في قلب معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث تلتقي الحضارات وتتعانق الثقافات، تتألق سلطنة عمان كضيف شرف في الدورة الـ 56 للمعرض، مقدمة تجربة ثقافية متكاملة تعكس تاريخها العريق وإسهاماتها الفكرية الممتدة عبر القرون، فمن اللحظة الأولى لدخول الجناح، يشعر الزائر وكأنه انتقل إلى أحد الأحياء العمانية القديمة، حيث استوحى تصميم الجناح من الحارات العمانية التقليدية، التي تحيط بها الأسوار والأبواب، فضلا عن تنسيق كل ركن بشكل يعبر عن جزء من الثقافة العمانية فهذا التجسيد البصري يضفي على الجناح طابعا تراثيا مميزا، يجذب الزائرين إلى رحلة عبر الزمن لاستكشاف العمق التاريخي لعمان، فالجناح ليس مجرد مساحة عرض للكتب والوثائق، بل هو نافذة تطل منها السلطنة بكل إرثها الثقافي والحضاري، والأنشطة المتنوعة التي تعكس الروح العمانية الأصيلة.
وخلال جولة «الدستور» في جناج ضيف الشرف كان في استقبالنا خلفان بن محمد العبري، مدير دائرة شؤون معارض الكتاب بوزارة الثقافة والرياضة والشباب بسلطنة عمان، والذي قدم لنا شرحا وافيا لكل جزء من أجزاء الجناح فضلا عن الحديث حول مشاركة بلده كضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب في النسخة الحالية.
وقال خلفان العبري:"أن اختيار سلطنة عمان كضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب يعكس عمق العلاقات الثقافية بين البلدين، مشيرا إلى أن التحضيرات لهذه المشاركة بدأت منذ انتهاء الدورة السابقة للمعرض وكان هناك فرق عمل متخصصة حرصت على إعداد الجناح العماني بشكل يليق بمكانة السلطنة الثقافية، لافتا إلى أن الهدف من المشاركة ليس فقط عرض الإصدارات العمانية، بل تقديم تجربة ثقافية متكاملة تبرز التراث العماني الغني.
تصميم الجناح يدخل الزائر في أجواء التراث العماني
وكشف العبري عن فكرة تصميم الجناح، والذي تم استلهامه من الحارات العمانية التقليدية التي تحيط بها الأسوار والأبواب المعروفة باسم "الصباحات"، موضحا أن هذه العناصر تعكس نمط الحياة العمانية القديمة، حيث كانت المدن تحاط بأسوار لحمايتها، وتغلق أبوابها بين الفترات الصباحية والمسائية مؤكدا أن هذا التصميم لم يكن مجرد لمسة جمالية، بل هو وسيلة لإدخال الزائر في أجواء التراث العماني منذ لحظة دخوله الجناح.
إصدارات فكرية عمانية ودور نشر بارزة
أما فيما يتعلق بالإصدارات العمانية، أكد العبري أن هذه النسخة من المعرض شهدت مشاركة واسعة من 22 مؤسسة عمانية، من بينها وزارات حكومية مثل وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ووزارة الإعلام، ووزارة التراث والسياحة، وجامعة سلطان قابوس، إلى جانب مؤسسات مجتمع مدني مثل الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وبيت الزبير، والنادي الثقافي، ومؤسسة ذاكرة عمان.
وأضاف أن مشاركة 13 دار نشر عمانية في المعرض تعد الأكبر في تاريخ المشاركات العمانية بمعرض القاهرة، وهو ما يعكس اهتمام السلطنة بإيصال الإصدارات العمانية إلى القارئ المصري والعربي مشيرا إلى أن الكتب المتوفرة تغطي مجالات متنوعة تشمل التاريخ، والأدب، والفكر، والعلوم، بما يسمح للزوار بالتعرف على النتاج الفكري والثقافي العماني من زوايا متعددة.
مخطوطات نادرة توثق التاريخ العماني
وأشار مدير دائرة شؤون معارض الكتاب العماني إلى أن الجناح يضم ركنا خاصا بنوادر المطبوعات والمخطوطات العمانية، موضحا أن بعض هذه المخطوطات يعود إلى ما يقارب 900 عام، وتوثق مجالات علمية مختلفة مثل التاريخ، واللغة، والفقه، والأدب مشيرا إلى أن عددًا من هذه المخطوطات مسجل في سجل ذاكرة العالم نظرا لأهميته العلمية، خاصة تلك المتعلقة بالطب والملاحة البحرية واللغويات.
كما أن الجناح يضم أيضا مجموعة من المطبوعات الحجرية العمانية التي تم طبعها في مصر قبل أكثر من 135 عاما، مما يؤكد عمق الروابط الثقافية بين البلدين وأيضا هناك ركنا خاصا بالمطبوعات العمانية الأولى التي ظهرت في مصر، والتي تعكس التفاعل الثقافي بين البلدين عبر العقود الماضية.
العلاقات العمانية المصرية عبر التاريخ
وفيما يخص العلاقات التاريخية بين مصر وسلطنة عمان، أوضح أن الجناح يسلط الضوء على العلاقات التجارية والثقافية بين البلدين، والتي تعود إلى أكثر من 3000 سنة وبالأخص في عهد الملكة حتشبسوت، حيث أن التجارة بين مصر وعمان ازدهرت في هذه الحقبة وكان يتم تصدير اللبان العماني إلى مصر لاستخدامه في المعابد والطقوس الدينية، كأحد أنواع البخور، وهو ما يعكس قدم العلاقات التجارية بين البلدين.
أنشطة تفاعلية وتجارب ثقافية غنية
وأعرب العبري عن سعادته بالإقبال الكبير من الزوار على الأنشطة والفعاليات التفاعلية داخل الجناح، حيث يتم إعداد الحلوى العمانية أمام الجمهور، مما يسمح لهم بالتعرف على طريقة صناعتها ومكوناتها وتذوقها وهي طازجة كما أضاف أن المجلس العماني داخل الجناح يوفر فرصة للزوار لاكتشاف العادات العمانية في الضيافة، مثل تقديم القهوة العمانية، وسط أجواء تراثية تعكس الكرم العماني الأصيل، وهناك ركن خاص بالواقع الافتراضي، الذي يمنح الزوار فرصة استكشاف الفنون العمانية المسجلة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو، مثل فن البرعة، ولبس الخنجر العماني، إلى جانب استعراض الفضاءات الثقافية العمانية كالمجالس التقليدية.
ممثلين مسرحيين يجسدون شخصيات عمانية تاريخية
وفيما يخص إبراز الشخصيات العمانية البارزة، لفت إلى وجود ممثلين مسرحيين داخل الجناح يجسدون شخصيات عمانية تاريخية، مثل العالم اللغوي خليل بن أحمد الفراهيدي، واضع علم العروض، والملاح العماني أحمد بن ماجد، الذي كانت له إسهامات كبيرة في علم الملاحة وهذه التجربة تمنح الزوار فرصة فريدة للتفاعل مع التاريخ بطريقة حية ومباشرة.
برنامج ثقافي متنوع وفنون شعبية يومية
وتابع العبري أن سلطنة عمان أعدت برنامجا ثقافيا غنيا ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، يتضمن ندوات حول العلاقات التاريخية والثقافية بين مصر وعمان، وجلسات نقاشية عن الأدب العماني، إلى جانب دراسات عن الروابط التاريخية في الرواية، والشعر، والموسيقى، لافتًا إلى أن المعرض شهد مشاركة أكاديميين مصريين تحدثوا عن تجاربهم في التدريس بجامعات عمانية، مثل جامعة سلطان قابوس، وفي إطار ذلك تساهم هذه اللقاءات الأكاديمية في تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، وتقام العروض الفنية العمانية يوميا على المسرح الخارجي للمعرض، والفرق العمانية تقدم مجموعة من الفنون الشعبية التراثية، التي لاقت استحسان الجمهور المصري، حيث أن هذه العروض تعد فرصة رائعة لتعريف الجمهور بالموروث الثقافي العماني من خلال الموسيقى والفنون التقليدية.
التجربة العمانية في معرض الكتاب: نجاح ثقافي وحضور قوي
وفي ختام حديثه، أعرب العبري عن فخره بمشاركة سلطنة عمان كضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب، مشيرا إلى أن هذه التجربة لم تكن مجرد مشاركة عادية، بل كانت جسرا ثقافيا حقيقيا يعزز التواصل بين الشعبين المصري والعماني، ويفتح آفاقا جديدة للتعاون الثقافي والمعرفي والإقبال الكبير على الجناح العماني يعكس مدى اهتمام الجمهور المصري بالتعرف على الثقافة العمانية، مشيرا إلى أن السلطنة ستواصل جهودها في تعزيز الحضور الثقافي في المحافل الدولية، بما يسهم في نشر الثقافة العمانية على نطاق أوسع.
0 تعليق