شهدت القاعة الدولية، في معرض القاهرة للكتاب 2025، ندوة بعنوان "الخطاب الثقافي ومتغير العصر"، بإدارة الكاتبة العمانية هدى حمد، التي افتتحت النقاش بطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة التحولات التي طرأت على الخطاب الثقافي بفعل المتغيرات التكنولوجية والاجتماعية.
وتحدثت عن انحسار دور النخبة المثقفة وانفتاح الخطاب الثقافي على فضاءات جماهيرية جديدة، مشيرة إلى أن الخطاب لم يعد خطيًا بين مرسل ومستقبل، بل تحول إلى حالة من التداخل والانصهار، حيث لم تعد الحدود بين المرسل والمتلقي واضحة. طرحت تساؤلات جوهرية حول كيفية انسجام الخطاب الثقافي مع متغيرات العصر، دون الانجراف نحو السطحية.
السيمولاكرا من السينما إلى الرواية الرقمية
وقدم الناقد حسام نايل مداخلة فلسفية تناولت مفهوم "السيمولاكرا"، كما طرحه الفيلسوف الفرنسي جان بودريار، وربط بين هذا المفهوم والتحولات الثقافية الحالية. أوضح أن الصورة لم تعد مجرد انعكاس للواقع، بل باتت تصنع واقعًا بديلًا، مشيرًا إلى أمثلة من وسائل التواصل الاجتماعي، العملات الرقمية، والعوالم الافتراضية.
وناقش نايل تأثير هذه التحولات على الرواية الرقمية، التي أصبحت فضاءً جديدًا لصياغة النصوص الأدبية، قائلًا إن الكتابة اليوم تواجه واقعًا فائقًا hyperreality يفرض نفسه على النصوص الثقافية ويؤثر في طبيعة التلقي والإنتاج على حد سواء.
سوسيولوجيا التلقي وإعادة تشكيل خطاب المجلات الثقافية
وتناول الباحث العماني عبد الرحمن المسكري، في مداخلته العلاقة بين الثورة الرقمية وتغير بنية الخطاب الثقافي.
وأوضح أن ظهور الوسائط الرقمية أدى إلى تقويض سلطة التحكم التقليدية التي كانت تمارسها المؤسسات الثقافية، مما أتاح للمتلقي أن يتحول من مجرد مستقبل سلبي إلى فاعل مؤثر.
وأشار المسكري إلى أن المجلات الثقافية باتت تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في ضرورة إعادة تشكيل خطابها ليتناسب مع متطلبات المتلقي المعاصر، الذي أصبح انتقائيًا في تلقي المعرفة بفعل وفرة المحتوى الرقمي.
وأكد على أهمية دراسة الخطاب الثقافي في المجلات ذات المقروئية العالية، خاصة في ظل التراجع الكبير في قراءة المجلات الورقية مقابل الانتشار الواسع للمحتوى الرقمي عبر الوسائط المختلفة.
ضرورة إنتاج ثقافة "متخلفة"
وقدم الشاعر والروائي أحمد شافعي طرحًا مثيرًا للجدل حول مفهوم "الثقافة المتخلفة"، مشيرًا إلى أن سرعة التغير التكنولوجي قد تؤدي أحيانًا إلى انحياز غير واعٍ للذكاء الاصطناعي والأنماط السريعة من المعرفة، مما قد يجعل العودة إلى أسلوب إنتاج ثقافي أكثر بطئًا أمرًا ضروريًا للحفاظ على القيمة الإنسانية في الإبداع.
وأكد شافعي أن الكاتب يجب أن يكون راصدًا للتحولات لا ملاحقًا لها، مستشهدًا بتجارب أدبية وشخصيات مثل أليس مونرو ومحمد المخزنجي، اللذين يمثلان مقاومة للأنماط السائدة من النجاح الأدبي المعتمد على الرواج التجاري أو الترجمة والجوائز.
اختتمت الندوة بنقاش مفتوح أتاح للحضور المشاركة بأسئلتهم وأفكارهم، حيث تمحورت المداخلات حول كيفية تحقيق توازن بين الأصالة الثقافية ومتغيرات العصر، والحفاظ على القيمة الإنسانية في ظل التغيرات المتسارعة. اتفق المشاركون على أن الخطاب الثقافي بحاجة إلى تجديد دائم يتسم بالمرونة دون التخلي عن عمقه الجوهري.
0 تعليق