برزت فى عالم اليوم جوانب عديدة للحروب، منها: الحرب النفسية، والحرب الإعلامية، والحرب الإلكترونية، وحرب العصابات والميليشيات، وحرب الشائعات، التى يشوه فيها الوطنيّون الشرفاء، ويُدعم فيها الخونة والعملاء لأعداء أوطاننا وأمتنا العربية والإسلامية.
ولم يعد تشكل الجيوش فى الحاضر كتشكيلها فى الماضى، حيث كانت الجيوش فى السابق تقسم على خمسة أقسام هى: المقدمة، والمؤخرة، والميمنة، والميسرة، والقلب، غير أن تشكيل الجيوش صار فى عالم اليوم مختلفًا، وصارت الحرب الفكرية والنفسية والمعلوماتية هى المقدمة الحقيقية التى تعمل الدول على هزيمة أعدائها نفسيًا من خلالها، لتصبح فريسة سانحة وصيدًا سهلاً عند دوران عجلة الحرب العسكرية إنْ اضطرت إليها، ذلك أن أكثر الدول المعتدية الآثمة ترى أن إسقاط الدول من داخلها بأيدى بعض الخونة من أبنائها والمرتزقة المأجورين معهم أقل كلفة بكثير من الحروب التقليدية.
ولا شك أن بناء الوعى الرشيد يعد أحد أهم الأسلحة إن لم يكن أهمها فى مواجهة تلك التحديات، ولا سيما مخاطر الإرهاب والفكر المتطرف والجماعات المتطرفة، والشائعات الكاذبة الهدامة، فكل جملة وعى مستنير يمكن أن توفر نقطة دم فى المواجهة، فلم تسقط دولة عبر التاريخ إلا كان التآمر وخيانة بعض أبنائها أو تخاذلهم عن نجدتها والدفاع عنها أحد أهم عوامل سقوطها، فالعدو المتربص إنما يتمكن من الدول التى يصيبها التفسخ والتناحر والشقاق، ولا شك أن نشر الشائعات أحد أهم أسلحته فى ذلك.
وهو ما يستدعى فهم الآتى بدقة:
١ - أن الحرب النفسية تعد من أهم الوسائل الرئيسية لحروب الجيل الرابع التى يستخدمها أعداؤنا فى توظيف وتجنيد الإرهابيين لتحطيم الجبهة الداخلية فى دولنا، والتشكيك فى قدرات الدولة الوطنية ومنجزاتها ومؤسساتها، مستخدمين فى ذلك مواقع التواصل الاجتماعى، والفضائيات لترويج الأكاذيب، من خلال استخدام سلاح المال، والعملاء.
2- أن تلك الحملات الهدامة التى تروج للشائعات والفكر المتطرف ممولة ومدعومة بإمكانات ضخمة، عبر بعض الفضائيات وكثير من مواقع التواصل، وهو ما يدخل فى إطار الإرهاب المعلوماتى، ويرتبط هذا الأسلوب إلى حد كبير بالمستوى المتقدم الذى أصبحت تكنولوجيا المعلومات تؤديه فى كل مجالات الحياة.
وأؤكد أن حيل الأعداء لإسقاط منطقتنا وإفشال دولها الواحدة تلو الأخرى لم ولن تنتهى أو تتوقف، مستخدمين كل ما يمكن أن يطلق عليه حروب الجيل الرابع والجيل الخامس، إلى ما يمكن أن نعتبره حالة خاصة صنعت لإنهاك منطقتنا واستنزاف مواردها، من خلال استخدام كل الوسائل غير المشروعة من توظيف الإرهاب وتبنى الإرهابيين ودعمهم، وتعظيم أمر الخيانات، وشراء الولاءات، ومنهجة استخدام سلاح الشائعات، وتُوظيف الكتائب الإلكترونية، والمحاولات المستميتة فى إثارة الشعوب وتأليبها على حكامها، وتشويه الرموز والمكتسبات الوطنية، والتشكيك فى كل الإنجازات والتهوين من أمرها، ومحاولة كسر إرادة الشعوب، والتشكيك فى العلماء والمفكرين والمثقفين الوطنيين، ودعم مناوئيهم، وتوجيه رسائل التهديد المبطنة تارة والصريحة أخرى للمتمسكين بمبادئهم المخلصين لأوطانهم الحريصين على أمنها واستقرارها.
٣- أن الخطر كل الخطر هو أن نقف موقف المتفرج أو المتردد، بل يجب أن نكون فى سباق مع الزمن، ونقدر مخاطر الظرف الراهن لأمّتنا، وأن يعمل كل المعنيين ببناء الوعى الغيورين على أوطانهم المدركين لحجم التحديات على تحصين أوطاننا من مخاطر السقوط أو الوقوع فى فخ الهزيمة النفسية، مع الحرص على دعم جيوشنا الوطنية لتظل قوة ردع وحائط صد عن أوطاننا وأمتنا وعزتنا وكرامتنا بل وحياتنا وأعراضنا ومقدراتنا الوطنية.
٤- التصدى بقوة وحزم لتلك الشائعات الكاذبة ومروجيها، وبيان خطورتها على أمن الوطن واستقراره، فقد وصف القرآن الكريم كل من يعمد إلى نشر الأخبار الكاذبة بالفسق فقال سبحانه: «يا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، ويقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوى بها فى جهنم».
الأستاذ بجامعة الأزهر
0 تعليق