في السابق كان الاقتران يجمع بين الاقتصاد والسياسة باعتبارهما أهم ملفات الدول والحكومات، وكان الجدل الدائم يرتكز حول أي منهما يقود الآخر وما زال هذا الاقتران حيا في الحديث الإعلامي، بيد أن ثمة مجالا آخر بدأ يظهر على الساحة الإعلامية خلال العقد الحالي يتمثل بالتقدم التكنولوجي الهائل وارتباطه بالسياسة والاقتصاد معا، لا سيما بعد التنافس الدولي المستعر في مجال تقنية الذكاء الاصطناعي، فتحول الاهتمام إلى ثلاثة أركان متداخلة فيما بينها بشدة وهي ثلاثية التكنولوجيا والسياسة والاقتصاد.

فمثلا، تم حظر تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة رسميا في أول يوم للرئيس ترامب في البيت الأبيض، هذا التطبيق الصيني يحظى بجماهيرية واسعة بين أوساط الشباب الأمريكي، حيث يستخدمه أكثر من 170 مليون مستخدم أمريكي، يجني من خلاله صناع المحتوى الأمريكي ما يقارب 20 مليون دولار سنويا، وهذا يعني أن منصة تيك توك الصينية تساهم في الاقتصاد الأمريكي، وبعد دخول القرار حيز التنفيذ تذمر العديد من صناع المحتوى الأمريكيين، الأمر الذي جعل الرئيس ترامب بنفسه يجري اتصالا بالرئيس الصيني شي جين بينغ من أجل عودة المنصة إلى التشغيل بشرط أن يتم تسوية الخلاف الصيني الأمريكي حول هذا التطبيق في مرحلة لاحقة!!

قبل أربع سنوات خسر ترامب الانتخابات أمام بايدن، وقد لعبت التكنولوجيا دورا مهما في هزيمته التاريخية الصعبة عندما اصطفت منصات التواصل الاجتماعي مع الديمقراطيين ضده، فتم حظر حساباته الرسمية في تويتر وفيس بوك ويوتيوب وبالتالي تم منعه من التواصل مع جمهوره، بعد ذلك دشن ترامب منصة تواصل خاصة به أطلق عليها تروث سوشيال، بعدها وخلال حقبة الديمقراطيين تمكن صديقه إيلون ماسك من شراء منصة تويتر بالكامل وأعاد لترامب حسابه الشخصي، وهكذا لعبت التقنية أدوارا مهمة في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث.

أيضا هناك ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ السياسة الأمريكية، ففي يوم تنصيب الرئيس الحالي دونالد ترامب كان الصف الثاني خلف عائلة الرئيس يصطف عمالقة وادي السيليكون التقني، لعل أبرزهم أغنى رجل في العالم إيلون ماسك صاحب منصة إكس (تويتر) ومالك شركة تيسلا للسيارات الكهربائية والذي كان له الدور الأبرز في فوز الرئيس ترامب في الانتخابات الأخيرة، وقد حصل على حقيبة وزارية استثنائية في تشكيل الحكومة الحالية تتعلق بالكفاءة الحكومية، وبجوار إيلون ماسك كان يجلس ثاني أغنى رجل في العالم جيف بيزوس مالك منصة أمازون للتجارة الالكترونية العالمية، وبجواره الشاب مارك زوكربيرغ مالك منصتي فيس بوك وانستغرام، كما حضر حفل التنصيب لاري لانسون مالك شركة أوراكل التقنية، بالإضافة إلى سيرجي برين مؤسس شركة ألفابت (جوجل) وغيرهم من المديرين التنفيذيين لشركات التقنية الأمريكية.

خاتمة القول.. صرح الرئيس الحالي ترامب أنه سيدعم مجال الذكاء الاصطناعي دعما لا محدود وبميزانية خيالية حتى تبقى الريادة التقنية العالمية للولايات المتحدة في هذا المجال الحساس، العالم اليوم أمام تقنية خطيرة متطورة، والتكنولوجيا أصبحت تتداخل بقوة مع السياسة والاقتصاد لتصبح بهذه الدرجة من الأهمية، ولعل ما يحدث في الولايات المتحدة خير برهان على ذلك.

albakry1814@