يقدم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ٥٦ لزواره كتاب «الأطفال يسألون الإمام» «الجزء الثانى»، ويشتمل على إجابات لـ٣١ سؤالًا للأطفال، يجيب عنها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ومن إعداد الدكتورة نهى عباس، ورسم عبدالرحمن أبوبكر وإبراهيم عمرو، من إصدارات سلسة كتاب «نور».
ويضم الكتاب فى جزئه الثانى أسئلة كثيرة تدور فى ذهن الأطفال الصغار لا يستطيع الكبار الإجابة عنها أحيانًا، ظنًا منهم أن تلك الأسئلة مسيئة للعقيدة، ويطلبون من أطفالهم التوقف عن ذلك؛ لهذا جاءت فكرة الكتاب الذى جمع أسئلة مهمة للأطفال ليجيب عنها شيخ الأزهر بنفسه، ليرشدهم ويعلمهم صحيح دينهم، وتكون رسالة تربوية لأولياء الأمور توجههم إلى أهمية الانتباه إلى أسئلة أبنائهم الصغار والإجابة عنها بعقل متفتح، بل وتشجيعهم على التفكير والتدبر فى أمور العقيدة وغيرها من الأمور الحياتية.
«الدستور» تنشر هنا جانبًا من هذه الأسئلة ونص إجابة الإمام الأكبر عليها.
لماذا ينتصر الظالم فى هذا العالم؟
أبنائى وبناتى..
هذا السؤال يحيِّر كثيرًا منكم، وأعلم أن حيرتكم هذه نابعة مما تسمعونه وتشاهدونه كل يوم من أحداث مؤلمة وظلم عظيم واقع على إخوة لنا، وأتمنى أن توضح لكم الإجابة ما يخفِّف عنكم وعنهم.
وعد الله تعالى رسله عليهم السلام وعباده المؤمنين بالنصر فى الدنيا والآخرة فقال عز وجل: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١]، وهذا النصر متحقق لا محالة، ولا يعنى تأخره إلى أجل محدود أنه لن يأتى، ولنا فى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة؛ فبعد أكثر من عشرين سنة من الدعوة والجهاد أنزل الله تعالى عليه قوله: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾[النصر: ١]، وما نراه من غلبة الظالم ليس معناه أن الله نصره؛ لأن النصر لا يقاس فقط بالتقدم العسكرى فى جولة تستغرق فترة من الزمن، فالمشركون لم ينتصروا على المسلمين فى غزوة أحد لمجرد الغلبة العسكرية، وإنما انتصر المسلمون بشكل عام على المشركين فى عاقبة الأمر وكانت كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وعلى ذلك فليس التقدم العسكرى والغلبة فى فترة ما من الزمن هو مقياس النصر؛ لأن الأيام دول، والمعارك العسكرية يوم لك ويوم عليك.
وإذا أردنا أن نسمى الأشياء بأسمائها فهذا الذى يحياه الظالم الباغى على إخواننا فى غزة يسمى إمهالًا وليس نصرًا، أى أن الله تعالى يملى لهم ويمهلهم، وهذا من سنن الله الكونية، قال عز وجل: ﴿وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ﴾ [القلم: ٤٥]، وقال سبحانه: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: ٤٨]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»، أما النصر فهو من نصيب عباد الله المؤمنين الصابرين وعدًا حقًّا من الحَكَم العدل تبارك وتعالى.
تشارك جامعة القاهرة، تحت رعاية الدكتور محمد سامى عبدالصادق رئيس الجامعة، فى فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ٥٦، وقال «عبدالصادق» إن الجامعة تشارك فى معرض القاهرة بمجموعة كبيرة من الإصدارات والمجلات التى تمثل إضافة كبيرة لحركة العلم والثقافة والفكر، ويتم عرضها بصالة «١» جناح «A8»، مؤكدًا حرص الجامعة على المشاركة فى فعاليات المعرض لكونه من أهم الفعاليات الثقافية التى تستهدف توجيه الطلاب نحو القراءة والتعرف على مختلف المجالات الثقافية والأدبية.
أفكر أحيانًا فى بعض قصص القرآن الكريم مثل قصة سيدنا نوح أو غيرها..
وأشعر بالشك فى صحتها.. فماذا أفعل؟
التفكير يا بنى فريضة إسلامية، والتساؤلات مقبولة -مهما كانت- طالما كانت من أجل التعلُّم لا التعنُّت، والشك المنهجى أسلوب علمى سلك سبيله عدد من العلماء والفلاسفة، لكن هناك مجالات لا يدخلها الشك، ومنها الأمور الثابتة بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولو فتحنا باب الشك فى كل شيء لصارت الأمور كلها إلى العبث، لكن يمكن لمن وَجد فى نفسه شيئًا من ذلك أن يدفعه بجملة من الحقائق العلمية التى تؤكد صواب ما جاء به القرآن الكريم:
وأول هذه المؤكِّدات: أن القرآن الكريم، وكل ما ورد فيه من قصص وغيرها هو كلام الله، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾[النساء: ١٢٢]، وكلامه تعالى حق وصدق، لا ريب فيه.
الثاني: أن هذه القصص حقائق تاريخية لم ينفرد القرآن الكريم بذكرها، بل منها ما هو موجود فى الكتب السماوية السابقة على القرآن الكريم.
الثالث: أن هناك مؤكدات علمية تدل على صواب قصة سيدنا نوح عليه السلام، وغيرها من القصص الواردة فى القرآن الكريم.
الرابع: ضرورة اللجوء إلى أهل العلم الثقات؛ لاستيضاح ما قد يطرأ على العقل من تساؤلات تحتاج إلى إيضاح حول نصوص القرآن والسنة؛ فرد الأمر إلى المتخصصين يزيل ما قد يكتنف النص من لبس أو إبهام، قال عز وجل: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾[النساء: ٨٣].
الخامس: لا بد من الاستعاذة بالله تعالى من همزات الشيطان ووساوسه، التى يلقيها فى نفس الإنسان؛ إذ إن الشيطان يسعى دائمًا إلى إضلال الخلق وتشكيكهم فى ثوابت دينهم، قال جل شأنه: ﴿ويُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[النساء: ٦٠].
هل سنرى الله تعالى فى الجنة؟
نعم يا أبنائى، لا شك فى أن المؤمنين يرون ربهم سبحانه وتعالى فى الجنة، وهو أعظم نعيمها، قال عز وجل: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[القيامة: ٢٢، ٢٣]، ويقول أيضًا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾[يونس: ٢٦]، فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله تعالى.
كما ثبت فى «صحيح مسلم» أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]».
ومن الأدلة التى تُؤكِّد ذلك أيضًا: قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تَضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق: ٣٩]»، وعلى ذلك فرؤية الله تعالى ثابتة لعباده المؤمنين فى الجنة.
هل مشاركة صورى أنا وصديقاتى البنات على مواقع التواصل الاجتماعى حرام؟
بناتى الغاليات.. الستر والحشمة من أهم سمات المرأة المسلمة، وقد أجمع العلماء استنادًا إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة على أن جسد المرأة عورة عدا الوجه والكفين، وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة الظهور أو التصوير على مواقع التواصل أو غيرها إلا إذا كانت ملتزمة بالصفات الشرعية للباس المرأة، وهي: أن يكون ساترًا لسائر الجسد عدا الوجه والكفين، وألَّا يصف وألَّا يشف.
ونحذِّر من ضعاف النفوس الذين يستخدمون صور الفتيات والسيدات ويقومون بتركيبها مع صور أخرى غير لائقة، ثم ابتزازهن بهذا الصنيع الإجرامى، وأن يحمين أنفسهن باتخاذ كافة إجراءات الأمن الرقمى والسيبرانى للحفاظ على أنفسهن وخصوصياتهن، وطلب المساعدة متى تعرضت أى منهن لمثل هذه الأفعال الخبيثة التى يحرمها الدِّين ويجرمها القانون.
هل ما يحدث للمسلمين من هزائم غَضَب من الله علينا؟
أبنائى وبناتي.. سبق أن قررنا أن الله تعالى وعد رسله وعباده المؤمنين بالنصر فى الدنيا والآخرة، فقال عز وجل: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾[غافر: ٥١]، وما يحدث للمسلمين الآن لا يلزم أن يكون غضبًا من الله تعالى، لا سيما وقد أخبرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذلك فقال: «يُوشِكُ الأُمَمُ أن تداعى عليكم، كما تَداعى الأكَلَةُ إلى قَصعتِها»، فقال قائل: ومِن قِلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكِنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ، ولينزِعَنَّ اللهُ مِن صُدورِ عَدُوِّكم المهابةَ منكم، وليقذفَنَّ اللهُ فى قلوبِكم الوَهْنَ...».
ولو كانت الهزيمة العسكرية دليلًا على غضب الله تعالى لكان لازم ذلك أن يكون سبحانه قد غضب على النبى، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه يوم أحد وهو محال، قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[التوبة: ١٠٠]، وإنما الهزيمة نوع من ابتلاء الله تعالى لأمة الإسلام، قال عز وجل: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة: ١٥٥]، ومن أهداف هذا الابتلاء ما أخبر به سبحانه وتعالى فى قوله: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾[آل عمران: ١٤١].
ولكى نكون أهلًا لنصر الله تعالى لا بد من الاعتصام بحبله المتين، والعودة إلى دينه القويم، وإحياء قيم الإسلام وتعاليمه، والأخذ بكافة سبل القوة والعلم والتقدم، قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[الحج: ٤٠].
0 تعليق