في منطقتنا، وفي شارعنا، وامام منزلنا، يتجمهر عمال "برطينة" يعجز المرء فك خيوطها، خلطة اللغة العربية والهندية والبنغالية، يحفرون الارصفة والانفاق، ويرفعون البلاط القديم لتمديد انابيب جديدة بديلة عن تلك التالفة التي مضى على دفنها تحت التراب شيء من الدهر.
هؤلاء العمال قواهم الله لا يعملون لحسابهم الخاص، لكنهم عمالة على كفالة شركة مقاولات، تعاقدت مع وزارات الخدمات (الاشغال والبلدية والكهرباء والمواصلات)، وقد يبدو انها خولت الشركة متضامنة لتجدد ما يسمى البنية التحتية في منطقتنا، ومناطق اخرى.
انا هنا لن اتكلم عن "العفيسة" بكل اشكالها التي اوقعتنا بها من كل جانب "فمن يهاب صعود الجبال يعيش ابد الدهر بين الحفر"، ولاننا قبلنا بالوضع، رفضنا العيش تحت الحفر، وكان علينا ان نتسلح الصبر والالتزام بقواعد اللعبة.
من هنا نحن مجبرون القيام بضرورات الحياة، شئنا ام ابينا، فلن نبقى ابد الدهر بين الحفر. ليست هنا نهاية القصة، فالطريق يبقى مغلقاً رغم انفنا، ما دام العمال باقين هنا، فنحن ايضاً من واجبنا كمواطنين وملاك العقارات ان نتعاون، ونرضخ للوضع المأسوي والا نعرقل عملهم، لان في العرقلة، نحن سكان المنطقة، اول الخاسرين، واول المتضررين.
وما لا يعلمه القارئ الكريم أن مصيبتنا ليست بإغلاق الطرق والحفر واكوام الاتربة، انما المصيبة بالعمالة و"رطينة" العصافير، فالشركة جلبت عمالة على ما يبدو من القرى النائية من تلك البلاد، من دون اعتبار للخبرة الفنية، فكل عمل، مهما صغر او كبر يحتاج الى مفهومية وخبرة، ولو خبرات اولية.
من هنا ينبغي على المكلف التنفيذ ان يكون من ارباب الخبرة ولو اقل القيل، فكلما ارتقى العامل خبرة انجز العمل باقل مدة وبكلفة مالية اقل، اما أن يأتوا بعمالة من القرى النائية، التي لا تتمتع باقل الخدمات، فالشركة تتنكب بهم، والنكبة الاعظم علينا، هذا ما يبدو في الصورة.
وزارة الاشغال، التي تتولى الاشراف على اعمال الصيانة، كان عليها، وهذا اولى الواجبات، مراقبة اعمال الشركة، الا ان ما نلاحظه غياب المراقب المكلف من الوزارة، الامر الذي اجبرنا التدخل المباشر ومتابعة اعمالهم.
ستبقى وزارة الاشغال كما تاريخها، الطويل، وانجازاتها الكثيرة، الا ان الشكوى تبقى مستمرة، فالشوارع المكسرة لم تكن لتكون على هذه الحال المزرية لولا غياب المراقبة، والتحقق من جودة المواد المستعملة.
وزارة الاشغال للاسف جل اعمالها تكسب لشركات المقاولة، وهي شركات محتكرة لاعمال المقاولات لوزارات الخدمات الاربع، تقريباً، فهل يأتي يوم نرى فيه الوزارة تحملت مسؤوليات الاعمال، وراقبت وحاسبت الشركات العاملة بما تمليه الضمائر وشروط المقاولة؟
ان الغش ليس في تنفيذ العمل على الارض، لكنه في نوع المواد التي تتفق الوزارة مع الشركات التي تشترى ابسط الاصناف، واقلها جودة والاقل عمراً.
من هنا ففي الاخير العيب ليس في الشركات، انما في الوزارة التي تغيب عن مراقبة اعمالها.
صحافي كويتي
0 تعليق