محليات
36
❖ حوار: محمد علي المهندي
في قلب الدفنة، حيث تنبض المجالس بنبض الذاكرة والحنين، يحتفظ مجلس جمعة بن محمد البوعفرة الكواري بمكانته كمحطة دافئة تجمع الأهل والأصدقاء، لا سيما في رمضان، حين يصبح اللقاء أكثر ثراءً بالأحاديث عن الأيام الخوالي والعادات المتوارثة. رمضان في قطر ليس مجرد شهر صيام وعبادة، بل هو موسم تتجدد فيه الروابط، ويتجدد فيه الشوق إلى زمن بسيط كانت القلوب أقرب، والموائد عامرة بما تجود به الأيادي السخية.
في مجلس البوعفرة، حيث تعانق الحكايات عبق الماضي، استمعنا إلى شخصيات عاصرت رمضان بأطواره المختلفة، وتحدثوا بشغف عن تلك الأيام التي كان الاستعداد للشهر الفضيل يبدأ مبكرًا، حيث تمتلئ البيوت برائحة الهريس المطهو على نار الصبر، ويضج الفناء بصوت المضرابة التي تعجن الهريس حتى يتماسك قوامه. كان الطعام آنذاك لا يُعد بكثرة تُهدر، بل وفق الحاجة، فيتم توزيعه على الجيران والأقارب، ليعم الخير والبركة كل بيت.
ولأن رمضان ليس مجرد طعام وأطباق، بل هو مشهد اجتماعي نابض بالحياة، لم يخلُ حديث رواد المجلس من استذكار شارع الكهرباء، الذي كان ينبض بالحركة كل مساء، حيث يقبل الناس على شراء الكباب وسندويتشات الفلافل الفلسطينية، وتستعد الأسواق لاستقبال زوارها الباحثين عن مستلزمات العيد. بين زوايا هذا الحديث، كنا شهودًا على ذاكرة قطرية أصيلة، تحكي عن ماضٍ مضيء بالقيم والمبادئ، وتؤكد أن رمضان سيظل دائمًا موسمًا للخير، مهما تغيرت ملامح الزمن.
• جمعة بن محمد البوعفرة: هريس الوالدة في رمضان نكهة محفورة في الذاكرة
بدأنا اللقاء مع راعي المجلس، جمعة بن محمد بن جمعة البوعفرة الكواري، الذي استهل حديثه عن رمضان في الماضي، مؤكدًا أن هناك فرقًا شاسعًا بين رمضان زمان ورمضان اليوم. كان الاستعداد للشهر الفضيل يبدأ مبكرًا، حيث يكثر التواصل بين الأهل والأقارب، وتُعزز صلة الرحم، وهي عادة لا تزال مستمرة حتى اليوم، يتوارثها الأبناء جيلاً بعد جيل.
- هريس الوالدة.. مذاق لا يُنسى
يستعيد الكواري ذكرياته عن رمضان في صغره قائلاً: "ما في أحلى من هريس الوالدة". كنت أجلس بجانبها وهي تطبخ الهريس، وأشاهد المعاناة الكبيرة في إعداده، حيث يستغرق طبخه باللحم وقتًا طويلاً، ثم تبدأ عملية ضرب الهريس بالمضرابة، التي تتطلب مجهودًا بدنيًا كبيرًا، حيث يتناوب على ضربه أكثر من شخص حتى يصبح قوامه متماسكًا، ثم يُضاف إليه الدهن القطري ويوزع على بيوت الجيران والمعارف. كذلك، كانت والدتي ومعها بعض النساء يقمن بإعداد خبز الرقاق قبل شهر رمضان، لاستخدامه في إعداد الثريد، وهو الطبق المفضل على مائدة الإفطار. ولا أنسى اللقيمات، خاصة عندما تُغمر بالدبس الطبيعي، وكنت أشارك بحماس في توزيع "الجسام" (الأطباق) على الجيران، فرحًا بأداء هذه المهمة ومساعدة الأهل.
- بين البذل والتبذير
في الماضي، كان الطعام يُعد حسب الحاجة، ويُوزع على البيوت دون إسراف، أما اليوم، فكثيرٌ منه يُرمى في القمامة لكثرته. أتمنى أن يتم توجيه الفائض للفقراء بدلاً من إهداره، فالإسراف حرام. ومع ذلك، فإن بعض العادات الجميلة لا تزال مستمرة، حيث انتشرت الخيام الرمضانية لإفطار الصائمين، فجزى الله خيرًا من يقوم على هذا العمل المبارك.
- شارع الكهرباء.. مركز الحركة في رمضان
ومن الذكريات الرمضانية، أشار الكواري إلى شارع الكهرباء في الدوحة خلال ستينيات القرن الماضي، حيث كان يعج بالحركة والحياة، ويعد متنفسًا رئيسيًا لأهل قطر والمقيمين. كانت الأسواق تنشط، ويزدحم الشارع بالمتسوقين الذين يشترون احتياجات العيد، ويقبلون على شراء الكباب وسندويتشات الفلافل الفلسطينية ذات المذاق الخاص، إضافة إلى القطايف التي لا تغيب عن موائد رمضان.
- رحلات الحج.. من الجمال إلى الباصات المكيفة
وفي حديثه عن والده، قال الكواري: "كان والدي من أوائل مقاولي الحج منذ عام 1964، وكانت حملته مخصصة للمقيمين، حيث كان ينقلهم في سيارات بيك آب بأسعار مناسبة". لم تكن الرحلة سهلة، فقد كان الطريق من الدوحة إلى مكة والمدينة صعبًا، خاصة مع كثرة التغريز في رمال "أم حويض" وتعطل السيارات بسبب وعورة الطرق. مع مرور الوقت، تم شراء باصات لنقل الحجاج، ومع تطور وسائل النقل، أصبحت الرحلات مريحة بفضل الباصات المكيفة والمجهزة.
يتذكر الكواري أنه في شبابه عمل مع والده في حملات الحج، وكانت الرحلة تستغرق يومين، بينما كانت في الماضي تستغرق أسابيع عبر قوافل الجمال أو البواخر الإنجليزية التي كانت تمر عبر الهند، عدن، الصومال، وجيبوتي، قبل الوصول إلى جدة. أما الحجاج، فكانوا يعودون محملين بماء زمزم، وكاميرات للأطفال تخلد مشاهد المشاعر المقدسة، إلى جانب القحافي (الطاقية)، المسابح، السواك، سجادات الصلاة، والغتر.
• عبدالوهاب المطاوعة: الغبقة زمان.. لقاءات عامرة بالمحبة والبساطة
تحدث عبدالوهاب بن عبدالرحمن المطاوعة عن نشأته في سوق واقف، حيث وُلد وعاش في كنف أسرة متدينة. وأوضح أن والده كان إمام وخطيب مسجد الأحمد الكبير، وهو مسجد عريق يزيد عمره على مائة عام، وكان منارة للعلم والعبادة في المنطقة. وأضاف: "عائلتنا تنقلت بين الشمال، والخور، والوكرة، والدوحة، حتى استقر بنا المقام في بيت (المساعيد) العود في الجسرة، الذي ضم جميع أفراد الأسرة، حيث كان لكل أسرة بيت منفصل، لكننا عشنا كأسرة واحدة متماسكة".
وأشار إلى أن تعليم البنات في ذلك الوقت كان مهمة تتولاها سيدات من عائلة المطاوعة، قائلاً: "أتذكر أن هناك من أسرتنا من كان لهن دور في تعليم البنات، مثل عائشة المطاوعة، وسبيكة المطاوعة، وآمنة المطاوعة، وحصة المطاوعة، وكنّ منارات للعلم في زمنهن".
- أجواء رمضان.. روحانية وتكاتف اجتماعي
عن الأجواء الرمضانية في طفولته، قال المطاوعة: "عندما كنت صغيرًا، كنت أرى الإقبال الكبير من الشباب على المسجد، حيث كانوا يحرصون على قراءة القرآن والاستماع إلى الأحاديث الدينية. كان رمضان شهرًا مليئًا بالروحانية، وكان التعاون بين الأهالي كبيرًا، فكنت أُكلف من قبل والدتي بتوزيع الأطباق على الجيران قبل الإفطار، وفي المقابل، كان الجيران يرسلون لنا أطباقهم، وكنت سعيدًا بأداء هذه المهمة التي تعززت بها روح الأخوة والمودة بيننا".
- تنافس في قراءة القرآن وختماته
من العادات الرمضانية التي لا تزال حاضرة في ذاكرته، كان التنافس بين الشباب في قراءة القرآن، حيث كانوا يتبارون فيمن يستطيع ختمه أكثر من مرة خلال الشهر الكريم. وقال: "كنا نقضي معظم وقتنا في قراءة القرآن، سواء في المسجد أو في البيت، وكان والدي -رحمه الله- يشجعنا على ذلك، ويوجهنا لما فيه الخير لنا. وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان، كان يتم تثويب الختمات، حيث يجتمع الرجال في مجلس والدي، ويُقرأ عليهم دعاء ختم القرآن، ثم يقوم الناس بتثويب الأجر لأهلهم ولموتاهم، في مشهد مهيب يعكس التمسك بالقيم الدينية والترابط العائلي".
وختم المطاوعة حديثه بالإشارة إلى الغبقات الرمضانية التي كانت تقام في الماضي، موضحًا أن لها طابعًا خاصًا يميزها عن اليوم. وقال: "كانت الغبقات تجمع الأهل والجيران في أجواء مليئة بالفرح، وكان الطعام يُعدّ بعناية، والجلسات تمتد لساعات طويلة، يتبادل فيها الناس الأحاديث والذكريات. لقد كان رمضان زمان مختلفًا تمامًا، مليئًا بالمحبة والبساطة والترابط الاجتماعي الذي نفتقده اليوم في ظل انشغال الناس بالحياة الحديثة".
• جمعة الكواري: المجالس مدارس.. هكذا تعلمت من الكبار
في مجلس جمعة بن محمد البوعفرة الكواري، وبين كبار الحضور وأصحاب التجربة، كان جمعة بن محمد الكواري، أصغر الموجودين، يستقبل الضيوف برحابة صدر وسعادة واضحة. تحدث إلينا قائلاً: "أنا سعيد جدًا بتواجدي هنا في مجلس جدي، لأن المجالس تعلمنا الكثير، فهي مليئة بالحكمة والتجارب التي نستفيد منها في حياتنا، ولذلك أقول دائمًا: المجالس مدارس".
وعن تجربته مع الصيام منذ الصغر، قال: "بدأت بتعلم الصيام على مراحل، فكنت في البداية أصوم حتى الظهر، وكان عمري حينها خمس سنوات. وبعد أن اعتدت على ذلك، بدأت بالانتظام في الصيام الكامل تدريجيًا. وكان لأسرتي، وخاصة والدي، ووالدتي، وجدي جمعة، دور كبير في تشجيعي على الصيام، وتعليمي أهمية هذا الركن العظيم من أركان الإسلام".
وأوضح الكواري حرصه على أداء الصلاة في المسجد جماعة، خاصة صلاة التراويح، التي رغم طولها، إلا أنه يجدها خفيفة ومريحة. كما أكد اهتمامه بقراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه، بمساعدة أفراد أسرته الذين يدعمونه في هذا الجانب الروحي المهم.
لم يكن حضوره للمجلس مجرد مشاركة عابرة، بل كان فرصة للتعلم، حيث قال: "أحرص على حضور مجالس الرجال، لأنها تزودني بمعارف كثيرة تفيدني في حياتي، فمن خلال هذه المجالس أتعلم الحكمة، وأستفيد من تجارب من سبقونا، مما يساعدني على تطوير ذاتي والاستفادة من نصائح الكبار".
• أحمد عبدالله السليطي: "الجسام" تقليد رمضاني كان يميز أهل قطر
تحدث لنا أحمد بن عبدالله بن سلطان السليطي عن ذكرياته حول رمضان في الماضي قائلاً: "رمضان شهر مبارك، وأيامه فضيلة، وكان الاستعداد له يبدأ قبل شهر من حلوله، حيث يتم تجهيز (الميرة) وتوفير الاحتياجات الأساسية لهذا الشهر الفضيل". ومن أبرز العادات التي كانت تمارس آنذاك، قيام السيدات بدق الحب في المناحيز وطحنه باستخدام الرحى، استعدادًا لصنع الأطعمة التقليدية.أما رمضان في فريج شرق فكان مختلفًا، إذ كان الشهر يحمل طابعًا روحانيًا خاصًا، حيث تكثر الطاعات، وقراءة القرآن، وتُكثَّف أعمال الزكاة والصدقات بالكتمان. كما كان الأهالي يقيمون الختمات القرآنية التي يتم تثويبها في ليلة السابع والعشرين من رمضان، بينما تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يجتمعون لسماع الأحاديث الدينية والمواعظ، إلى جانب التزاور وصلة الأرحام، التي كانت من أهم مظاهر هذا الشهر المبارك.
- "الجسام".. عادة اجتماعية راسخة
كان لتبادل الأطباق بين الجيران والأقارب، المعروف بـ"الجسام"، طابع خاص يعكس روح التكاتف والتعاضد بين أهل الحي. كانت هذه العادة تُلاحظ بوضوح بعد العصر، حيث ترى الشبان والبنات يتنقلون بين البيوت حاملين الصحون، التي تحتوي على أشهى المأكولات الرمضانية، من بيت إلى آخر، في مشهد اجتماعي جميل يعكس عمق العلاقات بين الجيران.
- الهريس.. نكهة خاصة ومنافسة حامية
عن الأكلات الرمضانية، قال السليطي: "كان الهريس باللحم هو الطبق المفضل رغم صعوبة تحضيره، حيث يتعاون أكثر من شخص في ضربه بالمضرابة حتى يصبح متماسكًا مثل الخيوط، ثم يُضاف إليه الدهن القطري الذي تحضره السيدات"، مشيرًا إلى أن هذه الأكلة كانت تُعد حصريًا في رمضان، مما جعلها أكثر تميزًا.
ويتذكر السليطي الطرائف التي كانت ترافق إعداد الهريس قائلاً: "كان الشبان يتنافسون على نيل شرف "الورية" (القاعية) والمضرابة، والجميع يحاول أن يحظى بنصيبه منها، لأنها كانت وجبة دسمة ومحبوبة بعد صيام يوم طويل". وبعد الانتهاء من إعداد الهريس، كان يُوزع على الجيران بواسطة الشبان، في تقليد اجتماعي يعزز روح التكافل.
أما بقية شهور السنة، فلم يكن الهريس يُعدّ إلا لدى الميسورين، في حين أن بقية موائد الإفطار كانت عامرة بأطباق مثل الثريد باللحم، اللقيمات المغطاة بالدبس، الساقو، الخبيص، العصيد، والبلاليط.
- اللحم المدعوم والقصّاب بعد التراويح
يتذكر السليطي دعم الحكومة للحوم في الماضي، حيث كانت تباع بأسعار رمزية مخفضة. وكان القصاب يأتي ليلاً بعد صلاة التراويح ليبيع اللحم عند المساجد حسب طلب المستهلك، وهو ما كان يلقى استحسان الناس الذين كانوا سعداء بهذه الخدمة.
أشار السليطي إلى أن رمضان في قطر كان مختلفًا عن بقية الدول، قائلاً: "عندما كنا ندرس في مصر، كنا نشعر بالغربة والبعد عن الأهل، لكن رمضان في القاهرة كان له طابعه الخاص، خصوصًا في حي الحسين، الذي كان ينبض بالحياة خلال هذا الشهر الفضيل". ومن أجمل الذكريات، كانت فوانيس رمضان التي تحمل معها قصصًا جميلة، تضفي على الأجواء لمسة من البهجة والاحتفال.
- الغبقة.. تقليد رمضاني أصيل
عن الغبقة الرمضانية، قال السليطي: "في الماضي، كانت تبدأ الغبقة في العاشر من رمضان وتستمر حتى العشرين منه، ثم تتوقف في العشر الأواخر للتفرغ للاعتكاف في المساجد". وكانت تقدم وجبة الغبقة عادة في الساعة العاشرة مساءً، حيث يفضل الكثيرون تناول عيش المحمر (البرنيوش)، والمجبوس، أو العيش الشيلاني (الأبيض) مع السمك.
• عبدالرحمن السليطي: التسمم الجماعي عام 1967 ذكرى لا تُنسى
أكد عبدالرحمن المدلل السليطي، أحد رواد المجلس، أن شهر رمضان هو شهر الخير والبركة، حيث يكثر الناس من قراءة القرآن وتدبر معانيه، والقيام بأعمال الخير، وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام، إلى جانب تجمع العائلات على مائدة الإفطار. وقال: "لرمضان طابع خاص ومميز عندنا في قطر، فهو ليس مجرد صيام وإفطار، بل هو مناسبة تعزز التآخي والتراحم بين الناس، وتعيد الحياة إلى العادات الأصيلة التي تميز مجتمعنا القطري".
ورغم روحانية رمضان وجمال لحظاته، استذكر السليطي إحدى الذكريات المؤلمة التي مرت عليه خلال الشهر الفضيل، وكانت من أحداث التسمم الجماعي التي وقعت في قطر يوم السبت 3 يونيو 1967، والتي أصابت الناس بالخوف والهلع.
تحدث السليطي عن الواقعة قائلاً: "كنت أحد المصابين بحالة التسمم وشاهدًا على هذه الحادثة التي أصابت مئات الأشخاص في قطر. أتذكر أنني خرجت مع والدي وأخي إلى الخباز لشراء الخبز والباجلا والنخيّ للعشاء، وعند عودتنا إلى المنزل تناولنا الطعام، بينما لم يتناول الأهل منه، حيث اكتفوا بما تبقى من غداء اليوم السابق. لم نكن نعلم أن تلك الوجبة ستنقلنا إلى أروقة مستشفى الرميلة، حيث أصبنا بتسمم حاد، وكنا ضمن مئات المرضى الذين امتلأت بهم ممرات المستشفى، بسبب عدم توافر عدد كافٍ من الغرف والأسِرّة".
وصف السليطي الأوضاع داخل المستشفى قائلًا: "كان المكان يعج بالمصابين، ولم تكن هناك أسرّة كافية أو أغطية (بطانيات)، وكان الناس في حالة ذهول وفزع. لم يُعرف السبب في البداية، وكان الأهل يحاولون تقديم المساعدة بأي طريقة، حيث كانوا يقطرون الماء في أفواه المصابين بسبب نقص المياه. قضينا خمسة أيام في الممرات نتلقى العلاج حتى شفينا، لكن الغموض ظل مسيطرًا على أسباب التسمم".
وبعد فترة، بدأت السلطات القطرية التحقيق في أسباب التسمم، حيث قامت سيارات الشرطة بالتجول في الفرجان لتحذير السكان، مطالبة كل من لديه طحين من ماركة "المامبو بوكاس" بعدم استخدامه وتسليمه فورًا للشرطة. وبعد التحليل، تم الكشف عن السبب الحقيقي وراء الحادثة، حيث تبين أن إحدى السفن المحملة بشحنة من الطحين كانت قد وُضعت بجوار براميل تحتوي على مواد كيميائية سامة، وتسربت تلك المواد إلى أكياس الطحين المجاورة.
واختتم السليطي حديثه قائلاً: "رغم مرور السنين، لا تزال هذه الحادثة محفورة في ذاكرتي، فقد كانت من أصعب التجارب التي مررنا بها. لكن في المقابل، فإن روح التكاتف بين الناس خلال تلك المحنة أظهرت معدن أهل قطر الأصيل، حيث وقف الجميع لمساندة المتضررين وتقديم الدعم لبعضهم البعض، وهو ما يعكس القيم الحقيقية لمجتمعنا حتى اليوم".
• د. مصطفى عقيل: الإفطار الجماعي في المسجد عادة نفتقدها اليوم
تحدث الدكتور مصطفى عقيل، الأستاذ بجامعة قطر والحائز على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الدراسات الإنسانية (تاريخ الخليج والجزيرة العربية)، عن ذكرياته في رمضان قائلاً: "كان لشهر رمضان هيبة خاصة، إذ كان الاستعداد له يبدأ مبكرًا بتوفير مستلزمات الصيام كافة. وللمجالس في قطر دور مهم، حيث كانت تجمع العلماء ورجال الدين، خاصة أساتذة الأزهر وكبار السن، الذين كانوا يتبادلون الأحاديث الدينية والنقاشات الهادفة، مما يعود بالنفع على الجميع. ومن المجالس التي ازدهرت في ذلك الوقت، مجلس والدي في فريج النجمة، الذي كان يعج برواده من مختلف الفئات".
- بيع الكباب.. أولى تجارب العمل
ومن الذكريات الرمضانية التي لا تزال عالقة في ذهنه، قال الدكتور عقيل: "عندما كنا شبانًا، كنا نقوم بشواء كباب اللحم وبيعه للمارة في الفريج، وقد لاقى إقبالًا كبيرًا، خاصة من الشباب. كانت تلك التجربة ممتعة لنا، حيث تعلمنا الاعتماد على أنفسنا في توفير مصدر دخل خاص بنا".
أما داخل البيت، فقد كانت والدته تقوم بجميع أعمال المنزل، حيث لم يكن لديهم أخوات بنات، لذا كان هو وإخوته الثلاثة يساعدونها في تحضير الطعام. كما كانوا مسؤولين عن توزيع الأطباق على الجيران في الفريج، في تقليد يعكس روح التآخي بين أهل الحي. ويتذكر قائلاً: "كان بيتنا كبيرًا، وفيه حظيرة تضم بعض الحيوانات الأليفة مثل الماعز والدجاج، وكنا نعتمد على بيض الدجاج واللحم الطازج الذي كان له نكهة خاصة لا تُقارن بأي شيء آخر".
- الإفطار الجماعي في المسجد
ومن أجمل مشاهد رمضان التي استحضرها الدكتور عقيل، كانت موائد الإفطار الجماعي في المسجد، حيث كان كل فرد يحضر طبقًا من منزله، لتُوضع الأطعمة على مائدة مشتركة، يستفيد منها الجميع. وقال: "كان الجميع يأكلون معًا، في أجواء تعبر عن التكاتف والتعاون بين أهل الفريج، وهو تقليد نفتقده اليوم في ظل انشغال الناس بحياتهم الخاصة".
- رمضان في الغربة.. من مصر إلى بريطانيا
أما عن تجربته في الصيام خارج قطر، فقال: "صمت رمضان في مصر، وكان جميلًا جدًا رغم افتقادنا الأكلات القطرية. لكننا تأقلمنا مع الأطعمة المصرية، وكنا نتسوق من سوق سليمان جوهر الشعبي، الذي كان يوفر كل ما نحتاجه. رمضان في الحسين والسيدة زينب كان مختلفًا، حيث تنتشر التواشيح الدينية، والفوانيس، والأغاني الرمضانية التي تملأ الشوارع بالأجواء الروحانية".
أما عن تجربته في الصيام ببريطانيا أثناء تحضيره لرسالة الماجستير، فقد وصفها بالصعبة، حيث كان النهار طويلاً والليل قصيرًا، وقال: "كنا نصوم أكثر من 18 ساعة، ثم نفطر، وبعد ساعة نصلي التراويح، ونتسحر، ثم يأتي وقت صلاة الفجر، فلا يكاد يكون هناك وقت كافٍ للراحة". وأشار إلى أنه لم يُكمل دراسته في بريطانيا، بل اختار استكمال الماجستير والدكتوراه في مصر، مؤكدًا "أنا أهوى مصر، وأحب اللغة العربية، وأرتاح في أجوائها".
أخبار ذات صلة
مساحة إعلانية
0 تعليق