حياتك مكتوبة لك سلفاً
هناك آية في القرآن الكريم، في سورة الحديد، تختصر حالة الإنسان، إذ يقول المولى عز وجل: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور".
يعني كل شيء قد كُتب لك، فلا تحزن أو تفرح.
فإذا اقتنع المرء بهذا الكلام، بأن حياته وأحواله تحددت سلفا، عندئذ سيشعر براحة البال، وراحة البال هي السعادة، أو من أشكال السعادة.
على الانسان ألا يندب حظه، وعليه الرضى بما جاء بكتاب الله في سورة الحديد، فرب غني يعيش في قصر لكنه يشعر بحزن وكآبة، ورب قانع رضي بما قسمه الله له يعيش مرتاح البال، أي سعيد... أترك الحياة تسير بك، فكل شيء قد كُـتب لك.
كذلك رب ضارة نافعة، أو ما يصيبك من ضرر أمر قد ينفعك، فقد عملت في سفارتنا في السودان بين 1974 و1980، وكانت الحياة فيه قاسية للغاية، حيث تنقطع الكهرباء معظم الليل والنهار، والمناخ حار، ولما تنقطع الكهرباء لا يصل الماء الى المنازل، ولا تجد البنزين لسيارتك، وإن وجدته قد لا تعمل المضخة اذ لا توجد كهرباء، ولا حتى خبز وقت الصباح.
ولا تجد الأطعمة التي تتوق لها نفسك، ولقد قرأت ليلا على ضوء الشموع مجلة "نيوزويك"
والـ"ايكونومست"، ودرست مزيدا من اللغة الفرنسية في المعهد الثقافي الفرنسي، ومع هذا تحملنا العمل في السودان لطيبة الوضع الاجتماعي، اذ تشعر كأنك بين أهلك.
ومما أشعرني بالراحة أثناء العمل، السفير محمد سالم البلهان، أطال الله في عمره، فقد كان سفيراً طيباً ومهذباً في تعامله مع الموظف الإداري والديبلوماسي، لا يجرح أحداً بكلمة، هادئاً في طبعه وأخلاقه، مما وفر لنا بيئة عمل مريحة، فاشتغلنا بهمة ونشاط.
لقد خرجت من السودان بدروس عن الحياة، بل أنا مدين لذلك البلد، لأنه يحرك في الانسان المشاعر، كالحرمان والرزق، فقد لفت انتباهي للنعمة، نعمة الحصول على طعام، ونعمة الكهرباء، ونعمة الأمن الداخلي، وان انت حصلت على اسطوانة غاز للطبخ، فكأنك حصلت على ثروة. أي نحن بنعمة عظيمة في الكويت، لكن أكثرنا غير مدرك لها.
ولما تم نقلي الى يوغسلافيا السابقة في مايو 1980، لم أجد مشاعر إنسانية أو حياتية، ولا تجد المحبة سائدة، بل كرهت الوضع الاجتماعي، ونفوس أعضاء السفارة زفت، ولما تدربت في الأمم المتحدة في نيويورك في عام 1985 لمدة ثلاثة أشهر، خرجت منها بانطباعين اثنين عن المدينة هما: مبان وعمل، أي نيويورك هي "شغل دائم".
وهكذا صدق المثل الذي يقول "رب ضارة (السودان) نافعة، أي كان السودان نعمة لي ودروسا مفيدة، فالطيبة ودروس الحياة كانت هناك، ولم تكن في يوغسلافيا أونيويورك، وخرجت من البرازيل والارجنتين بإلمام باللغتين البرتغالية والإسبانية.
لذلك، فإن السعيد منا هو من يرضى بما كتب الله له، وبما جاء بكتاب الله، في سورة الحديد، ولم يندب حظـه، فكل شيء مكتوب لك، بإذن الله.
لقد صقلتني هذه التجارب الأليمة والنافعة.
0 تعليق