كلوروفيل
في وقتنا الحالي، أصبح موضوع الاستدامة من أبرز القضايا التي تشغل العالم بأسره، حيث يواجه كوكبنا تحديات بيئية، واقتصادية واجتماعية تهدد مستقبله. من هنا، ظهرت الحاجة إلى تعزيز مفهوم الاستدامة الذي يشمل الحفاظ على البيئة، والموارد الطبيعية، وضمان حقوق الأجيال القادمة.
وإذا نظرنا في تاريخنا الإسلامي، نجد أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قد أرسى مبادئ وقيماً تعزز الاستدامة في جوانبها المختلفة. ففي الحديث الشريف "لا ضرر ولا ضرار"، يترجم مبدأ أساسيا في الإسلام يهدف إلى الحفاظ على التوازن والعدالة، في جميع جوانب الحياة، وهي من المبادئ العميقة التي تبناها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في حياته، والتي تعتبر أساساً في الفقه الإسلامي، وتستند إلى أن الضرر لا يجوز أن يُلحق بأي مخلوق، سواء كان فرداً، أو بيئة أو مجتمعاً.
هذا الحديث دعوة الى عدم إلحاق الأذى بالآخرين، أو استغلال الموارد بطريقة تؤدي إلى تدمير البيئة، أو الإضرار بها.
وهي قاعدة فقهية لا يجوز بها شرعاً أن يضر الانسان نفسه وغيره، ولا بد من الحفاظ على الموارد، وعدم استنزافها فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "لا تسرف ولو كنت على نهر جار"، أصبح الاسراف في الوضوء يحول من عبادة الى وزر، وهذا ينطبق على كل جوانب الحياة من طعام، وماء، وكهرباء، وحتى في الوقت.
في سياق الاستدامة، يمكننا أن نرى في هذه الأحاديث الشريفة توجيهاً مهماً يوازن بين احتياجات الإنسان الحالية والمستقبلية وحقوق البيئة.
ولنا بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): "إنّ الله كتب الإحسان على كل شيء"، رسالة قيمة تشير إلى أهمية الإحسان في التعامل مع كل شيء على وجه الأرض.
نحن بحاجة الى توعية المجتمع بأهمية الاستدامة أكثر من ذي قبل، وعلى الدولة والمؤسسات مسؤولية كبيرة، وذلك بسن القوانين الصارمة والتشريعات، وتبني سلوكيات صديقة للبيئة مثل تقليل استخدام البلاستيك، ترشيد استهلاك المياه والطاقة، وزراعة الأشجار، وتكثيف الأنشطة البيئية، مثل حملات التنظيف، أو التشجير، واشراك أفراد المجتمع.
الاستدامة ليست مجرد مسألة بيئية، بل هي جزء من منظومة متكاملة من القيم، الإنسانية والإسلامية، التي تضمن العدالة الاجتماعية والاقتصادية، فهي نمط حياة لا بد أن نتبعه، وذلك لرفعة أنفسنا ووطننا. مستقبلنا يعتمد على كيفية تعاملنا مع البيئة اليوم. نحن، كأفراد ومجتمعات، نملك القدرة على إحداث تغيير حقيقي من خلال تبني مبدأ "لا ضرر ولا ضرار". وان الشباب هم القوة التي يمكنها أن تخلق هذا التحول، لأنهم الأمل في غدٍ أفضل. فلتكن حياتنا مليئة بالقرارات الواعية التي تحترم الطبيعة وتضمن للأجيال القادمة بيئة آمنة وصحية.
ولنتذكر دائماً أن الاستدامة ليست مجرد خيار، بل هي واجب إسلامي وإنساني، وهي طريقة حياة و"لايف ستايل". فكل خطوة صغيرة تخطوها اليوم ستؤثر بشكل إيجابي على غدٍ أفضل.
يجب أن نتحلى بشعور المسؤولية ونتخذ خطوات فاعلة للمساهمة في الحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة... والى مستقبل أخضر مثمر، ان شاء الله.
دكتوراه في علم النبات، كاتبة كويتية
0 تعليق