- ترحيبٌ خارجي ومعاينة لصيقة للبيان الوزاري المرتقَب تحت «العين الحمراء» الأميركية
«حكومة الإصلاح والإنقاذ» في لبنان وُلدت، وإلى البيان الوزاري وقَرْنِ الالتزامات بالأفعال... دُر.
هكذا طوتْ «بلاد الأرز» أمس الصفحةَ الثالثة من روزنامةِ تغييرٍ بدأ مع انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية ثم تكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة الجديدة، وعَكَسَ التحوّلات الجيو - سياسية في المنطقة والتي شكّلت «حرب لبنان الثالثة» فاتحةَ طريق لها سرعان ما «مرّت» في سورية بسقوط نظام بشار الأسد، وتالياً ضمور المحور الإيراني ونفوذه الإقليمي.
وعشية مرور شهرٍ على انتخابَ عون رئيساً وفي اليوم 26 على تكليف سلام، تم استيلاد الحكومة 78 للبنان منذ الاستقلال، والتي اعتُبرت من «فئة الأسرع» في التأليف الذي لطالما استهلَكَ أشهراً طويلة من بازاراتٍ ومحاصصاتٍ أَخْفَتْ في أحد وجوهها صراعاً سياسياً، ذا امتداد إقليمي، على الإمرة لمَن في دفة الحُكْم وفي التموْضع الإستراتيجي لـ «بلاد الأرز».
ومن خلف القراءات في «بروفايل» حكومة الـ 24 وزيراً من الكفاءات غير الحزبية ولكن التي تعبّر عن الفضاء السياسي (لقوى وازنة في البرلمان) وتَعْكسه بأسمائها، والتي يتقاسمها مناصفة المسيحيون والمسلمون (مع توزيعٍ نسبيّ بين مذاهب الطائفتين)، اعتُبر «الإغراق السريع» لولادتها - التي أوشكتْ أن تدخل نفقاً من التأزم - بترحيبٍ خارجي، مؤشراً إلى حجم التوقعات التي وَضَعَها المجتمعان العربي والدولي عليها كمدَخل لترجمة الدعم لـ «ورشة بناء لبنان الجديد»، خصوصاً في بُعْدَيها الإصلاحي (مكافحة الفساد واستخدام سلّم الإصلاحات للصعود من الحفرة المالية السحيقة) والسيادي (المتمحور حول تطبيق اتفاق وقف النار مع إسرائيل والقرار 1701 وأخواته من القرارات الناظمة لسلاح «حزب الله»).
وفي حين تَعقد الحكومة التكنو - سياسية التي تضمّ 5 سيدات (بينهنّ لورا لحود، ابنة ميرنا البستاني أول سيدة دخلت البرلمان في تاريخ لبنان) وأسماء تتمتّع بالكفاية والصدقية وتُلاقي معيار الاختصاصيين (غالبية الوزراء خريجو الجامعة الأميركية في بيروت أو اليسوعية أو جامعات في الولايات المتحدة وفرنسا أو محاضرون فيها) أول اجتماع لها بعد غد الثلاثاء، حيث ستُلتقط الصورة التذكارية في القصر الجمهوري ويتم صوغ لجنة البيان الوزاري، فإن التدقيقَ في «المسرح السياسي» الذي تم استيلادها في كنفه يفترض التوقف عند 9 مفارقات:
1 - أن التشكيلةَ أنهتْ واقعياً مفاعيل اتفاق الدوحة (2008) الذي استُخدم لتكريس «الثلث المعطل» في الحكومات (لحزب الله وحلفائه)، وخطّت «طريق العودة» إلى اتفاق الطائف، سواء في آلية التشكيل بالتنسيق والتشارُك والتوازن بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة المكلف، أو في ما سيتم اعتماده كأحد مرتكزات بتّ مسألة السلاح خارج الشرعية.
2 - أنها المرة الأولى ينال ثنائي «حزب الله» والرئيس نبيه بري 4 حقائب من الحصة الشيعية (المال، الصحة، البيئة والعمل) من أصل خمسة مخصصة للمكوّن الشيعي، بالتوازي مع «سابقة» نزْع فتيل «التعطيل الميثاقي» من يد هذا المكوّن من خلال تسمية الرئيس سلام الوزير الشيعي الخامس (الدكتور فادي مكي وإن بموافقة بري)، وهي العقدة التي كادت أن تتحوّل كأداء في الساعات الـ 48 الماضية في ظلّ تمسك الثنائي بأن يسمّي هو هذا الوزير وطرح أكثر من اسم قبل أن يرسو الخيار على مكي.
3 - أن إدارةَ عقدة «الشيعي الخامس» وصولاً إلى تسمية مكي، وهو صاحب سيرة ذاتية حافلة وكان مستشاراً لرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري (ومديراً عاماً لوزارة الاقتصاد)، تمّت بما تفادى «لغماً» خطيراً كان يمكن أن يضع لبنان في فوهة ضرْب زخم التغيير، في ضوء حساسية هذه النقطة والرسالة «غير الدبلوماسية» التي وجّهتها «بالفم الملآن» وبلا قفازات نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الاوسط مورغان أورتاغوس من بيروت حين أعلنتْ أن «(حزب الله) هُزم عسكرياً أمام إسرائيل. ونحن ممتنون لحليفتنا إسرائيل لهزيمته»، وداعيةً ألّا يكون الحزب «جزءاً من الحكومة بأي شكل وأن يظل منزوع السلاح»، ومعتبرة «أن الرجال والنساء ذوي الشخصية في الحكومة (الجديدة) سيضمنون أن نبدأ في إنهاء الفساد، أن ننهي نفوذ حزب الله ونشرع في الإصلاحات من أجل لبنان أعظم».
4 - أن الحصة الشيعية في الحكومة، ورغم الاحتفاظ بوزارة المال للنائب والوزير السابق ياسين جابر (أصرّ عليه الثنائي)، عكست مداراةً فعليةً لحاجة لبنان إلى تقديم رسالةٍ بأن «الزمن تحوّل»، وسط اعتبارِ الكلام الذي أطلقتْه مورغان والذي «هزّ» لبنان فعلياً (عقدتْ لقاءات وهي ترتدي خاتماً عليه نجمة داود) بمثابة تعبير عن «العين الحمراء» العربية - الغربية على أي تساهُل بإزاء تمكين «حزب الله» مجدداً داخل السلطة والإدارة أو لاحقاً مع تنفيذ اتفاق وقف النار والسلاح خارج الشرعية، وسط اعتبار أوساط سياسية أن الوزيرين اللذين سمّاهما الحزب (للصحة والعمل) طبيبان في الجامعة الأميركية في بيروت.
5 - أن لا حلفاء لـ «حزب الله» في الحكومة الجديدة، التي تكوّنت من قوى معارضة وأخرى تعبّر عن نبض التغيير الذي طبع انتفاضة أكتوبر 2019، والتي تلاقي التحولات الإستراتيجية في المنطقة، وأنها سابقةٌ أن يتولى الثنائي الشيعي «مشاركة» تسمية وزرائه مع رئيسيْ الجمهورية والرئيس المكلف، حيث اقترح بري والحزب أسماء وكان عون وسلام إما يوافقان أو يرفضان، بعدما كان رئيس البرلمان يكتفي يحمل الأسماء في جيبه في الدقائق الخمس الأخيرة قبل مراسم الولادة ويتم إنزالها «كما هي».
6 - أنها أول حكومة يشغل فيها حزب «القوات اللبنانية» حقيبة سيادية هي الخارجية، إلى جانب حقائب الطاقة والصناعة والمهجّرين (وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي الذي يَحضر للمرة الأولى في الحكومات).
7 - أنها حكومة «الثِقل» والوزن المرموق بأسماء «أممية» ومن عيار «موسوعي» وثقافي وسياسي وديبلوماسي رفيع، وفق ما عبّر عنه اختيار الوزيرين السابقين طارق متري وغسان سلامة، وكلاهما سبق أن لعبا أدواراً كموفديْن أممين (في ليبيا والعراق).
8 - أنها المرة الأولى منذ انخراطه في الحياة السياسية في حقبة ما بعد 2005، يبقى «التيار الوطني الحر» الذي أسسه الرئيس السابق ميشال عون ويترأسه حالياً صهره النائب جبران باسيل خارج الحكومة، في مفارقة استوقفت الكثيرين كون هذا التدهور في وضعيته السياسية جاء مباشرة في أعقاب تولي عون رئاسة الجمهورية 6 سنوات (2016 – 2022) انتهت بالفراغ الذي استمر بين نوفمبر 2022 و9 يناير الماضي.
9 - أن حصة الأسد في التشكيلة كانت للرئيسين عون وسلام اللذين اختارا أسماء تتمتع بالكفاية والصدقية وتلاقي معيار الاختصاصيين.
استحقاقات داهمة
مع ولادة الحكومة بعد زيارة قام بها الرئيس سلام للقصر الجمهوري وانضمام الرئيس بري إليه، في مشهدٍ بروتوكولي معتاد، أعقبه صدوره مراسيم التشكيل، يكون لبنان الذي يطلّ اليوم برؤسائه الثلاثة في قداس مار مارون من وسط بيروت، أكمل عقد مؤسساته الدستورية على وهج تحديات كبرى ليس أقلها استحقاق انتهاء فترة الهدنة الممدّدة مع إسرائيل في 18 الجاري واليوم التالي لها وتوسيع تل أبيب رقعة غاراتها أمس في اتجاه البقاع، والملف الطارئ الذي تشكّله الأحداث على الحدود السورية - اللبنانية (بقاعاً) في ضوء المعارك العنيفة بين هيئة تحرير الشام ومسلّحي عشائر لبنانيين (محسوبين على «حزب الله») يقيمون في بلداتٍ سورية متاخمة ومتداخلة ما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى من الطرفين.
ترحيب دولي
لم يكن عابراً الترحيب الدولي بتأليف الحكومة، والذي عبّرتْ عنه مواقف عدة أبرزها:
- إعلان مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان «أن تشكيل الحكومة يمهد لفصل جديد ومشرق للبنان. تتطلع الأمم المتحدة إلى العمل مع حكومة لبنان في جهودها الرامية إلى تعزيز الإصلاحات الأساسية وتوطيد الأمن والاستقرار من خلال التنفيذ الكامل للقرار 1701».
- إعراب سفيرة الاتحاد الأوروبي ساندرا دو وال «عن دعمنا للحكومة اللبنانية الجديدة ونرحب بالتزام الرئيس نواف سلام ببرنامجها الإصلاحي. فالإصلاحات ضرورية لمستقبل لبنان وسنستمر في دعمها. ونعتمد على جميع المسؤولين ليس فقط لاعتماد هذه الإصلاحات، بل أيضاً لتنفيذها».
- تأكيد سفير بريطانيا هاميش كاول «أن إعلان الحكومة اللبنانية الجديدة والتزام رئيس الوزراء بالإصلاحات العاجلة يشكلان لحظة مهمة بالنسبة للبنان بعد كل هذه التحديات ونتطلع إلى العمل مع سلام وفريقه الوزاري لدعم الإصلاحات وتعزيز استقرار لبنان وازدهاره».
- ترحيب السفارة الأميركية في بيان «بإعلان رئيس الوزراء نواف سلام عن تشكيل الحكومة المقترحة»معلنة «يستحق الشعب اللبناني حكومة تعمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، ومحاربة الفساد، وتنفيذ الإصلاحات اللازمة. ونحضّ على صياغة بيان وزاري يساعد لبنان على تجاوز الأزمة ورسم مسار نحو تحقيق هذه الأهداف».
وجاء إعلان الحكومة بعيد إكمال أورتاغوس جولتها على المسؤولين اللبنانيين التي بدأتها الجمعة، حيث التقت أمس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وسلام والرئيس بري.
وأكدت أورتاغوس أمام الرئيس المكلف «دعم الولايات المتحدة للعهد وللحكومة المرتقبة في ضوء رؤية الرئيس سلام القائمة على الإصلاحات المالية والقضائية والإدارية»، مبدية أملها بأن تبصر الحكومة النور في القريب العاجل، في الوقت الذي شدد سلام على «ضرورة الضغط على إسرائيل لإلزامها بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة بالتاريخ المحدد في 18 الجاري من دون تأخير».
أما بري فشدد أمام الموفدة الأميركية على «وجوب أن تلزم إدارتها، كضامنة لاتفاق وقف النار، إسرائيل بتطبيقه كاملاً، كما بنود القرار الأممي 1701 وفي مقدمها الانسحاب من كامل التراب الوطني اللبناني»، مؤكداً أن «إسرائيل هي شر مطلق واستمرار احتلالها للأراضي اللبنانية يستوجب مقاومته»، ومشيداً بدور الجيش اللبناني وحرفيته بانتشاره وفقاً لما نص عليه الاتفاق.
سيدات الحكومة... 5 من 24
ضمّت الحكومة الجديدة 5 سيدات، أي ما يقارب ربع أعضائها، علماً أن أكبر حضور لـ «تاء التأنيث» وزارياً كان في 2020 مع حكومة الرئيس حسان دياب التي شاركت فيها 6 وزيرات.
والوزيرات هن:
1 - تمارا الزين: وزيرة البيئة، وهي الأمينة العامّة للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان. وسبق أن حازت على جائزة لوريال - اليونسكو من أجل المرأة في العلم، ضمن إقليم المشرق العربي ومصر في عام 2016، كما فازت بالجائزة العالمية للمواهب الواعدة من البرنامج ذاته، في عام 2017.
2 - نورا بيرقداريان وزيرة الشباب والرياضة: وهي أستاذة العلاقات الدولية ورئيسة قسم العلاقات الدولية في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومحاضرة أولى في العلاقات الدولية في قسم العلوم السياسية والإدارة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت.
3 - ريما كرامي: وزيرة التربية وهي أستاذة مشاركة في الإدارة التربويّة والسياسات والقيادة في قسم التربية في الجامعة الأميركيّة في بيروت.
4 - حنين السيد: وزيرة الشؤون الاجتماعية وهي خبيرة أولى في مجال التنمية البشرية والحماية الاجتماعية في مكتب البنك الدولي في بيروت - إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
5 - لورا لحود: وزيرة السياحة وهي رئيس لجنة مهرجان البستان الدولي للموسيقى الكلاسيكية، وابنة السيدة ميرنا البستاني أول سيدة دخلت البرلمان في تاريخ لبنان.
الحكومة بالأسماء
• رئيس الحكومة نواف سلام
• نائب رئيس الحكومة طارق متري
• وزير الخارجية يوسف رجي
• وزير الدفاع ميشال منسى
• وزير الداخلية أحمد الحجار
• وزير المال ياسين جابر
• وزير الثقافة غسان سلامة
• وزير الصحة ركان ناصر الدين
• وزير العمل محمد حيدر
• وزير الطاقة جو الصدي
• وزير الاتصالات شارل الحاج
• وزيرة السياحة لورا لحود
• وزير الإعلام بول مرقص
• وزير الصناعة جو عيسى الخوري
• وزير الزراعة نزار هاني
• وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد
• وزيرة البيئة تمارا الزين
• وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكي
• وزيرة الشباب والرياضة نورا بيرقداريان
• وزيرة التربية ريما كرامي
• وزير العدل عادل أمين نصار
• وزير المهجرين وزير الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي كمال شحادة
• وزير الاقتصاد والتجارة عامر بساط
• وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني
سلام في أول الكلام
في أول الكلام بعد ولادة الحكومة الأولى التي يترأسها، تمنى القاضي نواف سلام «أن تكون هذه حكومة الإصلاح والإنقاذ»، مؤكداً «إن الإصلاح هو الطريق الوحيد للإنقاذ الحقيقي»، ومشيراً إلى «أن ذلك يتطلب من الحكومة تأمين الأمن والاستقرار في لبنان، عبر استكمال تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف النار، ومتابعة انسحاب إسرائيل حتى آخر شبر من الأرض اللبنانية وذلك بالتلازم مع إعادة الإعمار.»
وإذ تعهد بأن «هذه التشكيلة ستكون فريقاً يعمل بتجانس بين كل أعضائه»، وأنها «ستسعى إلى إعادة الثقة بين المواطنين والدولة، وبين لبنان ومحيطه العربي، وبين لبنان والمجتمع الدولي»، قال: «أضع نصب عيني قيام دولة القانون والمؤسسات، لذلك فإنني عازم على إرساء الأسس الضرورية للإصلاح والإنقاذ. وأملي كبير بالتعاون الكامل مع فخامة الرئيس، وتأسيساً على المبادئ التي أرساها في خطاب القسم، أن نطلق معاً ورشة بناء لبنان الجديد. لا مجال لإضاعة الوقت، فلنباشر فوراً».
0 تعليق