نظرية المؤامرة

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مالى لا أسمع صوتًا لأحد ممن كانوا يملأون مواقع التواصل الاجتماعى ضجيجا يسخرون من حديث الدولة المصرية بأنها مستهدفة وكانوا على سبيل السخرية يقولون إننا نعيش دائما فى نظرية المؤامرة ونقول إن مصر مستهدفة ثم يزيدون ويقولون من ذا الذى يستهدف مصر؟ و لماذا؟ وما الذى تملكه مصر ليستهدفها أحد؟, مالى أرى هؤلاء خلال الساعات القليلة الماضية وقد دخلوا جحورهم وصمتت حناجرهم النكراء وتحديدا منذ أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن رغبته فى استضافة الأردن ومصر لفلسطينيين من قطاع غزة, وقال: «نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها». 

أليست هذه مؤامرة كبرى كانت مصر تضعها فى الحسبان وتحسب لها حساباتها؟! أم أن بعض الخونة والحمقى الهاربين مازالوا لا يريدون أن يستوعبوا حجم الخطر؟أم أنهم لا يعنيهم بالأساس أنت تكون مصر فى خطر؟!

على كل حال أعلنت مصر موقفها الثابت والراسخ الرافض بحسم لتهجير الشعب الفلسطينى وتؤكد على أنه لا بديل عن الحل السياسي, بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو موقف قومى مشرف وينسجم مع ثوابت مصر القومية الراسخة حول حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره. 

لكن على ما يبدو أن الخطر قائم وقادم لا محالة فمصر بموقفها هذا تكون قد وأدت مخطط التهجير وهذه ليست المرة الأولى, فسبق ووقفت مصر بالمرصاد لهذا المخطط ووضعت خطوطها الحمراء, أولا حماية لأمنها القومى وسيادتها على أراضيها, وثانيا حماية للقضية الفلسطينية من التصفية, فمشروع التهجير الجديد يقضى بأن يتم إجبار شعب بأكمله على الخروج من أرضه الى الشتات والتنازل عن حقه فى الحياة برحيله من دياره وأرضه التاريخية التى عاش فيها أجداده وأسلافه الى غير رجعة، ليعيش فيها عدوه بسلام! هكذا تصور الرئيس الأمريكى أنه قادرعلى تقرير مصير شعب ومحوه من على الخريطة دون الدخول فى حروب إقليمية أو دولية جديدة.

الشاهد أن مثل هكذا طروحات لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون وليدة اللحظة فحتما هناك ترتيبات وتفاهمات حولها بين الرئيس ترامب ونتنياهو, ولا نستبعد أن يكون هذا قد تم قبل الانتخابات الأمريكية وبناء عليه وافق نتنياهو على الهدنة الأخيرة وهو الذى كان يعرقل أى جهود لوقف إطلاق النار, لكن يبدو أن موافقته كانت جزءًا من المخطط الذى بدأت تتضح ملامحه الآن, ولنا أيضا أن نفسر لماذا ألغى ترمب الحظر الذى فرضته إدارة بايدن على توريد شحنات القنابل زنة 2000 رطل إلى إسرائيل لأنها لا تستخدم ضد المدنيين فى حروب المدن لقوتها التدميرية المرعبة، وأتوقع أن يسمح ترمب لنتنياهو باستخدامها فى غزة لتسويتها بالأرض وحتى لا تعود صالحة للحياة، وهو ما يعزز طرحه بإخلاء غزة ليضطر الفلسطينيون الى النزوح قسرا، لتجد المؤامرة طريقها الى التنفيذ على أرض الواقع, وهو ما سيسبقه بطبيعة الحال امتناع اسرائيل عن تنفيذ المراحل المتبقية من اتفاق وقف إطلاق النار وانسحابها منه.   

وليست مصادفة أن تجد تصريحات ترمب قبولا وتهليلا لدى اليمين الإسرائيلى المتطرف، إذ رأى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن اقتراح الرئيس الأمريكى فكرة رائعة وخارج الصندوق, وقال الوزير المستقيل إيتامار بن غفير: إن أحد مطالبنا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو تعزيز الهجرة الطوعية, وعندما يطرح رئيس أعظم قوة عظمى فى العالم هذه الفكرة شخصياً، فمن الجدير أن تنفذها الحكومة الإسرائيلية «, ودعت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية غيلا غملئيل إلى تشجيع إعادة التوطين الطوعى للفلسطينيين من غزة خارج قطاع غزة، لأسباب «إنسانية». 

وليست مصادفة أن يكون نتنياهو أول رئيس لحكومة أو لدولة أجنبية يتلقى دعوة من الرئيس الأمريكى لزيارته فى البيت الابيض بعد أيام من تسلمه مهام منصبه، و مما لا شك فيه سيكون على رأس جدول الأعمال مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة بحجة توطينهم فى وطن مؤقت بديل, ولنا أن نتصور ما سوف يقدمه الرئيس ترامب لاسرائيل من مساعدات اقتصادية هائلة، لتعويضها عن بعض خسائرها فى حربها على غزة, وأتوقع أنهم سيرتبون لنتنياهو لقاء فى الكونجرس باغلبيته الجمهورية الموالية والداعمة بقوة لاسرائيل،  وسوف يحيونه وقوفا بالتصفيق الحاد له عشرات المرات كما فعلوا معه من قبل، وسوف يعاملونه كأحد الأبطال الفاتحين وكأنه هبط عليهم من السماء وليس كمجرم حرب قادم من مستنقع خراب وحمام دم كبير، وربما يجد بينهم من يرشحه للحصول على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس ترامب لتوصلهما أخيرا الى حل نهائى للصراع الفلسطينى الاسرائيلي!.

ليست نظرية مؤامرة وإنما هى المؤامرة بعينها, قائمة بالفعل يحيكونها للمنطقة بهدف تفكيكها وتلغيمها وتفجيرها من الداخل والدفع بها على طريق العنف والفوضى وعدم الاستقرار باعتباره الضامن لأمن اسرائيل وحماية المصالح الأمريكية فيها, ومصر الكبيرة تدرك حجم المؤامرة و تتعامل معها بحكمة وثقة وشرف فى زمن عز فيه الشرف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق