ومع تزايد اقتصاديات الأسواق في رواج تجاري تنشط حركة البيع والشراء خاصة بالنسبة للعديد من المواد الاستهلاكية وغيرها مع قدوم الشهر الكريم في كل عام.. وتبدو طلائع مؤشرات أو مبشرات الرواج قبل بداية الشهر بعدة أسابيع بل ربما أشهر، حين تستعد المتاجر الكبرى والأسواق التجارية في التمهيد للإعلان عن عروضها المميزة وتخفيضاتها مع الاحتفاظ دوما بالذروة بكل تأكيد في العد التنازلي للأيام الأخيرة قبل بداية الشهر. وتشهد الأسواق والمتاجر الازدحام الشديد لكل من لم يسعفه الحظ بتدبير أموره ومقاضيه مبكرا، ونسبة هذه الفئة - للأسف الأشد - في العالم العربي والإسلامي كبيرة لسوء أو ضعف التخطيط المبكر لموسم يتكرر في التوقيت نفسه من كل عام.
ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة أن بداية إرهاصات الموسم الرمضاني التجاري تبدأ من أوائل شهر رجب على أقل تقدير أو مع أوائل شهر شعبان على أقصى تقدير أي قبل الشهر الفضيل بشهرين تقريبا.. ومع تزايد الحركة التجارية في الأسواق ينعكس الوضع بكل تأكيد إيجابيا على مجالي الإعلام والإعلان على حد سواء، وتشهد وسائل الإعلام زخما إعلاميا كبيرا يتمثل في زيادة مضطردة في معدلات المشاهدة ومتابعة وسيلتين أساسيتين على التوالي، وهما أولا التلفزيون داخل المنازل والبيوت، وثانيا اللوحات الإعلانية للطرق خارج المنزل على وجه التحديد، وربما بشكل أقل في بقية الوسائل الإعلامية والإعلانية الأخرى، ويعتمد هذا الرواج في المتابعة المستمرة والمشاهدة العالية في التعامل مع كلتا الوسيلتين تأسيسا على مبدأ «أعطني جمهورا أعطيك معلنين عن منتجاتهم» سواء سلع أو خدمات أو حتى أفكار.
وما تزال المشاهدة التلفزيونية هي الأبرز بالنسبة للمشهد الإعلامي تتزايد في كل رمضان عن كل شهر آخر تحديدا وبنسب تتجاوز 33% من معدلات المشاهدة العادية في كل شهر آخر.. لذا غالبا ما تحرص القنوات التلفزيونية والمنصات الرقمية على تقديم برامج مميزة لهذا الموسم قد تصل تكلفتها في أغلب منطقة الدول العربية إلى حدود 50% من الميزانية الإنتاجية السنوية المرصودة لتلك الوسائل تحديدا.. علما بأن أغلب هذه المواد الإنتاجية يعاد عرضها أو تدوير استثماراتها على مدار العام في عرض ثانٍ أو أول لقنوات ووسائل أخرى أو لجمهور آخر مستجد أو جديد.
يشهد هذا العام ولأول مرة تحديدا اكتمال الرصد الكامل وتوثيق المشاهدة التلفزيونية في المملكة العربية السعودية عن طريق أجهزة القياس العالمية Media Rating عن طريق الشركة الإعلامية للتصنيف Media Rating Company.. ويتبع الزخم الإعلامي التلفزيوني أيضا رواج إعلاني على تلك التلفزيونات أو الوسائط طبعا إذا أحسن استخدامه وإن كان - للأسف الأشد - عادة لا يحسن استخدامه اعتمادا على الكم غير المقنن مهنيا أو غير المرشد احترافيا، ويتمثل ذلك في كثافة إعلانية كبيرة بين الم واد الإعلامية المقدمة على معظم القنوات التلفزيونية، وتتحول هذا القنوات إلى بازارات إعلانية منفرة للمشاهد والمعلن على حد سواء.. علما بأن القاعدة المهنية الاحترافية المهنية تتطلب لكل 12 دقيقة مادة إعلامية تلفزيونية 3 دقائق مادة إعلانية نصفها تنويهي عن القناة وبرامجها أو إعلانات عامة، ونصفها الآخر تجاري أي حوالي 1.5 دقيقة.. ولكن في الأغلب لا تطبق القنوات التلفزيونية هذه القواعد المهنية الاحترافية في عالمنا العربي خصوصا في موسم رمضان، وتحديدا في فترات ذروة المشاهدة التلفزيونية ما بين المغرب والعشاء أو ما بعد العشاء والتراويح إلى منتصف الليل تقريبا، وقد يكون الحق في الشكوى المستمرة لدى أغلب المبدعين مما يقدموه من إنتاج إعلامي مميز علاوة على تذمر الغالبية العظمى من المشاهدين من سطوة أو غلبة المادة الإعلانية على المادة الإعلامية، بالإضافة وهذا الأهم إهدار المبالغ المرصودة سواء لمواد الإعلام والإعلان في هدر مستمر ومستباح إما بعدم المشاهدة أو المتابعة أو تخطيها تقنيا بالتنقل بين البرامج أو تتخطى الإعلانات بالكلية أو بالقيام فعليا بأعمال أخرى غير المتابعة أو المشاهدة للإعلانات، وقد انصرف الكثيرون عن متابعة المحطات التلفزيونية إما بتسجيل المادة الإعلامية ومشاهدتها فيما بعد مع خاصية تخطي المواد الإعلانية مؤخرا.. أو اللجوء إلى المنصات الرقمية التي توفر للمشاهد عبر الاشتراكات مشاهدة دون إعلانات، وذلك مقابل قيمة الاشتراك الدوري في تلك المنصات في عروض مميزة أو حتى استخدام برامج لحذف الإعلانات على أجهزة الكمبيوتر أو الجوال.
من أبرز التحولات الإعلامية في رمضان لهذا العام 2025م وبالرغم من بقاء التلفزيون كأهم وسيلة إلا أن المشاهدة التلفزيونية الرقمية من خلال المنصات الالكترونية تتجاوز ما نسبته 52% من إجمالي نسب المشاهدة للمواد الإعلامية عبر الوسائل التقليدية المعتادة للمشاهدة، وقد ساهم إلى حد كبير في هذه التحولات تطور إمكانيات التقنية، علاوة على سوء استخدام الوسائل التقليدية المعتادة وخصوصا التلفزيون، للإعلان ضمن المواد الإعلامية المذاعة.. الأمر الذي أدى بقوة إلى زيادة الإعلانات الخارجية للمنازل في منافسة شرسة ومتقاربة مع التلفزيونات في العالم العربي وتحديدا في المملكة العربية السعودية بقوة شديدة.
ربما في كل رمضان كنا نكرر تلك التحذيرات إلا أنها وبكل تأكيد قد أصبحت هذا العام واقعا محتوما بكل تأكيد في سحب البساط من الإعلام التقليدي إلى غير التقليدي الرقمي، وكذلك الإعلان التقليدي داخل المنزل إلى الإعلان غير التقليدي خارج المنزل. كل عام وأنتم وبخير، ورمضان يظل كريما في كل أوجه الخير بإذن الله تعالى.
0 تعليق