تهجير أهل غزة.. هل يصبح ثمنًا لإيقاف الحرب في القطاع؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 27/يناير/2025 - 03:28 م 1/27/2025 3:28:09 PM

قلت في مقال سابق، (ضع الأجزاء المتناثرة إلى جانب بعضها البعض، حتى ترى الصورة واضحة، ولا تمرر على عقلك أشياء قد تبدو في ظاهرها سطحية أو جاءت عفوية، وهي في حقيقتها خطيرة، وتحمل في ثناياها تدميرًا مُتعمدًا ومقصودًا لذاته).
خلال جلسة حوار مع الصحفيين على متن طائرته الرئاسية، عند عودته من جولة في لوس أنجلوس المنكوبة، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن خطته تهدف إلى (تنظيف) المنطقة وإنشاء (صفحة بيضاء)، بعد الدمار الهائل الذي أصاب قطاع غزة نتيجة الحرب.. وكشف أنه أجرى مكالمة مع الملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، وأعرب عن رغبته في أن تقوم الأردن بقبول المزيد من اللاجئين الفلسطينيين، وقال إنه سيناقش أيضًا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، في اتصال هاتفي، إمكانية أن تستقبل مصر سكان غزة.. إنه يتحدث عن ما يصل إلى مليون ونصف المليون من اللاجئين الفلسطينيين، يرى أن الوضع في غزة (فوضوي) و(مدمر)، وأن إعادة توطين الفلسطينيين في دول عربية أخرى، يمكن أن يكون (مؤقتًا أو طويل الأمد)، لأن (غزة الآن فعلًا مدمرة.. تم تدمير كل شيء تقريبًا، والناس يموتون هناك.. أُفضل أن نتعاون مع الدول العربية لبناء مساكن في مكان آخر، حيث يمكنهم العيش بسلام)!!.. وبرر ترامب طلبه من ملك الأردن، قائلًا، (أود أن تأخذوا المزيد، لأنني أرى غزة الآن، في فوضى حقيقية).
ورغم محاولة ترامب صبغ صورة إنسانية على مقترحه، إلا أنه سبق وكشف رؤيته للقطاع، عندما قال بعد تنصيبه، (غزة يجب أن تُعاد بناؤها بطريقة مختلفة.. غزة مكان مثير.. إنه موقع رائع على البحر.. أفضل الطقس، كل شيء جيد.. يمكن فعل أشياء جميلة هناك، إنها مثيرة للاهتمام)!!.. وقد سبق ونظر لإسرائيل على الخريطة وعلق بأنها صغيرة المساحة، ولابد أن تتوسع!!.. ولا ندري، بأي شيء أو وعد، أقنع ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالموافقة على وقف إطلاق النار في غزة، وهو الاتفاق الذي طالما وقف نتنياهو في طريق تحقيقه، ومازال يفتعل الأزمات حتى لا تكتمل مراحله الثلاث.
وفي وقت سابق، أعلن ترامب أن (عددًا كبيرًا من الأشياء) التي طلبتها إسرائيل من الولايات المتحدة، يجري تسليمها حاليًا، ردًا على تقارير صحفية أفادت، بأن إدارته أفرجت عن شحنة قنابل زنة ألفي رطل، وكتب على منصته للتواصل الاجتماعي، (الكثير من الأشياء التي كانت إسرائيل قد طلبتها ودفعت ثمنها، ولكن لم يُرسلها الرئيس السابق جو بايدن، باتت الآن في طريقها إلى التسليم).. دون أن يُشير إلى أن إدارة الرئيس الديمقراطي السابق، جو بايدن، علّقت العام الماضي تسليم إسرائيل ألف وثمانمائة قنبلة زنة ألفي رطل، في الوقت الذي كان الجيش الإسرائيلي يخطط فيه لشن هجوم واسع النطاق على رفح جنوب قطاع غزة؛ المكان الذي لجأ إليه 1،4 مليون فلسطيني بسبب القصف والحرب.. وكان بايدن قد حذّر من أن استخدام هذا النوع من القنابل في مناطق كهذه، سيتسبب في (مأساة إنسانية كبيرة).. وفي مقال نُشر على موقع أكسيوس، كتب الصحفي الإسرائيلي المتخصص في الأمن القومي، باراك رافيد، أن ترامب أمر وزارة الدفاع برفع الحظر عن إرسال القنابل لإسرائيل، وهذا النوع من القنابل الكبيرة التي يجري إسقاطها من الجو، دقيق وشديد التدمير، ويستخدم بشكل عام لإحداث أضرار واسعة النطاق، ضد أهداف مثل المنشآت العسكرية ومراكز القيادة والبنية التحتية.. وخلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، كثيرًا ما تباهى ترامب بأن إسرائيل، (لم يكن لديها صديق أفضل منه في البيت الأبيض)، وهو شعور كثيرًا ما كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الحديث عنه.
●●●
رؤية ترامب، أو خطته، أثارت ردود فعل عنيفة.. فقد أدانها الفلسطينيون والأردن ومصر، ووصفوها بأنها غير مقبولة وتُشكل (خطًا أحمر)، في حين رفض سيناتور جمهوري كبير في الولايات المتحدة الفكرة، ووصفها بأنها غير عملية، بل وأدانها.. إذ أكدت الرئاسة الفلسطينية أن الشعب الفلسطيني (لن يتخلى أبدًا عن أرضه ومقدساته، ولن نسمح بتكرار نكبتي 1948 و1967، وسيبقى شعبنا صامدًا ولن يترك وطنه).. وأشادت فلسطين بمصر والأردن لرفضهما بشكل مماثل التوطين القسري للشعب الفلسطيني مرة أخرى.. وقال رئيس دائرة العلاقات الخارجية لحركة حماس، باسم نعيم، إن (الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عانى من الموت والدمار على مدى خمسة عشر شهرًا، في واحدة من أكبر جرائم الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، لمجرد البقاء على أرضه ووطنه.. وبالتالي، لن يقبل بأي مقترحات أو حلول، حتى لو بدت حسنة النية تحت ستار إعادة الإعمار)، كما اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، (شعبنا أحبط كل مخططات التهجير والوطن البديل على مدى عقود، ويرفض مثل هذه المشاريع أيضًا.. ونؤكد أن شعبنا قادر على إعادة إعمار غزة بشكل أفضل من ذي قبل، شريطة رفع الحصار عن المنطقة).
وأدانت حركة الجهاد الإسلامي، بأشد العبارات تصريحات ترامب الأخيرة، ودعت الحركة في بيان كل الدول إلى رفض ما وصفته بـ (خطة ترامب)، مشيرة بشكل خاص في هذا الشأن إلى الحكومتين المصرية والأردنية.. وقالت إن (الشعب الفلسطيني بصموده ومقاومته، سيُفشل هذا المخطط كما أفشل مخططات سابقة كثيرة).. ومضى البيان بالقول، إن (تصريحات ترامب المُدانة والمستهجنة، تتسق مع أسوأ ما في أجندة اليمين الصهيوني المتطرف، واستمرار لسياسة التنكر لوجود الشعب الفلسطيني وإرادته وحقوقه.. كما أنها تندرج في إطار التشجيع على مواصلة ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لإجبار شعبنا على الرحيل عن أرضه).. وهو نفس ما ذهبت إليه حماس، التي رفضت دعوة ترامب لتوطين الفلسطينيين بقطاع غزة في الأردن ومصر.. وقالت في بيان لها إن (شعبنا الذي صمد في وجه أبشع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث، التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي الفاشي.. يرفض رفضًا قاطعًا أية مخططات لتهجيره من أرضه).. وطالبت الإدارة الأمريكية (بالتخلي عن هذه المقترحات التي تتطابق مع المخططات الإسرائيلية، وتتعارض مع حقوق شعبنا وإرادته الحرة)، كما طالبتها (بالعمل على تمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق حريته وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس).. وطالبت واشنطن بالضغط على إسرائيل (لتسريع آليات إعادة إعمار ما دمرته خلال حربها الوحشية على غزة وإعادة الحياة الطبيعية في القطاع).. كما ناشدت الدول العربية والإسلامية، وفي مقدمتها مصر والأردن، (التأكيد على مواقفها الثابتة الرافضة للتوطين والإبعاد)، وتقديم كافة أشكال الدعم للشعب الفلسطيني.
كذلك، أكدت مصر رفضها لدعوة الرئيس الأمريكي، نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، وقالت السفارة المصرية في الولايات المتحدة إن مصر (لا يمكن أن تكون جزءًا من أي حل يتضمن نقل الفلسطينيين إلى سيناء).. وتأتي تصريحات ترامب، بعد تصريحات مهمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل أيام قليلة، وتحديدًا خلال كلمته بمناسبة الاحتفال بذكرى عيد الشرطة المصرية، إذ قال، إن مصر، (وبحكم مسئوليتها التاريخية، ووضعها الإقليمي والتزاماتها الدولية، تسعى بكل طاقاتها وجهودها المخلصة، إلى نبذ العنف والسعي نحو السلام، ويعتبر اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، شاهدًا حيًا على هذه الجهود الدؤوبة، والمساعي المستمرة التي تبذلها مصر إلى جانب شركائها في هذا الشأن،. وسندفع بمنتهى القوة في تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل، سعيًا لحقن دماء الأشقاء الفلسطينيين، وإعادة الخدمات إلى القطاع ليصبح قابلًا للحياة، ومنع أي محاولات للتهجير، بسبب هذه الظروف الصعبة، لأنه الأمر الذي ترفضه مصر بشكل قاطع، حفاظًا على وجود القضية الفلسطينية ذاتها).
بل إن الرئيس السيسي، وفي الثامن عشر من أكتوبر 2023، صبيحة المجزرة الإسرائيلية في المستشفى الأهلي المعمداني،التي أودت بحياة خمسمائة مدني فلسطيني، أدلى بتصريحات مهمة عن تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة في إطار مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني، أولاف شولتز.. وصف الرئيس في حديثه وقتها القضية الفلسطينية، بأنها (قضية القضايا)، وأكد رفض مصر لتهجير السكان الفلسطينيين باعتباره سبيل لتصفية القضية الفلسطينية.. وقتها، لوّح الرئيس بالرفض الشعبي للفكرة، وهو ما تم فعلًا، من خلال دعوة المصريين للتظاهر وقتها، وخرج ملايين المصريين في العشرين من أكتوبر، لرفض تهجير الشعب الفلسطيني، ومطالبة الحكومة بموقف أكثر قوة في دعم الفلسطينيين في قطاع غزة ومواجهة العدوان الإسرائيلي.. ووقتها أيضًا، قال الرئيس بوضوح، أنه من الممكن لإسرائيل أن تقوم بنقل السكان من غزة إلى صحراء النقب، إذا كانت تريد إسرائيل تهجير الفلسطينيين لحمايتهم.. وهو تصريح مفهوم إنه للسجال فقط، لأن مبدأ التهجير نفسه مرفوض لدى مصر، أيًا كان المبرر.
وقد صف المفكر السياسي، الدكتور مصطفى الفقي، تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن عزمه الاتصال بالرئيس عبدالفتاح السيسي، وطلب استقبال بعض الفلسطينيين من أهالي غزة، بالاستفزازية، (تصريحات ترامب مستفزة، ويقف ورائها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هو واليمين المتطرف في حكومته ومن خلفهم اللوبي اليهودي في أمريكا.. وقد أعلنت مصر موقفها على لسان رئيسها بشكل واضح، بأنها ترفض مقترح وخطط ومحاولات التهجير، وأنه خط أحمر بالنسبة لها).
ومن جهتها، جددت الأردن، رفضها لإعادة توطين الفلسطينيين.. وقال وزير الخارجية الأردنية، أيمن الصفدي، في مؤتمر صحفي مشترك في عمان مع منسقة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيجريد كاج، إن (مبادئنا واضحة، وموقف الأردن الثابت في دعم الوجود الفلسطيني على أرضه، لم يتغير ولن يتغير أبدًا).. وأوضح أن رفض الأردن للتوطين (أمر ثابت وضروري لتحقيق الاستقرار وأن (حل القضية الفلسطينية هو في فلسطين، والأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين).
ومن الولايات المتحدة، قال السيناتور الأمريكي، ليندسي جراهام، (لا أرى أن فكرة رحيل جميع الفلسطينيين والذهاب إلى مكان آخر)، وهو اقتراح غير عادي، ومن شأنه أن يرقى إلى اغتصاب كبير للأراضي الفلسطينية.. وعندما سُئل جراهام، وهو عضو في مجلس الشيوخ منذ عام 2003 وحليف لترامب، عما يعنيه الرئيس بـ (تنظيف قطاع غزة برمته)، قال (لا أعرف ما الذي يتحدث عنه، لكن تحدثوا مع محمد بن سلمان، وتحدثوا مع الإمارات، وتحدثوا مع مصر.. ما هي خطتهم للفلسطينيين؟.. هل يريدون المغادرة؟.. أو ما هي الخطة؟).
●●●
يقول الكاتب والمحلل السياسي، أمير مخول، (في التاريخ الفلسطيني، لم يكن هناك أي تهجير مؤقت، هناك تهجير دائم منذ النكبة وحتى اليوم.. ورأينا أن ما هو مؤقت هو الأكثر ديمومة، وقضية اللاجئين هي أكبر شاهد، وقضية النازحين بعد حرب عام 1967 أيضًا، ولذلك لا قبول بالتهجير فلسطينيًا وأعتقد لا يوجد فلسطيني يقبل بذلك).. هذا يعيدنا لموقف الرئيس السيسي في بداية الحرب في غزة، عندما أرادت إسرائيل أن تُحدث نقلًا سكانيا لسيناء، فقال فلتقم إسرائيل بذلك في النقب، حيث غالبية سكان غزة لاجئون من هذه المنطقة في تحدي للموقف الإسرائيلي.. والآن، يأتي المشروع مجددًا من ترامب، الذي نقل في خطاب التنصيب عدة مواقف وأمور، أحدها أن غزة موقع استثنائي، وتحدث عن فكرة إعادة الإعمار بشكل مختلف، وأن (غزة موقف استثنائي)، هذا مصطلح ليس من باب الجغرافيا ولا السياحة، ترامب لا يفكر بهذه الأمور، إنما يفكر بها كموقع استراتيجي، وهذا يعيدنا للمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ الهندي الذي يمرّ في الممر التجاري البري المائي من الهند إلى أوروبا، والفكرة أن يُحوّل ميناء غزة لميناء إسرائيلي أو أمريكي، ويتم هناك تحويل البضاعة لأوروبا، وهذا مخطط توسيع لإسرائيل.
(الآن، ترامب يطالب دول عربية، وهي مصر والأردن، وهي أول دول احتجت ومنعت التهجير في بداية الحرب، فقد كان هناك مخطط أمريكي بإدارة بايدن، أن يتم نقل الفلسطينيين إلى سيناء، ومن ثم نقلهم بالبواخر الأمريكية وغيرها إلى دول أخرى).. هكذا يستكمل أمير مخول، (الوضع الآن مختلف، ترامب يسعى للسيطرة على الغاز الفلسطيني الطبيعي في بحر غزة، أو في المياه الإقليمية، التي هي ملك الشعب الفلسطيني).. فالمقترح لن يكون له أساس، إعادة الإعمار ليس عملًا خيريًا، وترامب طرح إعادة الإعمار بشكل مختلف، وهو ما طرحته المعاهد الإسرائيلية لأبحاث الأمن القومي وغيرها، وتحدثت عن الإلغاء الكامل لوجود المخيمات في غزة، لن يُعاد بناؤها وكذلك في الضفة الغربية، حيث يتم الحديث الآن عن اجتثاث المخيمات.. والهدف من وراء ذلك، القضاء على ما يسمى البيئة الحاضنة للفصائل الفلسطينية، وفي المقابل، القضاء كما تقول إسرائيل على رواية العودة واللجوء وحق العودة، ولهذا تستهدف إسرائيل الأونروا التي لن تعود لغزة!!.
مشروع ترامب، خطير جدًا واستعماري بامتياز، لإغداق الأموال وينبغي التصدي له، وإن كان هناك حاجة لنقل سكاني، فليكن بقرار فلسطيني كامل إلى داخل النقب، كموقف متقدم لمنع تنفيذ مقترح ترامب، وفي المقابل، يجب الحفاظ على الحق الفلسطيني، فإعادة الإعمار في غزة ليس الهدف منها هو القضاء على الحق الفلسطيني.. الفكرة الأمريكية والإسرائيلية لإعادة الإعمار، هي البناء بطوابق عالية في الأبراج السكنية بالمخيمات، وبالذات جباليا، وباقي المخيمات وعددها ثمانية، ويشكل سكانها ربع سكان قطاع غزة من اللاجئين، وحين يتم البناء العالي بطوابق، يتم السيطرة على النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتخريبه.. وهذا تم تجريبه بعد النكبة في الثمانينات، عندما جاء علماء الديموجرافيا ’(الهندسة السكانية)، لدفع فلسطينيي الداخل للبناء طوابق وليس الواحد بجانب الآخر، بحجة أن هناك نقص في الأراضي، ولكن الحقيقة أنه لا نقص في الأراضي، ولكن الدولة لا تريد أن تعطي الفلسطيني أرض، والهدف كان السيطرة على التكاثر الطبيعي عند الفلسطيني، والآن هناك هبوط حاد لما كان عليه الفلسطيني في سنوات الثمانينيات إلى اليوم بالتكاثر الطبيعي، وهذا النوع من السيطرة الديموجرافية، يسعون لزيادتها إسرائيليًا وتقليصها فلسطينيًا.
والآن، يأتي دور غزة، وهناك مسعى لاستنساخ نموذج الداخل الفلسطيني، تحت نظرية التطوير، ولكن فعليًا هو تهجير للقضية إن لم يكن تهجيرًا للسكان، (التهجير قضية يجب التصدي لها واتخاذ موقف فلسطيني وعربي ودولي واضح.. البيئة الدولية داعمة، ولكن يبقى موقف ترامب والولايات المتحدة وتل أبيب، وهذا دائم الوجود، ولكن يجب إحباط المخطط بشكل كامل).. ويقول مخول (مقترح ترامب هو مخطط قديم وليس وليد اللحظة، وحصل عدة مرات في تاريخ غزة والضفة.. فخلال سنوات الثمانينات، كان حزب العمل يتحدث عن ذلك، وكانت المخططات بعد كامب ديفيد، هو نقل سكاني وإعادة إعمار من خلال تبادل سكاني، ولكن الآن حديث عن مشروع طُرح عام 2014 بشكل واضح، وأيضًا عام 2009، والآن يعود بشكل مكثف لأن هناك دمار هائل).. هناك جزء من هذا المخطط، هو أن المسعى الإسرائيلي أيضًا استخدام الركام والردم الهائل الذي تحدث عنه ترامب بوصفه موقع هدم ضخم، الحديث يدور عن توسيع مساحة غزة في البحر، أي تجفيف مناطق باستخدام الردم، وهذا كان مخطط ليسرائيل كاتس، حينما كان وزيرًا للخارجية، في بناء جزيرة اصطناعية في قلب البحر مقابل غزة، ونقل نحو نصف مليون فلسطيني لها، والحديث عن توسيع الحدود في البحر للحفاظ على المنطقة العازلة، وهذا عمليًا توسيع لحدود إسرائيل وليس توسيع لحدود غزة.
(المخططات جدية، وبعضها يعود عشرات السنين للوراء، بموضوع النقل السكاني لأهل غزة، ولكن الآن الموضوع مندمج مع إعادة الإعمار، وهذا ليس مشروعًا خيريًا، وربما يكون الأخطر على تاريخ فلسطين بعد الحرب على غزة).. هذا ما يؤكده مخول، الذي يرى أن (الحديث عن أن إسرائيل لم يكن لديها تصور لليوم التالي للحرب، اتضح أنه غير صحيح، فيوجد لها تصوّر، ولكن هل تنجح في تطبيقه بدعم ترامب؟.. ليس بالضرورة).. فـ (المواقف الأردنية والمصرية حاسمة في مسألة التهجير.. الأردن لها موقف واضح بهذا الشأن، فهو يعتبر ما يطلبه ترامب تهديدًا للأمن القومي، فهي أكثر دولة فيها فلسطينيين، والفلسطيني يعتبر جزء من الكيان الأردني لحين العودة، وإذا وافق الأردن بلاجئي غزة، سيُفرض عليه قبول لاجئي الضفة.. الأردن سيرفض الطلب بأي شكل كان، قضية الديموجرافيا في الأردن حساسة، ولذلك السعي لحل مشاكل إسرائيل، من خلال تحميلها على مصر والأردن، سيرفضه الأردن الذي رفض تهجير غزة إلى جانب مصر).
●●●
وفي الوقت الذي أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، عن بالغ قلقه وإدانته الشديدة إزاء تصريحات ترامب، عن نيته تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ودعوته الدول المجاورة إلى استقبال الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، بعد أكثر من خمسة عشر شهرًا من ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة الجماعية بحقهم، وما تضمنته من تدمير شامل لمقومات الحياة الأساسية في القطاع، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.. وشدد المرصد على أن الفلسطينيين، الذين يعانون من آثار كارثية، جراء جرائم إسرائيل المرتكبة في حقهم، يجب ألا يتحملوا ثمن هذه الإبادة الجماعية، عبر تهجيرهم قسرًا خارج وطنهم، في حين تبقى إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، الجهة الوحيدة التي يجب أن تتحمل المسئولية القانونية والأخلاقية، عن جرائمها التي ارتكبتها هناك، وتعويض الفلسطينيين، وإعادة إعمار قطاع غزة بأسرع وقت ممكن.. مؤكدًا أن أي خطط لنقل السكان المدنيين قسرًا تحت الاحتلال، هي مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص بوضوح، على حظر الترحيل القسري للسكان الواقعين تحت الاحتلال.. كما أن مثل هذه الخطط تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتتعارض مع الحق الطبيعي والمكفول دوليًا للشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه ووطنه.. بل إن التهجير القسري للفلسطينيين لا يمثل فقط جريمة دولية، بل هو جزء من استراتيجية تهدف إلى تعزيز جرائم الترحيل القسري والطرد المنهجي، التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ عقود. كما أن تصريحات ترامب، التي تدعو إلى تفريغ غزة من سكانها، عبر إجبار الدول المجاورة على استيعابهم، تتناقض مع الروابط التاريخية والثقافية العميقة التي تربط الفلسطينيين بأرضهم، فضلًا عن أنها تُعد بمنزلة دعم مباشر لسياسات إسرائيل التوسعية والاستعمارية، التي تسعى بشكل منهجي إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، لصالح مشاريعها الاستعمارية الاستيطانية غير القانونية، بهدف إحلال الإسرائيليين مكان الفلسطينيين.. وأضاف المرصد، أن إسرائيل عملت على مدى أشهر طويلة، على تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية عبر ارتكاب مجازر واسعة النطاق، استهدفت المدنيين، ودمرت الأحياء والمدن والبنية التحتية في قطاع غزة بشكل منهجي، في محاولة لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية واقتلاعهم من أرضهم.. ولم تقتصر هذه السياسات على القتل والتدمير والتجويع، بل امتدت إلى تدمير مقومات الحياة الأساسية، مثل المياه والكهرباء والتعليم والخدمات الصحية، لتقويض قدرة الفلسطينيين على الصمود على أرضهم، وخلق بيئة قسرية تدفعهم إلى مغادرة وطنهم.
إلا أن مسئولون إسرائيليون رفيعو المستوى، قالوا إن تصريحات ترامب حول هجرة الغزيين ليست (زلة لسان) من ترامب، بل جزء من مسار أوسع مما يبدو.. إذ قال وزير مالية  حكومة الفاشية اليهودية، بتسلئيل سموتريتش، إن اقتراح ترامب، إن (نقل سكان غزة إلى الدول المجاورة، لمساعدتهم في العثور على أماكن أخرى، فكرة عظيمة).. ونقل موقع (واينت) العبري عن وزير المالية الإسرائيلي، قوله (بعد سنوات من تمجيد الإرهاب، سوف يتمكنون من تأسيس حياة جديدة وجيدة.. (فقط التفكير خارج الصندوق وإيجاد حلول جديدة، سيؤدي إلى تحقيق حل للسلام والأمن.. وسأعمل مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ومجلس الوزراء، لضمان تنفيذ فكرة مغادرة أعداد كبيرة من غزة إلى دول مجاورة في أقرب وقت ممكن).. وأثنى وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل، إيتمار بن جفير، على اقتراح الرئيس الأمريكي، وقال في تدوينة عبر حسابه على منصة إكس، (أهنئ الرئيس ترامب على مبادرته بنقل السكان من غزة إلى الأردن ومصر.. أحد مطالبنا من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، هو تشجيع الهجرة الطوعية).. وأضاف بن جفير (عندما يطرح رئيس أكبر قوة في العالم الهجرة الطوعية للفلسطينيين، فمن الحكمة أن تشجعها وتنفذها حكومتنا)..
وردت عضو الكنيست، يوليا مالينوفسكي، على إعلان ترامب، بقولها، (في عام 2010، قال أفيجدور ليبرمان، إنه يجب علينا أن نقول وداعًا لغزة تمامًا، لا معابر، لا بنية تحتية، لا كهرباء، لا ماء ولا وقود، وها هو يأتي يوم جديد).. رئيس جديد في الولايات المتحدة يدرك الحلف، خلافًا لبقية دول العالم.. إن حدود غزة مع مصر يبلغ طولها أربعة عشر كيلومترًا ـ تواصل يوليا كلامها ـ مصر دولة مسلمة، ويتحدثون نفس اللغة، وسوف يقبلون المسئولية عن غزة.. لا ينبغي أن تكون هذه مشكلتنا.. نحن بحاجة إلى استكمال فك الارتباط الكامل من غزة، والتخلص من هذه المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد، مع الحفاظ على محيط أمني وحرية العمليات إذا لزم الأمر، ولكي يقبل العالم المسئولية).
وهذا ما دعى المرصد الأورومتوسطي إلى موقف إقليمي ودولي رافض لتصريحات ترامب، بشأن ترحيل سكان قطاع غزة، وأكد أن اقتراح التهجير الجماعي كحل للصراع المستمر، لا يؤدي إلى عدم معالجة جذور المشكلة فحسب، بل يعمق معاناة الشعب الفلسطيني ويزيد من الظلم الواقع عليه، ويسلب حقوقهم المشروعة في تقرير مصيرهم والعيش في وطنهم بأمان، كما من شأن هذه التصريحات وأي خطوات مترتبة عليها، زعزعة الاستقرار الإقليمي وتعزيز التوترات في المنطقة.. وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي، بالالتزام التام بمبادئ القانون الدولي، وبتبني حلول قائمة على احترام حقوق الفلسطينيين، بما في ذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية، ومحاسبة إسرائيل عن جرائمها المستمرة، ووضع مسار واضح لتحقيق العدالة للفلسطينيين، مع ضمان عودة جميع اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم الأصلية، وفقًا للقرارات الدولية ذات الصلة، بدلًا من العمل بأي شكل من الأشكال، على دعم أية سياسات تهدف إلى اقتلاع سكان فلسطين الأصليين لصالح إسرائيل.
وهذا يدفعنا إلى السؤال الأهم: ما الذي على العالم العربي اتخاذه من مواقف، للتصدي لرغبة ترامب، الذي بينما أشار إلى إحلال السلام في المنطقة، خلال حملته الانتخابية، نراه اليوم يدفع بهذه المنطقة إلى حافة الهاوية، بتبنيه رغبات نتنياهو، وإفراغ قطاع غزة من أعله، وهة التوجه الذي ذهب إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، من خلال (خطة الجنرالات)، التي كان قد بدأ تنفيذها في شمال القطاع؟.
●●●
ردود الفعل (الغاضبة) حيال تصريحات ترامب وما كشفه عن خطته حول مستقبل غزة، بمكالمة مع العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، وسط دعوات سياسيين ومراقبين إلى ضرورة (الاشتباك) مع هذه المواقف، عبر تحرّك عربي دبلوماسي يضم السعودية ومصر والأردن ودولا أخرى، لرفض (تهديدات) التهجير، والتأكيد على ثوابت القضية الفلسطينية، والتصدي لأية تحديات قد تمس  بالأمن الوطني للدول العربية واستقرارها.. إذ أن التصريحات التي فاجأت الأوساط السياسية والشعبية في مصر والأردن بالذات، كانت الثانية من نوعها، بعد إعلان وزارة الخارجية الأمريكية، تجميد كل المساعدات الخارجية لمدة تسعين يومًا، باستثناء مصر وإسرائيل، حيث وقّع الأردن مع الولايات المتحدة مذكرة تفاهم في 2022 لمدة سبع سنوات، بقيمة 10.15 مليار دولار أمريكي، وُصفت بأنها أكبر وأطول اتفاقية من نوعها في تاريخ العلاقات الثنائية، وتم تحويل الجزء الثاني منها كمنحة بقيمة 845.1 مليون دولار نهاية العام المنصرم.
لكن الحديث عن تهجير أهالي قطاع غزة إلى مصر والأردن، اعتبره العضو في مجلس الأعيان الأردني، عمر العياصرة، مفاجئًا، ليس للأردن فقط، بل ولمصر وللنخب السياسية، بما (يُضمره) من أهداف استباقية ومتعددة الرسائل والأوجه سياسيًا ودبلوماسيًا، للوصول إلى (تفاوض) و(عقد صفقات) على المدى الأطول.. وهذه مدرسة ترامب، كما يقول ويقول العياصرة.. إثارة الطروحات بأقصاها للتفاوض والذهاب ثم عقد صفقته.. لكن هذا مؤشر على انخراط ترامب في الملف الفلسطيني وفي الضفة الغربية وفي قضايا الضمّ.. و(لا ننسى تصريحه عندما تحدث عن توسيع إسرائيل)!!.. هذه التصريحات (لا تعني الذهاب نحو اشتباك مصر والأردن معها، بل بالذهاب إلى اشتباك أقل من خلال (الإعلام وقادة الرأي)، حيث صرّح ترامب عن قناة بنما وخليج المكسيك وضم كندا.. ليس كل ما يقوله ترامب يريده، ولكن ربما أقل من المعلن، ومنها عدم عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى غزة، وأن تقوم كل من مصر والأردن بدرجة أقل بدور أمني، أو في إدارة القوة المشتركة التي من الممكن أن تكون في غزة.. بمعنى أن إدارة ترامب وإسرائيل، أمام معضلة اسمها، (اليوم الثاني لغزة بعد الحرب ومن يحكم غزة؟).
الخطوط الحمراء التي أكدت عليها مصر والأردن رسميًا، مرارًا حيال القضية الفلسطينية والضفة الغربية، تتطلب اليوم إعادة بلورتها بشكل أكثر تصميمًا مع الموقف الفلسطيني والسعودي.. (هذه المواقف الأربعة، المصرية والاردنية والفلسطينية والسعودية، وحتى الإماراتية والقطرية، لابد من بلورتها في إطار مجموعة عربية لرفض الضم بكل أشكاله والتهجير بكل أشكاله).. وداخليًا، حاجة إلى ما وصفه العياصرة بـ (السكينة عامة) ووقف التراشق المتعلق بما جرى في غزة، (الداخل يجب أن يكون داعمًا وليس مشتتًا للقيادة في التعامل مع هذه الملفات، لأنها ملفات خطيرة ودقيقة.. يجب ألا تظهر مصر والأردن مشتبكتان مع الولايات المتحدة بشكل فردي، بل من خلال مجموعة عربية).. ودعا نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، الدكتور جواد العناني، إلى (اعتماد الدبلوماسية الناعمة) في التعاطي مع الموقف الأمريكي، والاستدارة نحو العمق العربي، خصوصًا إلى السعودية، (نحن بحاجة ماسة اليوم إلى بناء قاعدة من المعلومات، ومن المواقف الواضحة الثابتة في هذا الشأن، والاستعداد لاحتمالات أسوأ مما يبدو على السطح).. مع أهمية توجيه رسائل طمأنة للشعب الفلسطيني، بعد أكثر من عام من الحرب، إلى جانب تكثيف التحرك الدبلوماسي على كل الجبهات العربية والدولية، وباتجاه (السعودية والبريطانيين).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق