التي غابت عن وعي القضية ودراسة تجاربها السابقة لم تصمد أمام الجدل والغضب وردود الأفعال التي جاءت عقب الإعلان عنها حتى من بين القيادات الأزهرية نفسها، فسارع المركز الإعلامي للجامعة بنشر بيانحاول إظهار أن الأمر لا يتعدى مجرد دراسات حول إمكانية تعريب العلوم الطبية، فهل يصدر القرار قبل الدراسة والتأني؟
الموقف الآن ينتظر تصحيح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لمواجهة خطورة حقول التجريب في الجامعة، وقد لا أرجم بالغيب إذا قلت أن الإمام الأكبر بريء من تلك المراهقة في اتخاذ القرارات المصيرية دون دراسة أو تأني، وأنه يسعى مغردا في السرب بمفرده لريادة الأزهر وجامعته، ورسالتي إلى فضيلته أن يؤسس لخطة بعيدة المدى لتطوير جامعة الأزهر يعتمدها المجلس الأعلى للأزهر ويكون على رئيس الجامعة ونوابه تنفيذ أدوارهم فقط في خطة التطوير في وقت تقلدهم للمسئولية، حتى لا يترك الحبل على الغارب لكل فكرة عابرة بدون دراسة وقد أصابها الوهن وسوء التخطيط.، حفاظا على الأزهر ومكانته في قلوبنا جميعا وأعتذر للغة العربية عظيمة الشأن التي يٌزج بها في استعراضات غير محسوبة، وللحديث بقية.
0 تعليق