استمرّوا... كرجال دولة

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

سمو الشيخ أحمد العبد الله المُحترم رئيس مجلس الوزراء. في 15 أبريل 2024، وبعدما شرّفكم صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد بهذا المنصب، كتبتُ افتتاحية فيها رسائل مُباشرة لكم عمّا يجول في خاطر الكويتيّين من آمال معقودة على هذه الحكومة وأنّ رقابة السلطة الرابعة معكم للتنبيه إن وُجد خطأ وللإشادة والدّعم إن سارت القرارات الصحيحة في مساراتها الصحيحة.

نقلتُ لك يومها أنّك إنّما تدخل في ما يشبه حقل ألغام وليس حديقة غنّاء يُحاط المرء فيها بالزهور والعصافير. وأنّ الكويتيّين سيكونون معك فقط من خلال أدائك، وأن جزءاً أساسياً من مُهمّتك هو وقف مسار الإحباط واليأس وإعادة بثّ نوع من التفاؤل عبر طرح برامج تنمويّة وطنيّة بامتياز مع آلية إدارية جديدة قائمة على العمل المؤسساتي المُستمرّ حتى لو تغيّر الأشخاص.

9 فبراير 2025

9 يناير 2025

هذه كانت – حرفيّاً - رسالة الناس إليكم، واليوم، وبعد أقلّ من سنة على تسلّمكم المنصب وعمل الحكومة، نُؤكّد أنّ الرسالة وصلت بل وتجاوزت موضوع الأمل المعقود إلى قرارات تنفيذية مُهمّة وضعتموها في مسار أهم ما فيه على الإطلاق أنه مسار تأسيسي مُرتكز على الاستمرارية سيسير به ومعه مُستقبلاً أيّ وزير أو رئيس وزراء بحيث يُكمل ما بدأتموه ولا يعود إلى التخبّط وتجميد العمل بفعل ظروف كانت خارجة عن إرادة الحكومة.

من يُراقب عمل الحكومة اليوم ورغم بعض الظروف والصعاب، يلحظ أنها قرنت الإرادة بالإدارة. فلا يكفي أن تكون لدينا إرادة للإصلاح والتغيير والتنمية والتطوّر الاقتصادي والاجتماعي بمُختلف قطاعاته بل الأهم أن يقترن ذلك بإدارة حيوية مُتطوّرة لهذه الإرادة، وبدأ الكويتيّون يلمسون نتائج هذا الاقتران بشكل تدريجي وثابت.

للمرة الأولى في تاريخ الكويت، يحار المُتابع في العدّ والمُتابعة. مراسيم وقوانين وقرارات تطويريّة تنظيميّة. ورشة عمل لا تهدأ. مصلحة الكويتيّين حاضراً ومُستقبلاً هي الأساس الذي ترتفع معه رويداً رويداً صورة بناء أردناه دائماً جميلاً وقوياً. من مرسوم قانون التكاليف والرسوم المالية مُقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة، إلى وضع أملاك الدولة تحت جهة واحدة، إلى جملة قوانين اقتصادية ومالية تضع القطاع الخاص في صُلب المُشاركة في عملية التنمية، إلى قانون الضبط والإحضار لإنصاف الآلاف، وتعديل قانون هيئة مُكافحة الفساد، والتوجّه لإلغاء حكم تخفيف العقوبة في جرائم الشرف، وقانون الدّية الشرعية، إلى تشريع أبواب استيعاب الخرّيجين في سوق العمل إذ تتسابق أرقام التوظيف مع إقرار كلّ مشروع.

ويكفي القول إن رصداً تمّ في أسبوع واحد من هذا الشهر حصل فيه (عدا عن القرارات الوزارية) توقيع عقد استكمال العمل في ميناء مُبارك الكبير بين الكويت والصين، والمُوافقة على الشراكة الإستراتيجية مع شركة مايكروسوفت، وتحضير اتفاقيات بين الكويت واليابان لتطوير شبكتي الماء والكهرباء، وتوالي الاجتماعات الإيجابيّة مع العراق لاستكمال ترسيم الحدود البحرية، وتوقيع أربع اتفاقيات بين الكويت وأوزبكستان لتبادل الأيدي العاملة وخدمات النقل الجوي وتطوير المدن الذكية والتعاون في القطاع الصناعي. وقبل الأيام السبعة هذه وخلالها إقرار تطوير المنتزهات والنوادي والشواطئ والجزيرة الخضراء وعشرات المرافق غيرها.

إذا انغمسنا في عملية الرصد فالمجال لا يتّسع إذا تعلّق الأمر بأداء وزارات الحكومة كلّها، إنما اخترنا الحديث عن أبرز ما جرى في فترة زمنية مُحدّدة لنخلص إلى أن ما يجري هو تلازم فعلي بين التنمية ومُكافحة الفساد. خطّان مُتوازيان التقيا في الكويت بدعم وتوجيه مُباشر من صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الذي يعود له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في إعادة الاعتبار إلى المؤسسات، والأهم، وضع الركائز الرئيسية لعمل السلطة التنفيذيّة في اتجاه فرض الاستقرار وترسيخ قاعدة أن الحكم استمرار... ومذهب صاحب السمو في ذلك الآية الكريمة: «فَأمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأمَّا َما يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرض».

ما من قرار إلا وله أثمان، والقرار الناجح هو ما كانت إيجابياّته أكبر من سلبيّاته. وعندما قلتُ قبل أقلّ من عام لرئيس الحكومة أنه يدخل في ما يشبه حقل ألغام فلأنّ العادة جرت بأن تتجمّد الحياة السياسيّة بِرمّتها وتتعطّل التنمية من أجل مُزايدات انتخابية تدفع في اتجاه قرارات شعبوية تُكرّس مبدأ المُجتمع الاستهلاكي الذي تتولّى الدولة رعاية مشاكله بما فيها حتى الدّين الشخصي. اليوم، الحكومة تأخذ القرار الذي ترى أنه الأصحّ والأصلح ولو كانت له تأثيرات غير شعبيّة إنما منطقيّة وعلميّة، فلا ولادة جديدة من غير آلام ولا بأس من تحمّل تبعات في وضع راهن من أجل مُستقبل أفضل.

نُسب لمؤرّخ بريطاني اعتباره أن السياسي يعمل من أجل الانتخابات وأن رجل الدولة يعمل من أجل الأجيال القادمة. وينقل عن الرئيس الفرنسي الراحل رينيه كوتي أن «رجل الدولة يريد أن يعمل شيئاً من أجل بلاده. والرجل السياسي يريد من بلاده أن تفعل شيئاً من أجله!».

الكويتيّون يريدون من الحكومة مُجتمعة أن تستمرّ في مسار «رجل الدولة» الذي يُعبّد للبلاد والعباد طريق الغدِ المنشود.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق