عندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كان هدفه بناء أمة قوية. وكقائد حكيم، أدرك صلى الله عليه وسلم أن بناء الأمة يتطلب أولًا إصلاحًا داخليًا. فبدأ بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ثم الإصلاح بين الأوس والخزرج، وبعدها انطلقت النهضة الإسلامية من المدينة وامتدت إلى آفاق بعيدة.
على النهج ذاته، سار الشيخ زايد وإخوانه حكام الإمارات لتحقيق اتحاد الإمارات. لكن خلف هذا الاتحاد، يقف بطل استثنائي، الشيخ زايد، صاحب فكرة الاتحاد ومؤسس الدولة الحديثة. لحيث لم يكن الاتحاد بالنسبة له مجرد فكرة سياسية فقط، بل رؤية شاملة تضمنت كافة جوانب الحياة، من تعليم وصحة إلى البحث العلمي والبنية التحتية. وقد تجسدت ثمار هذا الاتحاد خلال أكثر من خمسين عامًا، وعبّرت كلمات الشيخ زايد الخالدة عن ذلك بوضوح: "إن الاتحاد يعيش في نفسي وعقلي، ولا يمكن أن أتصور في يوم من الأيام أن أسمح بالتفريط فيه أو التهاون نحو مستقبله."
حب الشيخ زايد:
لا يختلف إماراتي أو مقيم على حب الشيخ زايد. حبهم له ليس مجرد مجاملة، بل شعور حقيقي ينبع من القلوب. تقول إحدى المقيمات التي عاصرت وفاته:
"بكيت عليه كبكاء البنت لأبيها، ليس كرئيس فقط، بل كإنسان يمنح الجميعدون تفرقة الأمان ويعاملهم بالرحمة." يتفاخر الإماراتيون بزايد كرمز لوحدتهم وقائد نهضتهم، فهو الذي قاد المجتمع من حياة البداوة البسيطة إلى حضارة مدنية حديثة، مع الحفاظ على التراث والقيم الإسلامية والعربية. واليوم، تُنقل سيرته للأجيال الجديدة كمنهج عملي يسير عليه قادة الإمارات لتطوير البلاد.
زايد وراشد: سنشد عضدك بأخيك:
"المرء بأخيه أقوى"—بهذه القاعدة تأسس الاتحاد الذي جمع بين الشيخ زايد والشيخ راشد، فكان راشد داعما كل الدعم لفكرة الشيخ زايد- فكرة الاتحاد. ومن المفارقات الجميلة أن كلا الاسمين يتحدان في عدد الحروف والوزن الصرفي "فاعل"، وكأنهما توأمًا للنجاح وهما بالفعل رمزًا للوحدة. أدرك الشيخان أن بناء دولة قوية ومستدامة لا يتحقق إلا من خلال التعاون والتفاهم. عملا بقوله تعالى "سنشد عضدك بأخيك" فكان الشيخ راشد حجر الأساس في تطوير دبي، وشارك الشيخ زايد رؤيته في ضرورة التكامل بين الإمارات وفي دعوة باقي اخوانهم من حكام الإمارات للاتحاد.
إنجازات الاتحاد:
على خطى الآباء، سار الأبناء مجسدين معاني الاتحاد في مبادرات ملهمة. فنجد على سبيل المثال لا الحصر مبادرة "تحدي القراءة العربي"، التي أطلقها سمو الشيخ محمد بن راشد، قد وحدت الأطفال والشباب حول قيم العلم والمعرفة حب وتنمية القراءة. كما دخلت الإمارات السباق العلمي العالمي بإطلاق "مسبار الأمل" لاستكشاف المريخ، وهو إنجاز كان يبدو مستحيلًا لولا روح الاتحاد التي تجعل من الصعب ممكنًا. هذه الإنجازات ليست سوى امتداد لرؤية الأجداد بروح الاتحاد.
دعوة للاقتداء:
في ذكرى العيد الوطني الـ53 لدولة الإمارات، أوجه دعوة إلى العالم العربي للاقتداء بتجربة اتحاد الإمارات، التي عززت قيم التعايش والعمل الجماعي. لنطبق قيم التسامح والعدالة التي أرسى النبي صلى الله عليه وسلم قواعدها بقوله: "اذهبوا فأنتم الطلقاء." ونعمل معًا لتوحيد صفوفنا خلف قياداتنا ومؤسساتنا لبناء مستقبل أفضل.
الاتحاد الذي غرسه الشيخ زايد والشيخ راشد وإخوانهما ليس مجرد قصة نجاح للإمارات، بل نموذج عملي يمكن أن يلهم العالم العربي. هو رسالة بأن الوحدة ليست كلمة تُقال، بل فعل يرتبط بالعلم، والعمل ثم العمل للريادة. ولن يتحقق هذا إلا إذا تمسكنا بحبل الله جميعًا: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا."
كل عام والإمارات والعالم العربي والبشرية بخير واتحاد وسلام. عيد وطني سعيد!
0 تعليق