الصمت الأسري يعني انعزال أحد أفرادها عاطفياً أو نفسياً نتيجة تصورات سلبية
الضغوط الحياتية والتحديات الاقتصادية تدفع الأفراد إلى الانعزال الأسري
انتشار وسائل التواصل يدفع أفراد الأسرة إلى الانشغال المفرط بالهواتف الذكية
توجد العديد من الأمور التي تسبب الانفصال بين أفراد الأسرة الواحدة، ويقع الانفصال بصمت وهدوء ودون توقع. بعض تلك الأمور يبدو مثل فيروس ينخر ببطءٍ في جسد الأسرة حتى يدمرها، وغالبًا ما يكون وراء ذلك أسباب نفسية، واجتماعية أو عاطفية. وهذا ما يعرف غالبًا باسم الصمت الأسري، وهو ظاهرة اجتماعية تثير القلق داخل العديد من المجتمعات، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، واختفاء الحوارات والأحاديث العائلية داخل الأسرة الواحدة.
والمجتمع القطري، كغيره من المجتمعات، يتأثر بمثل تلك الظواهر، إلا أن الجهات المختصة في الدولة تسارع إلى دراسة أي ظاهرة يمكن أن تؤثر على تماسك الأسرة والمجتمع، قبل أن تنتشر بشكل يثير القلق. ويُعرَّف الصمت الأسري بأنه انعزال أحد أفراد الأسرة عاطفيًا أو نفسيًا نتيجة تصورات سلبية أو تجارب غير ناجحة في التعامل مع بقية أفراد العائلة، مما يؤدي إلى ندرة الحديث، وضعف التواصل، وبرود المشاعر. وهذا النمط من الصمت قد يسهم في تفكك الأسر وزيادة معدلات الطلاق، خاصة في السنوات الأولى من الزواج.
أسباب الصمت الأسري
للصمت الأسري العديد من الأسباب، منها انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي تدفع أفراد الأسرة إلى الانشغال المفرط بالهواتف الذكية والمنصات الرقمية، مما يؤدي إلى تقليل الوقت المخصص للتفاعل المباشر بينهم.
كذلك فإن غياب ثقافة الحوار، وعدم توفر مساحات مشتركة للنقاش والتفاعل بين أفراد الأسرة يؤديان إلى تراجع التواصل الفعّال. كما أن الضغوط الحياتية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية تدفع الأفراد إلى الانعزال والابتعاد عن التفاعل الأسري.
وأكدت العديد من الدراسات والأبحاث أن هذه الظاهرة السلبية كانت وراء ارتفاع معدلات الطلاق، حيث يؤدي انعدام التواصل إلى تفاقم المشكلات بين الزوجين، وضعف الترابط بين أفراد الأسرة، مما يؤثر سلبًا على استقرارها. وقد يعاني الأفراد، خاصة الأطفال، من مشاعر العزلة والقلق نتيجة غياب التواصل الأسري.
مواجهة الصمت
وتشير الدراسات إلى أن معالجة هذه الظواهر تتطلب تكاتف الجهود بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني لتعزيز ثقافة الحوار والتفاهم داخل الأسرة، وتقديم الدعم اللازم للأسر للحفاظ على تماسكها واستقرارها. وأجمع مختصون على أهمية تعزيز التواصل الأسري، من خلال تعزيز ثقافة الحوار، وتشجيع الأزواج على فتح قنوات التواصل ومناقشة المشكلات بشكل مفتوح وصريح.
والاستفادة من الاستشارات الأسرية، باللجوء إلى مراكز الاستشارات الأسرية للحصول على دعم متخصص في حل المشكلات الزوجية.
مع التركيز على أهمية التوعية المجتمعية، بتنظيم حملات توعوية لتعزيز الوعي بأهمية التواصل الأسري ودوره في استقرار الحياة الزوجية.
أسباب الطلاق
وتشهد دولة قطر ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الطلاق، حيث بلغت النسبة 40.2 %، وترجع هذه الزيادة إلى عدة عوامل، وفقًا للدراسات والأبحاث التي أجرتها الجهات المختصة، منها، التسرع في اختيار شريك الحياة، وعدم التروي والتفكير الجيد قبل اتخاذ قرار الزواج، مما يؤدي إلى عدم التوافق بين الزوجين. وتلعب الخلافات المادية، دورًا كبيرًا في انتشار هذه الظاهرة، وذلك بسبب المغالاة في المهور وتكاليف الزواج، مما يؤدي إلى ضغوط مالية تؤثر على استقرار الحياة الأسرية فيما بعد.
هذا بالإضافة إلى عدم التوافق النفسي والثقافي، ويؤدي اختلاف الخلفيات الثقافية والاجتماعية بين الزوجين إلى صراعات مستمرة.
كذلك التدخل المفرط من قبل العائلات في حياة الزوجين، يتسبب في توترات تؤدي إلى الانفصال في النهاية. ومنها أيضا ارتفاع سقف التوقعات غير الواقعية من الشريك، مما يؤدي إلى خيبة أمل ونزاعات متكررة.
معالجة الظاهرة
في إطار حرص مؤسسات الدولة على معالجة الظواهر السلبية في المجتمع، والعمل على معرفة أسبابها وسبل مواجهتها، نظمت جامعة حمد بن خليفة بالتعاون مع معهد الدوحة الدولي للأسرة ندوة بعنوان «الأسرة المعاصرة: الصمت الأسري وتأثيراته الاجتماعية»، حيث تمت مناقشة أسباب الصمت الأسري وتأثيراته وسبل معالجته.
وأوصى المشاركون بضرورة إدراج برامج لتعزيز التواصل الأسري ضمن المناهج الدراسية، وإنشاء مراكز دعم متخصصة لتقديم الاستشارات الأسرية، وتعزيز دور الإعلام في نشر ثقافة الحوار والتفاهم الأسري. وتُولي الدولة اهتمامًا كبيرًا بتعزيز استقرار الأسرة والحد من ظاهرة الصمت الأسري والطلاق، حيث أطلقت وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة عدة مبادرات وبرامج لدعم الأسر وتعزيز التواصل بين أفرادها. كما تعمل الوزارة على تطوير التشريعات الخاصة بحماية الأسرة، بهدف المساهمة في الحد من مشكلة الطلاق وتعزيز تماسك الأسرة القطرية.
ويشمل ذلك إعداد إستراتيجية وطنية للأسرة تتضمن مؤشرات لقياس التماسك الأسري.
ومن أبرز البرامج التي أطلقتها الوزارة برنامج «سنة أولى زواج»، الذي يُركز على تأهيل المقبلين على الزواج والأزواج الجدد، لدعم استقرار الأسر الناشئة. ويشمل البرنامج محاور إعلامية وتدريبية واستشارية، ويهدف إلى توعية المجتمع بأهمية السنوات الأولى من الزواج، وتدريب الشباب على المهارات الأسرية اللازمة، وتقديم استشارات ودعم للأزواج الجدد. ويستهدف البرنامج الأفراد المقبلين على الزواج.
كما تواصل خدمة «وتد» تقديم استشاراتها المجانية بالتعاون مع مركز الاستشارات العائلية «وفاق»، حيث توفر استشارات وعلاجًا زوجيًا وأسريًا، لمساعدة الأسر على مواجهة التحديات والخلافات بسرية وأمان.
مراجعة التشريعات والقوانين المرتبطة بالأسرة
سبق لمجلس الشورى بحث مشكلة زيادة معدلات الطلاق في المجتمع، وأرجع الأسباب إلى عدة عوامل، منها عدم تحمل أحد طرفي الزواج للمسؤولية الأسرية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وانحسار الحوار بين الزوجين، وتدخلات العائلة. وقدم المجلس عددًا من الحلول والمقترحات، مثل مراجعة التشريعات والقوانين المرتبطة بالأسرة، وإجراء تقييم نفسي للمقبلين على الزواج.
بالإضافة إلى عدم تيسير إجراءات الطلاق، وتمديد الفترة الزمنية اللازمة لإتمام تلك الإجراءات لإعطاء فرصة لمعالجة المشاكل بين الزوجين. إن دولة قطر تسعى إلى تعزيز التواصل الفعّال بين أفراد الأسرة، وتقديم الدعم اللازم للأزواج والأسر لضمان حياة زوجية مستقرة ومجتمع متماسك.
0 تعليق