كيف تموت الأمم.. وهل بدأت أمريكا في السقوط؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الخميس 06/فبراير/2025 - 11:37 م 2/6/2025 11:37:12 PM

في مٌقَدَمة إبن خلدون ذكر مؤسس علم الاجتماع عبدالرحمن بن خلدون عدة أسباب لسقوط الدول والممالك العظمى ومنها قوله أن الظلم مؤذن بخراب العمران، أما أشهر المؤرخين في القرن العشرين البريطاني أرنولد جوزف توينبي فقد ذكر في كتابه الشهير  "مختصر دراسة التاريخ"، أن الحضارات تتعرض للفناء والاندثار، مثلها مثل الأفراد والتنظيمات والدول، فليس من أحد محصن ضد الزوال، ويصل توينبي في إحصاءاته إلى نحو 600 مجتمع بدائي ولدت منها 32 حضارة اندثر معظمها، وأضاف أوسفالد شبينجلر  الفيلسوف الألماني الشهير  والذي عٌرف بكتابه «انحدار الغرب» نظرية عن سقوط وازدهار الحضارات والأمم وأن ذلك يتم بشكل دوري، ويغطي كل تاريخ العالم وقدم نظرية جديدة جعل فيها عمر الحضارات محدودًا وأن مصيرها إلى الأفول، ولعله تأثر بما كتبه ابن خلدون في هذا المجال، أما المفكر المغربي حسن أوريد صاحب كتاب " أفول الغرب " والذي بسببه أثارت صورة متداولة لشيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وبجانبه نسخة الكتاب على الطائرة خلال عودته من رحلة علاجية في أوروبا- جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي وهو الكتاب الذي يٌعد قراءة نقدية لقوة تغرب شمسها وبقصد بها قوة الغرب، وكل هؤلاء المؤرخون والفلاسفة يؤكدون أن الممالك والقوى العظمى في التاريخ الإنساني قد يكون مصيرها إلى الموت والانهيار والزوال لأسباب متعددة منها جنون العظمة الذي يصيب حكام الإمبراطوريات العظمى وهو ما يدفعهم إلى ارتكاب المظالم الفادحة في حق الإنسانية، وقد يؤدي هذا إلى تصارع أبناؤها على السلطة وخروج الصراع بين السلطات والشعب عن إطاره الديموقراطي المتفق عليه، فتسود سلطة الفكر الواحد والفرد الواحد دون الرجوع إلى مؤسسات الدولة. وهذه الخلفية التاريخية ومعها آراء الفلاسفة والمؤرخين والمحللين يمكن تطبيقها على منهج وأسلوب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولعلنا نتذكر اقتحام الكابيتول قبل أربع سنوات بعد رفض ترامب نتائج الانتخابات الرئاسية التي خسرها وقتها لصالح الرئيس بايدن. وهو اليوم الذي يمثل حلقة مظلمة في التاريخ الأمريكي الحديث عندما اقتحم فيه أنصار الرئيس دونالد ترامب مبنى الكابيتول وعطلوا جلسة مشتركة للكونجرس لفرز الأصوات الانتخابية، وهو ما كان يهدد الولايات المتحدة الأمريكية بحرب أهلية تُنتج صراعا بين أبناء الوطن الواحد على السلطة وكرسي الحكم وتصيب الديمقراطية في مقتل، ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في فترة رئاسته الحالية، فإن أنصاره  مازالوا متمسكين بمعتقداتهم أكثر من أي وقت مضى خاصة بعدما  أصدر ترامب عفوا عن  1500 وخفف أحكام 14 من أنصاره فيما يتعلق بأحداث اقتحام الكونجرس في 6 يناير 2021، وهو ما وعد به في حملته الانتخابية، وهذا القرار يجسد لفلسفة ترامب في بناء جيش شعبي ضاغط من أنصاره يلقي به دائما كلما أراد في قلب الأحداث داخل أمريكا مثل كرة اللهب المشتعلة، وهو الفكر الذي تعتنقه وتحترفه الجماعات المتطرفة والمصنفة على قوائم الإرهاب مثلما كانت مسيرة وأفعال تنظيم الإخوان المسلمين في مصر  منذ قيام ثورة يوليه 1952 وحتى الوصول إلى أوج مخططاتها ضد الوطن في العقد الأخير في مصر  ، ثم أن ترامب يمارس الآن السبب الأهم الذي يهدد أمريكا بالسقوط والانهيار وهو الظلم المؤذن بخراب العمران  كما ذكر ابن خلدون، فهو يمارس الآن أشد أنواع الظلم بمخططه لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم ووطنهم، ثم إطلاق أحلامه الواهمة الظالمة بالاستحواذ على غزة وتسويتها بالأرض لاستغلال الأرض في مشروع استثماري استعماري يعود بنا إلى تاريخ الظلم والظلام الاستعماري القديم، وهذا الظلم لم يمارسه ترامب فقط ضد غزة بل استخدم استراتيجية عدائية ضد المكسيك وكندا وبريطانيا والدانمارك وكولومبيا وروسيا والصين وإيران وبنما، في محاولة منه لإجبار  تلك الدول على تنفيذ أوامره الفردية في قضايا التجارة والهجرة غير النظامية والنزاعات الجيوسياسية، بالإضافة إلى تعزيز هيمنة الدولار عالميا، ورأيناه يهدد المكسيك وكندا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الدولتين ما لم تتصديا للهجرة غير النظامية ووقف تدفق عقار الفنتانيل،كما هدد كولومبيا بفرض رسوم  جمركية وعقوبات مما دفعها للموافقة على استقبال المهاجرين المرحّلين من الولايات المتحدة، وهدد الصين بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات، ثم هدد روسيا بفرض الضرائب والتعريفات الجمركية والعقوبات ما لم تنه الحرب في أوكرانيا، أما الدانمارك  فقد هددها بفلسفة الطغاة المستعمرين بفرض رسوم جمركية ما لم تتنازل عن سيطرتها على جرينلاند لصالح الولايات المتحدة، كما هدد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على دول مجموعة البريكس، ولا ننسى تهديده بمحو إيران من الوجود إذا حاولت اغتياله،ثم أراد الاستحواذ على قناة بنما، وبعد ذلك وقع ترامب في حفرة السبب الثالث من الأسباب المؤدية لانهيار وزوال الدول الكبرى، فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز إن اعلان دونالد ترامب مقترحه بأن تمتلك الولايات المتحدة قطاع غزة قد أصاب كبار مسئوليه بالبيت الأبيض وبالحكومة بالصدمة وأن إدارته لم تقم حتى بالتخطيط الأساسي لفحص الفكرة، وفقا لأربعة من فريقه الرئاسي المطلعين على المناقشات، والذين رفضوا الكشف عن هوياتهم لأنهم غير مخولين بالحديث علنا، وهذا يعكس أن ترامب يتخذ قرارات بعيدة عن مؤسسات الأمن القومي الأمريكي،
كل ما سبق وبالتحليل الدقيق يؤكد أن ترامب قد ارتكب الأسباب التاريخية التي قد تؤدي إلى انهيار أمريكا في المستقبل، فهو يوطن بسياساته إلى احتمالية إشعال حرب أهلية في أمريكا عند أي صدام له مع القوة المعارضة الأكبر في الولايات المتحدة وأقصد هنا الحزب الديمقراطي، ثم أنه يأخذ خطوات ثابتة في وحل الظلم الذي يؤذن بخراب العمران، ثم أنه ينفرد بقراراته بعيدا عن مؤسسات الدولة العميقة في أمريكا وجميعها أسباب قد تصنع رأي عام خارجي وعالمي ضد أمريكا، ورأي عام داخلي ضد دونالد ترامب نفسه، وهنا ينبغي أن نتذكر نظرية شبينجلر الذي يؤكد أن الأمم قد لا تسقط فجأة لكنها بفعل وقوعها في أسباب الزوال ومنها الأسباب الثلاثة التي أوضحتها فقد تتخشب وتتيبس مفاصلها، ثم تكون هشيمًا تذروه الرياح. وهي مرحلة على حد قوله تؤدي إلى موت لا راد له، وأن هذا يحدث في عقود، ووقتها يكون للسقوط دوي عظيم، لذلك التفت باحترام وتقدير إلى تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي قال فيه أن الرأي العام المصري والعربي والعالمي يرى أن هناك ظلما تاريخيا وقع على الشعب الفلسطيني طوال 70 عاما وأن مصر لن تشارك فيه، هذه كلمات قائد محنك يقرأ التاريخ جيدا وقرر ألا يربط وطنه بمصير  أمم تأخذ خطواتها نحو السقوط.     
 

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق