«التمييز»: برضاء المريض... يحق للطبيب إفشاء سره

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

برئاسة المستشار فؤاد الزويد، أكدت محكمة التمييز المدنية أن إفشاء الطبيب سر المريض - الذي علِمه بحكم مهنته - يرتب مسؤوليته قِبل هذا المريض، ويستطيع الأخير أن يرجع عليه بالتعويض وفقاً لقواعد المسؤولية التقصيرية، مشيرة إلى أنه «برضاء المريض يحق للطبيب إفشاء سره».
وأرست المحكمة عدة قواعد مهمة، منها أن مفهوم إفشاء الطبيب سر المهنة هو كشف السر وإطلاع الغير عليه، ويتحقق هذا الإفشاء إذا أعلن السر بأي وسيلة، ولا يتطلب القانون ذكر اسم صاحب السر، وإنما يكتفي بكشف بعض معالم شخصيته.
وكانت محكمة الاستئناف قضت بثبوت خطأ طبيب في إفشاء سر المريض بأن قام بتصويره قبل عملية تكميم معدة لإنقاص وزنه وبعدها، لبيان فارق الوزن والحجم، وقام بنشرها في المجلة الدورية للمستشفى.

في حكم قضائي بارز من محكمة التمييز المدنية، أكدت المحكمة، برئاسة المستشار فؤاد الزويد، أن إفشاء الطبيب سر المريض الذي علمه بحكم مهنته يرتب مسؤوليته قبل المريض، ويستطيع الأخير أن يرجع عليه بالتعويض وفقاً لقواعد المسؤولية التقصيرية.

وقالت المحكمة، في حكمها الذي أرسى عدة قواعد مهمة، إن مفهوم إفشاء الطبيب سر المهنة هو كشف السر وإطلاع الغير عليه، ويتحقق الإفشاء إذا أعلن السر بأي وسيلة، ولا يتطلب القانون ذكر اسم صاحب السر، وإنما يكتفي بكشف بعض معالم شخصيته، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن «برضاء المريض يحق للطبيب إفشاء سره».

وكانت محكمة الاستئناف قضت بثبوت خطأ الطبيب في إفشاء سر المريض بأن قام بتصويره قبل عملية تكميم معدة لإنقاص وزنه، وبعدها لبيان فارق الوزن والحجم، وقام بنشرها على المجلة الدورية للمستشفى.

وأضافت «التمييز»: «لما كان الخطأ الطبي الذي ينجم عن عدم قيام الطبيب بالتزاماته الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، والذي يحوي في طياته طبيعة تلك الالتزامات للطبيب التي منشأها ذلك الواجب القانوني بعدم الإضرار بالغير، بل المرجع فيها الى القواعد المهنية التي تحددها وتبين مداها، وقد استقر القضاء على مسؤولية الطبيب عن خطئه مهما كان نوعه، سواء خطأ فنياً أو مادياً جسيماً أو يسيراً، ولا يتمتع طبيب بأي استثناء، ويجب على القاضي أن يتثبت من وجود هذا الخطأ، وأن يكون هذا الخطأ ثابتاً ثبوتاً كافياً لديه، وأن يكون واضحاً بصورة قاطعة لا احتمالية، وأن يكون محققاً ومتميزاً، ولما كان الأصل في السر الطبي عاماً ومطلقاً وتجريم إفشائه شرع من أجل المحافظة على مصلحة المريض في كتمان سره، ومن ثم لا يجوز الخروج على هذا الأصل».

مفهوم إفشاء السر

ولفتت المحكمة إلى أن مفهوم إفشاء الطبيب سر المهنة هو كشف السر وإطلاع الغير عليه مع تحديد الشخص صاحب المصلحة في كتمانه، وأن جوهر الإفشاء هو الاقتضاء بمعلومات كافية ومحدودة للغير ويتحقق الإفشاء إذا أعلن السر بأي وسيلة، ولا يتطلب القانون ذكر اسم صاحب السر وإنما يكتفي بكشف بعض معالم شخصيته التي من خلالها يمكن تحديده، وليست هناك وسيلة معينة من شأنها أن تحقق الإفشاء، إذ يكفي أن يعلن السر بأي طريقة كانت، فسواء تم الإفشاء بطريق مباشر أو غير مباشر شفوياً أو كتابياً أو عن طريق إعطاء الغير شهادة بما يعاني منه الشخص من مرض، ومن أهم الوسائل التي تستخدم في إفشاء سر المهنة النشر في الصحف والمجلات العلمية والرسائل الخاصة والشهادة المرضية.

رضاء صاحب السر بإفشائه يعفي حامله من واجب الكتمان

وأردف: «استقر القضاء على أنه لا يجوز للطبيب أن يستند في قضائه بالسر إلى أنه أصبح معروفاً للعامة، إذ إن محيط العامة وأقوال الصحافة تكون غير مؤكدة، وان تصدق روايتها، أما إذا أقرها الطبيب المعالج وأفشى سر المريض فإنه بهذا يعد مرتكباً لواقعة إفشاء سر المهنة، وتتحقق مسؤوليته، أما اذا كان الغير يعلم علم اليقين بالواقعة، وكشف عنها طبيب، فلا يعد مرتكباً لواقعة إفشاء السر ولا تحقق مسؤوليته».

وتابعت: «ان رضاء المريض يعد سبباً لإباحة إفشاء الطبيب للسر، ورضاء صاحب السر بإفشائه يعفي حامله من واجب الكتمان، فصاحب السر له أن يفشيه، ومن ثم يجوز له أن يطلب ممن استودعه هذا السر أن يقضي به نيابة عنه إلى الغير، بشرط ألا يضر بسمعة أو شرف صاحب السر، ويشترط في الرضا أن يكون رضاء صحيحاً وصادراً عن بينة، والتي يكون صريحاً أو ضمناً، وأن يكون هذا الرضا قائماً وقت الإفشاء ولا يترتب حتماً على إذن صاحب السر إفشاء التزام الطبيب به، وإنما الأمر في النهاية يعود الى تقديره وأن يوازن بين مبررات الإفشاء والكتمان وفقاً للاعتبارات السابقة دون أن يترتب على اختياره أحد الطريقين دون الأخذ أي مسؤولية».

قواعد المسؤولية التقصيرية

واستطردت المحكمة: «إذا أفشى الطبيب سر المريض الذي علمه بحكم مهنته فإنه يكون مسؤولاً قبل المريض، ويستطيع أن يرجع عليه بالتعويض طبقاً لقواعد المسؤولية التقصيرية، سواء أكان يعالجه بأجر أو بمستشفى حكومي بالمجان، ذلك أن خطأ الطبيب هذا إنما يقوم على إخلاله بواجب قانوني، فيعد خطأ تقصيرياً في جميع الأحوال».

وأوضحت: «يستطيع الطبيب أن يتخلص من المسؤولية بأن يثبت أن إفشاء السر كان له ما يبرره، غير أن المريض يستطيع أن يواجه دفاع الطبيب بأن يثبت أن المبرر لم يكن موجوداً وقت إفشاء السر والأضرار التي تصيب المريض من جراء هذا الخطأ الطبي قد تكون مادية وأدبية، ويتمثل الضرر الأدبي في مجرد المساس بسلاسة جسم المريض أو إصابته بعجز نتيجة خطأ الطبيب وفي حالة الآلام الجسمانية والنفسية التي يمكن التي يتعرض لها».

وأضافت: «لا يكفي مجرد وقوع الضرر للمريض وثبوت خطأ الطبيب أو المستشفى، بل يلزم وجود علاقة مباشرة بين الخطأ أن يحدث عادة الضرر فإن القرينة على توافر علاقة السببية بينهما تقوم لصالح المضرور، وللمسؤول نفي هذه القرينة بإثبات أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه، وخطأ المريض ينفي رابطة السببية إذا كان هو وحده السبب في إحداث الضرر، أما اذا كان قد ساهم مع خطأ الطبيب في وقوع الضرر فإن ذلك يؤدي الى انتقاص التعويض المحكوم به على الطبيب يقدر بنسبة خطأ المريض».

استخلاص سائغ

وقالت «التمييز»: «لما كان من المستقر قضاء أن استخلاص الخطأ الموجب للمسؤولية مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدي إلى وقائع الدعوى إلا أن تكييف الفعل المؤسس على طلب التعويض بأنه خطأ نفى هذا الوصف عنه من المسائل التي تخضع قضاء محكمة الموضوع لرقابة محكمة التمييز، وأن رقابة المحكمة الأخيرة تمتد إلى تقدير الوقائع فيما يستلزمه التحقيق من جهة استخلاصها الخطأ من تلك الوقائع والظروف التي كان لها أثر في تقدير الخطأ واستخلاصه».

وذكرت: «لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد ابتنى حكمه بثبوت خطأ الطبيب التابع للطاعن بصفته في إفشاء سر المريض المطعون ضده بأن قام بتصويره قبل عملية تكميم معدة لإنقاص وزنه وبعدها لبيان فارق الوزن والحجم، وقام بنشرها في المجلة الدورية التابعة له دون موافقة المطعون ضده على نشرها، ومن ثم يعتبر تعدياً على خصوصيته ومساساً بالحرية الشخصية بإفشاء سر حالته الصحية، والذي ترتب عليه ضرر أدبي، في حين أن الثابت بالأوراق ومن الصور الفوتوغرافية محل التداعي أن وضع المطعون ضده ومظهره في الصور المذكورة من حيث الاستعداد والتهيؤ للتصوير تم عن علمه واستعداده لنشر هذه الصور وموافقته الضمنية على ذلك، فضلاً عن أن الطبيب المعالج لم يقصد من النشر الإساءة إلى المطعون ضده أو المساس بشرفه أو الإشهار به، وإنما تقديم رسالة للمجتمع بمضار السمنة ونجاحه في معالجتها، ولم يكشف سر مرض خطير للمطعون ضده يتجنب الأخير كشفه للغير، الأمر الذي ينتفي معه الخطأ من جانبه».

مادام الطبيب لم يقصد من النشر الإساءة فلا خطأ من جانبه

وأضافت: «ان الطاعن بصفته قد أبدى دفاعاً تمسك به أمام محكمة الموضوع بانتفاء الخطأ الطبي، وبأخذ موافقة المريض المطعون ضده، وهو ما يتناقض مع قول المطعون ضده على انتفاء موافقته على النشر، وكان هذا الدفاع جوهرياً من شأنه لو صح أن يتغير وجه الرأي في الدعوى - فإنه كان على الحكم المطعون فيه مواجهته على ضوء تلك الوقائع والرد عليه بأسباب خاصة تفنده، ان رأى عدم الأخذ بها، أما وقد قعد عن تمحيصه والتفتت عنه رغم تمسكه بهذا الدفاع بما احتواه من القول بما يعيبه ويوجب تمييزه»، مبينة أنه في موضوع الاستئناف فإنه صالح للفصل فيه، وإذ انتهى الحكم المستأنف الى رفض الدعوى بما يتعين معه تأييده للأسباب التي بني عليها، وما أوردته هذه المحكمة من أسباب.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق