د.غانم السعيد يكتب: الدين واللغة.. دعائم الهوية

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الآونة الأخيرة صدر قراران أعتقد- من وجهة نظري- أنهما سيغيران مسار التعليم في مصر، ويدفعان إلى تعزير الهوية العربية والإسلامية في نفوس أبناء الأمة، القرار الأول، هو اعتبار الدين مادة أساسية على طلاب وزارة التربية والتعليم، فهذا القرار هو بداية الحقيقة للعودة إلى منظومة القيم والأخلاق التي  أوشكت على التلاشي والذوبان، ونظرا لسقوط قيمة الدين من طلاب المدارس والجامعات، بسبب إنها مادة غير مهمة، لأنها لا تأثير لها في نجاح الطالب من عدمه، مما أدى إلى أن يكون هناك شبه انفصال بين الطالب وبين بدائيات دينه، وهذه تعد ثغرة كبيرة في نظام التعليم نفذ منها أصحاب الفكر المتطرف إلى استقطاب كثير من الطلاب ممن لهم ميول دينية فطرية، فحاولوا أن يملأوا هذا الفراغ الذي لم تستطع وزارة التربية والتعليم أن تسده، بسسب ضعف المادة العلمية المقدمة للطالب، وعدم قدرتها على الإجابة على كثير من الأسئلة التي تشغل فكر الطلاب، إلى جانب عدم الاهتمام بها أصلا لأنها لا تؤثر في مجموعه، فجاء قرار وزير التربية والتعليم - الشجاع الذي أحييه عليه- ليسد هذه الفجوة الكبيرة في مناهج التعليم، ويصبح الفكر الديني الوسطي يتلقاه الطالب تحت عين ورقابة الدولة والمجتمع، ونأمل - حتى تكون للقرار ثمرته المرجوة منه- أن يكون محتوى المادة من القوة والإحاطة بحيث يسد حالة الفراغ الديني لدى الطالب، وأن يتناول واقع الناس وظروفهم الحياتية، والقضايا التي عليها خلافات تؤدي إلى قلق المجتمع واضطرابه، كما نسمع ونرى كل عام ما يدور من حول تهنئة النصارى بعيدهم، أو الخلاف حول إخراج زكاة الفطر فهناك من يتمسك بأن تكون من نفس الأنواع حددها رسول صلى الله عليه وسلم- ومنهم من يقول يجوز إخراجها نقدا... الخ ذلك من خلافات تعكر صفو المجتمع، وتفتته، وتقضي على هويته ؟؟ الخ

أما القرار المهم أيضا في هذا السياق فهو قرار وزير الأوقاف، بتكليف من رئيس الجمهورية، بإعادة الكتاتيب لتؤدي دورها المنوط بها، والتشجيع إلى إنشاء أعداد كثيرة منها في جميع أنحاء الوطن، ومعلوم أن الكتاتيب كان لها دور مهم ومتعاظم في تربية النشء على حفظ كتاب، وتعلم القراءة والكتابة الصحيحة إملائيا، والتي نعاني منها كثيرا في المصالح الحكومية، وحتى في الرسائل والبحوث العلمية، كما أن الكتاتيب تعلم الطالب كيفية النطق الصحيح لحروف اللغة، وقراءة وحفظ  القرآن الكريم من أهم ما يقوِّم اللسان لدى الأطفال، ويُسهل عليهم النطق باللغة العربية الفصيحة، وهذا  سيؤدي إلى إحساس التلميذ والطالب بقيمة لغته، ويزداد اعتزازه بها، كما أن قرار وزير التربية والتعليم باعتماد الدين مادة أساسية سيعيد من جديد منظومة القيم الأخلاقية التي تصحرت وجفت منابعها من نفوس أبنائنا، كما يؤكدان معا على الهوية، ويدعمان الانتماء.
وللأسف فإننا سنجد أصوتا نشازا ترفض القرارين، وستعمل على إلغائهما من خلال تشويه أغراضهما السامية، لأنهما يرونهما خطرا على مشروعهم القائم على تذويب الهوية، وهدم منظومة القيم التي تعتمدها الأمة في كل تاريخها كأساس من أهم أسس تقدمها ونهضتها، والمشكلة في هؤلاء أنهم - مع كونهم قلة- يسيطرون على كثير من وسائل الإعلام المختلفة التي يعلنون من خلالها أفكارهم المسمومة التي بلا شك ستؤثر في عقول كثير من الناس فتجعلهم ينساقون وراءهم، ويشجعون أفكارهم الهدامة، ومن هنا أطالب وسائل الإعلام المختلفة أن تقوم بدورها المنوط بها  في تحقيق الوعي المجتمعي بمثل هذا القضايا المهمة والخطيرة، وأن تشجع مثل هذه القرارات الجريئة التي تحاول أن  تعيد توجيه بوصلة الأمة إلى الأهداف والغايات النبيلة والسامية التي من خلالها يتم الحفاظ على هوية الأمة.

الدكتور غانم السعيد - أستاذ الأدب والنقد، عميد كليتي الإعلام واللغة العربية السابق جامعة الأزهر

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق