فيسبوك

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الثلاثاء 04/فبراير/2025 - 11:34 ص 2/4/2025 11:34:31 AM

اخترت فيسبوك من بين شبكات التواصل الاجتماعي، اخترت التطبيق من بين تطبيقات شبيهة مشهورة كشهرته، كتويتر وأنستجرام وسناب شات، صنعت لنفسي صفحة فيه، وسكنت هناك، أنسا بصحبته ومستريحا إلى منصته، ولكن هذا لم ينف أنني اكتشفت العالم من خلاله اكتشافا جديدا مدهشا، لم يكن كله جميلا، وما الفيسبوك، وأمثاله من الوسائل، إلا العالم في صورة مختصرة بالأساس!
في الواقع حرمني فيسبوك من التواصل الاجتماعي الحميم، وهو، في ما يقال، اختراع للتواصل، صرت أفتقد سؤال كثيرين من الأهل والأصدقاء عني، وإذا لقيت بعضهم، صدفة، واستفسرت منه عن غيابه الطويل، قال لي بدون مبالاة: أراك على فيسبوك ناشطا وملهما فأطمئن عليك!
فيسبوك، وهو مثال لما يناظره في العمل من التطبيقات الأخرى مع فوارق مفهومة، فتح مجالا واسعا للكلام، كل ذي لسان يتكلم، ولو لم يكن لسانه يحسن الكلام أو يعرفه أصلا، وفرض على الناس أذواقا من الفنون والآداب، لا مثيل لها في الانحدار، وبالمثل جعل أهل الكلام الرائع يتكلمون، وأوجب فنونا وآدابا هي الغاية في السمو...
الفضفضة قاعدة فيسبوك، وهو قاعدتها بالجملة، فكل ما يحويه فضفضة، لكنها تكون مريحة لأهلها والآخرين تارة، ووبالا على الجميع تارة أخرى، وهو أكبر مساعد على خدمة النفس، بكل طريقة، مهما تكن في مصلحة الآخرين أو ضد مصلحتهم، وأما عن الشائعات المغرضة والترندات التافهة فإن فيسبوك يقتاتها ويشرب من أنهارها الملوثة، غير أنه يقول الحقيقة في بعض الأحايين، الحقيقة الناصعة التي يصعب أن يجدها الإنسان في مكان آخر.
الدين والسياسة والجنس، تلك التابوهات التقليدية الراسخة، لعبة فيسبوك الأثيرة، يلعبها باحترافية عالية، وبالطبع يدعو الموجودين بساحته للعب، يغريهم فيقنعهم، وفي النهاية يغلب ويخسر الآخرون، إلا الأيقاظ النبهاء، ومهما زاد هؤلاء فإنهم قلة. للمال في فيسبوك ملاكه وللأعمال رجالها وللدعاية الصاخبة شياطينها وملائكتها الذين يعرفون أساليب الخداع السوداء وأساليب الجذب البيضاء!
الفيديوهات والرسوم بطول الصفحات وعرضها، ضارة ونافعة، ولا مجال للفرز،
أنا أرى وأنت ترى وهم يرون، تبرز للسائر كأنها تنتظر مروره، وفيها ما فيها من الغواية المحرضة على التمكث قبالتها.   
البشر على فيسبوك، كالبشر في الحياة بالضبط، لا يمكن لأحد أن يقبض ما في دواخلهم، وبالتعامل المستمر ربما حصل على إجابات لأسئلة كثيرة تدور في نفسه بشأنهم، وقد لا يحصل على شيء مهما حاول، في الآخر هم أسماء وصور تملأ المكان الفسيح، والله وحده يعلم كنهها الافتراضي مثلما يعلمه في الواقع الفعلي.
بجوف فيسبوك نبلاء كرماء وبجوفه لئام شحيحون، وثم إعجاب وتعليق يوضحان الفروق بين أخلاق البشر وخصالهم، وأما وجود الحذف والحظر فنعمة ونقمة في الوقت نفسه، كل أمر يحمل وجهين متناقضين في هذا التطبيق بالمناسبة، وقد يجري استخدامهما لأسباب منطقية، وقد يجري بلا سبب واحد مفهوم، والمعارك بشكل عام، إذ حضرت سيرتا الحذف والحظر، لا تهدأ لحظة في فيسبوك، هي علامة الحيوية الوحيدة تقريبا، هذه مصيبة كبيرة بالطبع، لكنها أم الحقائق، وكل من ليس بيده سلاح فيسبوكي صارم حاد، يكون لقمة مستساغة بأطباق الآخرين.
لقد أصابني فيسبوك بدوار هائل مستمر، وما يزال، وأخشى أنني أدمنت تواجدي فيه، كمن أدمن التواجد في مقبرة مميتة وهو يتنفس أحلى أنفاسه العمرية الناضجة وأغلاها!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق