د. محمد أمزيان: واجب دول الجنوب والعَالَم الإسلاميّ التواصل مع «أحرار الإنسانيَّة»
د. عبدالقادر جدي: البعد الأخلاقي في الإسلام حاضر دائما في العلاقات الدولية
د. عمر الخطيب: الإسلام قدم حلولًا حضارية لكثير من الأزمات المتسببة في معاناة الأمم
د. علاء هيلات: خاتم الأديان طرح رؤية متوازنة تتمحور حول علاقة الإنسان بالعالم
ضمن موسم الندوات الرابع، نظمت وزارة الثقافة، أمس ندوة «القيم الإنسانيَّة وتحدّيَّات العلاقات الحضاريَّة المُعاصِرة»، وذلك بالشراكة مع جامعة قطر، حيث شهدت الندوة حضورا كبيرا من المثقفين والأكاديميين والطلاب.
وشارك في الندوة كل من الدكتور محمد أمزيان رئيس وحدة البحوث والدراسات الإسلامية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، ود. عبد القادر جدي أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة في جامعة قطر، و د. عمر الخطيب أستاذ العقيدة الإسلامية في كلية الشريعة بجامعة قطر، ود. علاء هيلات عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة قطر.
وأدار الندوة السيد ناصر المالكي رئيس قسم العلاقات العامة في إدارة العلاقات العام والاتصال في وزارة الثقافة مؤكدا على أهمية الندوة في تقديم أطروحات علمية تحدد التحدّيَّات التي تواجه العلاقات الحضاريَّة في عالمنا المُعاصِر، مع التركيز على دور القيم الإنسانيَّة في تعزيز التفاهم والتعايُش بين الشعوب.
وقال الدكتور محمد أمزيان في مداخلة بعنوان «الحوار بين عالَم الشمال وعالَم الجنوب: تحدّيَّات وفُرص بناء التفاهم الحضاريّ» إن الحوار بين عالم الشمال وعالم الجنوب، وبشكلٍ أخص بين العَالَمين الغربيّ والإسلاميّ، يطرح سؤالًا جوهريًّا يتعلَّق بفهم طبيعة الغرب وتوجُّهاته السياسيَّة والأيديولوجيَّة، ومدى تأثيرها على مواقفه من الآخر الحضاريّ.
وأوضح أن الغرب ليس وحدة متجانسة، كما أنه ليس فقط جغرافيا سياسية، بل أصبح مفهوما أيديولوجيا أكثر منه جغرافيا، مشيرا إلى أن هناك الغرب المركزي وهو الذي يتحكم في تحديد علاقة الغرب بالآخر سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وإعلاميا، والغرب الهامشي الذي يؤمن بالتفاعل على أساس القيم الإنسانية المشتركة.
وأضاف د. أمزيان أن النُّخب الفكريَّة في دول الجنوب بما فيها العَالَم الإسلاميّ يتعين عليها أنْ تستثمر في بناء جسور التواصل مع أحرار الإنسانيَّة في بناء استراتيجيتها الحواريَّة، خاصة عندما يتعلَّق الأمر بالبرامج الأكاديميَّة المُتقدِّمة، والمُؤسسات المعنية بقضايا حوار الأديان، والحوار مع الآخر الحضاريّ، والتعاون في مجال البحث العلميّ، منوها بأن هناك تغيرا حدث بالفعل بعد أحداث غزة وأن استطلاعات الرأي تظهر تعاطف الشباب ممن دون 35 سنة بنسب كبيرة اليوم مع القضايا الإنسانية لكن الأمر مختلف عن الجانب المسيطر على الإعلام والسلطة.
هشاشة الجانب الأخلاقي
من جانبه قال الدكتور عبدالقادر جدي في مداخلة بعوان «البُعد الأخلاقيّ للعلاقات الدوليَّة في المنظور الفقهي» إنه يحاول من خلال مشاركته أن يعالج هشاشة الجانب الأخلاقيّ في العلاقات الدوليَّة المُعاصِرة، ويأمل أنْ يضع اليد على أهم أسباب هذه الهشاشة، وأنْ يبرز المنظور الفقهيّ الإسلاميّ في إمداد العلاقات الحضاريَّة المُعاصِرة بمرهم القيم الأخلاقيَّة مبينًا ضرورتها ومنهجها ودورها.
وتحدث د. جدي عن مدى حضور الأخلاق في تصوُّر العلاقات الدوليَّة المُعاصِرة، والمفهوم الغربيّ للدولة وإشكالية القيم الأخلاقيَّة، والمنظور الفقهيّ والمقاصديّ المُؤسِّس لنظرة الإسلام لمنظومة العلاقات الدوليَّة القائمة على السلم والعدل والوفاء بالعهود الدوليَّة، ومراعاة الاختلاف.
وفي مداخلة للدكتور عمر الخطيب التي جاءت بعنوان «أثر الإسلام في بناء القيم الإنسانيَّة لمُواجهة التحدّيَّات الحضاريَّة الشاملة» تطرق إلى تأسيس الإسلام للقيم الإنسانيَّة من البُعد القوميّ إلى البُعد الحضاريّ، والتنمية القيمية الإنسانيَّة في الإسلام وأثرها في مواكبة التحدّيَّات الحضاريَّة، ودور المُسلمين في مواجهة التحدّيَّات الحضاريَّة المُعاصِرة من خلال القيم الإنسانيَّة الإسلاميَّة.
البرهنة والاستدلال
واستعرض الدكتور عمر الخطيب التأسيس التوحيدي للقيم الإنسانية، مبرزًا التوحيد كمصدر للوحدة الإنسانية، إذ يؤكد الإسلام على وحدة الخلق تحت رب واحد، دون تمييز على أساس العرق أو اللون أو اللغة، مما يعزز قيم العدالة الاجتماعية ويرسخ مبدأ التفاضل بالتقوى والعمل الصالح فقط، كما جاء في قوله تعالى: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».
وأوضح أن التوحيد في العقيدة الإسلامية تأسس على البرهنة والاستدلال، وذلك من خلال تفنيد التصورات الوثنية التي تقوم على التعددية الإلهية، والتي أدت إلى تصورات خاطئة عن الطبيعة، بينما جاء التوحيد بتحرير العقل، داعيًا الإنسان إلى التأمل في انتظام الكون ومعقوليته، باعتباره مظهرًا من مظاهر الإبداع الإلهي، مما يعكس انسجامًا داخليًا يحكمه خالق حكيم.
وتناول تنمية القيم الإنسانية في الإسلام وأثرها في مواكبة التحديات الحضارية، موضحًا أن المسلمين الأوائل تشربوا هذه القيم القائمة على أسس عقدية وأخلاقية، وانعكس ذلك في سلوكهم وتعاملاتهم، حيث ترسخت قيم المساواة والعدالة في المجتمع الإسلامي.
وأكد الخطيب أن القيم في المفهوم الإسلامي لم تكن مجرد مبادئ نظرية، بل كانت معيارًا حاكمًا يضبط تعامل المسلمين فيما بينهم ومع الآخرين، مما جعل النموذج الإسلامي جذابًا ومؤثرًا في المجتمعات الأخرى.
وقال لقد قدم الإسلام حلولًا حضارية لكثير من الأزمات التي عانت منها الأمم، حيث حرر الإنسان بالتوحيد من عبودية غير الله، وعالج الظلم الاجتماعي والاقتصادي بالعدل، وضَمِن الحقوق لأصحابها، وساهم بالعلم والتعليم في الارتقاء بالحضارة الإنسانية، مؤكدا في النهاية أن الإسلام نظام شامل يسهم في تحقيق الخير والعدالة على مستوى الأفراد والمجتمعات.
التحديات الحضارية
من جانبه قدم الدكتور علاء هيلات في مداخلة بعنوان «القيم الإنسانيَّة في الأديان وأثرها في مواجهة التحدّيَّات الحضاريَّة المُعاصِرة» مقارنة بين وضع الانسان في مختلف الأديان فالإنسان كائن عدمي في ديانات مثل البوذية، في حين ان الانسان كائن وجودي متميز في أصل وجوده في اليهودية والمسيحية، مشيرا إلى أن الدين الإسلامي يرى أن الانسان كائن وجودي متساوٍ في أصل وجوده.
وتطرق إلى شرح للأديان الكتابيَّة وسؤال التأسيس القيميّ الإنسانيّ في بُعده الحضاريّ، وصولا إلى الأديان الشرقيَّة وقيمها الإنسانيَّة في بُعديها القوميّ والحضاريّ، وإشكاليات أثر الأديان في مواجهة التحدّيَّات الحضاريَّة من خلال البناء القيميّ، ورؤية المتدينين للشهود الحضاري وطبيعة القيم التي أسستها الأديان.
وأكد أن الإسلام قدم رؤية متوازنة في علاقة الانسان بالعالم، مشيرا إلى أن هذه الإشكالات التي تختلف من دين إلى آخر أدت الى نتائج ورؤى متغايرة، تخلص إلى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي قدم علاقة متوازنة في علاقة الانسان بالكون.
وتحدث عن أثر الأديان وبنائها القيمي في مواجهة التحديات الحضارية المعاصرة من خلال الحديث عن مكانة الانسان والمحافظة على الفطرة الإنسانية، لافتا إلى أن أهم التحديات الحضارية تتمثل في محو أثر الدين في البناء الحضاري والالحاد الجديد.
ورشة تدريبية
جدير بالذكر أن وزارة الثقافة ستقيم يوم الأحد المقبل ورشة تدريبية بعنوان «كيف تسرد قصتنا للآخر»، يحاضر فيها الأستاذ أسعد طه، وهو صحفي وكاتب وصانع أفلام وثائقية، وتهدف الورشة التدريبية إلى تزويد الإعلاميّين ومنتجي المُحتوى بالمهارات اللازمة لصناعة محتوى إبداعي، إضافة إلى تقديم نصائح عمليَّة حول كيفية تطوير الأفكار، والسرد القصصيّ، وكتابة محتوى يجذب الجمهور بأسلوبٍ احترافيّ. وستقام الورشة التدريبية يوم الأحد 23 فبراير في مبنى شؤون الطلاب بجامعة قطر كما يقام في اليوم ذاته محاضرة للداعية المعروف الدكتور عثمان الخميس بعنوان “الإسلام نمط حياة وثقافة متكاملة”، في قاعة لوسيل بفندق الريتز كارلتون.
ويتواصل موسم الندوات هذا العام حتى 25 فبراير الجاري، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للدراسات، وبمشاركة نخبة من الخبراء والمثقفين والمفكرين والأكاديميين من داخل دولة قطر وخارجها، ويأتي ضمن جهودها المتواصلة ونهجها الراسخ في تأسيس منصة للحوار الثقافي والفكري الجاد والمعمق حول أبرز القضايا الثقافية والمجتمعية.
0 تعليق