في حوار مع «عكاظ» أكد السفير الصربي دراجان بیزینیتش أن العلاقات بين البلدين لم تصل حتى الآن إلى المستوى المأمول؛ بسبب تدشين العلاقات في مرحلة متأخرة أي قبل عقد تقريباً، والجانبان في مرحلة التأسيس والبناء للعلاقات.
وقدم السفير شكره للمملكة بعد توقيع ثلاث اتفاقيات، لتمويل مشروعات إنمائية عبر قروض ميسّرة، مقدمة من الصندوق السعودي للتنمية، بقيمة إجمالية تصل إلى 205 ملايين دولار، لدعم قطاعات المياه والزراعة والتعليم والطاقة القرض.
وقال بیزینیتش: أشعر أنني محظوظ كوني أعيش في مدينة الرياض، على الرغم من أنني لم أمضِ فيها سوى أربعة أشهر فقط، إلا أن ما رأيته بحق مثير للإعجاب والدهشة، فالسعودية في تصوري هدية لهذا العالم، ولا يوجد بلد في الوقت الحالي يعمل على التقدم والتطور كما تفعل، إضافة إلى ذلك، فهي تستضيف اليوم جميع الأحداث والقمم العالمية الكبرى، بدءاً من الرياضة، مروراً بالترفيه، وأهم القضايا العلمية والتكنولوجية، والاجتماعات التي تحل فيها أكثر القضايا سخونة وتعقيداً.تأسيس العلاقات.. كنز عظيم
• كيف تصفون مستوى العلاقات الدبلوماسية بين صربيا والمملكة في الوقت الحالي؟ وما أبرز المجالات التي تشهد تعاوناً مشتركاً؟
•• العلاقات لا تزال في بداياتها، وأتصور أنها لم تصل إلى المستوى المأمول، لقد أقمنا العلاقات الدبلوماسية قبل عقد تقريباً، أي في العام 2013. ولذلك نحن لا نزال في مرحلة التأسيس للعلاقات، وأعتقد أنها أشبه بالكنز العظيم في مجال الدبلوماسية؛ لأن أولئك الذين سيأتون بعدنا سيتمتعون بميزة، وهي عدم مواجهة الصعوبات والمشكلات التي واجهناها، بل يمكنهم المضي قدماً بشكل أسرع وأكثر أماناً، لدينا العديد من اللقاءات المتبادلة وباستمرار، وهي الطريقة التي تتحرك بها علاقاتنا نحو الصعود، وكل تلك المشاورات مليئة بالتفاهم والصداقة والتعاون المتبادل، وبأفكار ومشاريع جديدة وواعدة، ولدينا عدد من المبادرات والفرص الكبرى؛ لذا علاقاتنا تشهد ازدهاراً ونمواً متسارع، بتوجيه ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد، ورئيس جمهورية صربيا ألكسندر فوتشيتش.
وقد تلقينا في صربيا قبل أيام التهاني من القيادة والشعب السعودي العزيز، بمناسبة اليوم الوطني لبلادنا، في الـ15 من فبراير، وأنا أعرب عن امتناني لصحيفتكم لمشاركتنا تلك المناسبة السعيدة.
إن من أهم مجالات التعاون بين البلدين، «القرض» الذي قدمه صندوق التنمية السعودي، بقيمة 205 ملايين دولار، لمشروع بناء الحرم الجامعي «للطب الحيوي» (BIO4)، وبرنامج تعزيز البنية الأساسية للري، ومشروع نظام نقل الكهرباء في صربيا (EMS)، وسيضم الحرم الجامعي سبع كليات وتسعة مراكز علمية وبحثية، وحوالى 300 مختبر. وسيكون أكبر حرم من نوعه في منطقتنا، ويمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة لصربيا، بدعم وتعاون من المملكة العربية السعودية.
كما التقت وفود من الجانبين قبل أسابيع في باريس، لمناقشة التعاون في مجالات عدة أهمها «الذكاء الاصطناعي».
وفي بداية العام، تم اختيار المملكة لتكون أحد المراكز الجديدة لمشروع الثورة الصناعية الرابع، وصربيا منذ سنوات عدة كانت ضمن هذه المجموعة؛ التي تعد منصة دولية جديدة للتعاون المشترك.
وستستضيف صربيا معرض إكسبو 2027، بينما تستعد المملكة لاستضافة معرض 2030، ويمثل ذلك فرصة عظيمة لبلدينا، ليس فقط للتعريف بنفسيهما أمام العالم، ولكن أيضاً لبعضهما البعض.
نحن نتطلع إلى المشاركة السعودية في بلغراد، الذي سيكون منصة مثالية لعرض الإنجازات السعودية العظيمة، بعد تنفيذ برامج رؤية 2030.
وبالتالي فإن من المهم أن يكون هناك حوار مستمر، وعلى أعلى المستويات. وسنبذل قصارى جهدنا. وقد زار وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان صربيا في مناسبتين. ونتوقع استمرارية حوارنا خصوصاً في المجال الاقتصادي.
أشعر بأنني محظوظ لكوني في مدينة الرياض، على الرغم من أنني لم أمضِ سوى أربعة أشهر فقط، إلا أن ما رأيته كان مثيراً للإعجاب والدهشة، فالسعودية في تصوري هدية لهذا العالم. ولا يوجد بلد في الوقت الحالي يركز على التقدم والتطور كما تفعل المملكة، فهي تستضيف اليوم جميع الأحداث والقمم العالمية الكبرى، بدءاً من الرياضة، مروراً بالترفيه وأهم القضايا العلمية والتكنولوجية، والاجتماعات التي تحل فيها أكثر القضايا سخونة في العالم. وهذا يعد دليلاً على الأهمية المتزايدة لهذا البلد، الذي يستضيفني ممثلاً لصربيا.
ونحن فخورون بأن بعض أبنائنا يساهمون في هذا التطور أيضاً، فهم أطباء، ومهندسون، وخبراء تكنولوجيا وطيارون، وغير ذلك. كما يساهم شبابنا في مجال الرياضة السعودية، إذ يوجد عدد من أبرز اللاعبين من صربيا في الأندية السعودية الرائدة. وأنا ممتن للأشخاص الودودين الذين يحيطون بي هنا، وهو دليل على كرم وضيافة الشعب السعودي، فكل ما هو الأفضل في العالم اليوم أصبح موجوداً في المملكة.
كتب وإصدارات عن السعودية
• كيف تساهم صربيا في تعزيز العلاقات الثقافية مع المملكة العربية السعودية؟ وهل هناك برامج تبادل ثقافية أو تعليمية بين البلدين؟
•• يسعدني أن أخبركم أننا في صربيا نخطط لإقامة معرض كبير، وهو معرض «نيكولا تيسلا» الذي نقيمه بالتعاون مع شركة تسلا، وبدعم وتعاون من شركات إيلون ماسك، وبالتأكيد فإن الجميع قد سمع باسم «تسلا»، ودورها في التطور التكنولوجي الحالي، وتشجيع الأفكار والاختراعات الرائدة، وسيتم عرض الكثير من هذه الاختراعات والابتكارات والإطلاقات للجمهور بمن فيهم أصدقاؤنا السعوديون.
وسنقدم من خلال إحدى دور النشر في صربيا كتباً وإصدارات عن تاريخ المملكة العريق، ومراحل تأسيسها، وسيرة الملك سلمان، وإنجازات ولي العهد، ومنها كتاب قيم عن راكان بن حثلين، الذي أسرته السلطات العثمانية وسجنته في مدينة «نيش» الصربية الحالية.
وبالتالي فإن الفعاليات الثقافية الكبيرة هنا في المملكة، التي تقيمها وزارة الثقافة، والبرامج الضخمة للهيئة العامة للترفيه، ووزارة السياحة، توفر فرصاً رائعة لنشارك من خلالها في التعريف بثقافتنا وهويتنا، وسنسعى جاهدين للاستفادة منها بأفضل طريقة ممكنة. خصوصاً مجال صناعة السينما.
وأود هنا أن أبين لكم أن المسلمين الصرب يبلغ عددهم اليوم نحو 280 ألف نسمة، وهم يشكلون أحد أهم مصادر التعاون والتواصل الثقافي، ومن العوامل الفاعلة في حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفي كل حكومة، لا بد أن يكون هناك العديد من الوزراء المسلمين، الذين يلعبون دوراً رئيسياً في تشكيل تنميتنا الشاملة.
وقد ناقشنا مثل هذه المواضيع المهمة، مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى، ولا شك أن هذه الركيزة من ركائز التعاون الثقافي، ستكون حاضرة دائماً في علاقاتنا.
الاقتصاد جاذب ومشجع
• ما الفرص المتاحة للاستثمار بين صربيا والسعودية؟ وما التسهيلات التي تقدمها صربيا لجذب المستثمرين السعوديين؟
•• أعتقد أن الوضع الاقتصادي لبلادي حالياً جاذب ومشجع، وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2024 نسبة 3.1%، وفي الربع الثاني 4%، وفي الربع الأول 4.7%. وتوقعت الميزانية الوطنية لعام 2024 نمواً سنوياً للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5%، وقد وصل إلى 3.9%.
ووفقاً للبيانات الأولية، خلال عام 2024، تم تسجيل تدفق إجمالي قياسي للاستثمار الأجنبي المباشر (FDI أو DSI) بمبلغ 5.2 مليار يورو، ويبلغ صافي التدفق 4.6 مليار يورو، وهو ما يمثل نمواً بنسبة 14.2% على أساس سنوي. وهذه أرقام للأرباع الثلاثة الأولى من العام. صربيا هي صاحبة الرقم القياسي الإقليمي في الاستثمار الأجنبي المباشر، وتستند في موقعها الجيوسياسي على العلاقات المتوازنة مع الشرق والغرب. مع المحافظة على بعض السياسات التقليدية الموجهة نحو الجنوب العالمي، ودول عدم الانحياز.
وعقدنا في العام الماضي مؤتمراً كبيراً مع الدول الأفريقية. وبالتأكيد نحن نتشارك العديد من الجوانب والملفات مع المملكة. ونرى في كل هذا فرصة لتشجيع الاستثمارات السعودية في صربيا، فنحن بحاجة إلى الكثير من الفنادق وتحسين قطاع الإيواء والضيافة، وكذلك صناعة الفعاليات قبل الأحداث الدولية الكبرى التي سنستضيفها في صربيا، مثل إكسبو 2027. وهذا ميدان واعد للتعاون مع الجانب السعودي، كما أن الغرفة التجارة لدينا تعمل على الانتهاء من إنشاء مجلس للأعمال، ليجمع الشركات ورجال الأعمال المهتمين بالتعاون الاقتصادي المتبادل.
السعودية تقود الابتكار التكنولوجي والإلهام
• طرحت المملكة في عام 2016 رؤية 2030، فما الفرص الممكنة التي خلقتها هذه الرؤية للشركات الصربية؟•• أود أن أشير أولاً إلى أن رؤية 2030 خطة رائعة للمستقبل بكل أبعادها. وتتنافس اليوم شركاتنا للاستفادة والإسهام في إنجاز هذه المشاريع العملاقة. لاسيما أن الأغلب منها يقدم خدمات تكنولوجية، تعمل على تحسين جوانب البناء والتشييد الجارية في المملكة.
عندما كنت طفلاً كنت مفتوناً بروايات الخيال العلمي، التي كنت أقرأها في القصص، لكن ذلك أتيح لي لأشاهده عن قرب، من خلال التعرف على كثير من المشروعات السعودية، التي كنت أعدها من ضرب الخيال، ومن بينها مشروع المربع الجديد في الرياض، الذي يعد تجسيداً لمشاريع الخيال، فالمستقبل هنا بالفعل، وهذا ما جعل الاهتمام والثقة تزداد بالمملكة في مختلف دول العالم، وأصبحت علامات هذا الاحترام والتقدير واضحة للجميع، فهي دولة لا تستثمر في تطوير البنية الأساسية فحسب، بل تقود الابتكار التكنولوجي والإلهام، وتشكل المستقبل من خلال المبادرات الرائدة، وخلق الفرص الجديدة.
إزالة عقبات السفر
• كيف يمكن للرياضة والسياحة والثقافة أن تعكس العلاقات العميقة بين المملكة وصربيا؟
•• نحن فخورون بأن لاعبينا وشبابنا يساهمون اليوم في المشهد الرياضي السعودي ووصوله للعالم، فعلى سبيل المثال لو تحدثنا عن كرة القدم فقط، فإنه يوجد عدد من أبرز اللاعبين في الأندية الصربية، وهم أعضاء كذلك في المنتخب الوطني، مثل ألكسندر ميتروفيتش، وسيرجي ميلينكوفيتش، وسافيتش في نادي الهلال، وحارسي المرمى بريدراغ راجكوفيتش في نادي الاتحاد، وميلان بورجان في نادي الرياض، وهناك أيضاً مدرب كرة الماء الشهير ديجان سافيتش.
صربيا، قوة معروفة خصوصاً في كرة السلة، وأفضل لاعب في الدوري الأمريكي للمحترفين في السنوات الخمس الماضية نيكولا يوكيتش من صربيا. ولا شك أننا نود أن نساهم بقدراتنا وخبراتنا في تطوير هذه الرياضة تحديداً في المملكة، وقد ناقشت ذلك أخيراً مع نائب وزير الرياضة بدر القاضي. ومتأكد أن تعاوننا في القطاع الرياضي سيتوسع بشكل كبير مستقبلاً.
وفيما يخص الشق الأخر من سؤالك، فلا تزال السياحة باعتقادي مورداً غير مستغل بشكل كامل، ولا بد من بذل المزيد من الجهود من كلا الجانبين؛ لاستثمار تلك القدرات والمقومات السياحية.
وسياحنا دائماً ما يكونون سعداء بزيارة منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج، والمملكة لديها العديد من الوجهات الجاذبة والرائعة. وقد وقعنا اتفاقية لخط طيران مباشر بين الرياض وبلغراد.
نحن بحاجة إلى إزالة أي عقبات، وخلق أفضل الظروف للسفر المتبادل، لمواطنينا والسياح ورجال الأعمال.
ما رأيته مثير للإعجاب
• هل لديك كلمة أو رسالة تحب أن توجهها من خلال «عكاظ» في نهاية هذا الحوار؟
•• أنا هنا منذ أربعة أشهر فقط، ولكن ما رأيته كان مثيراً للإعجاب بكل ما تعنية الكلمة، ولا يوجد في الوقت الحالي دولة في العالم تركز على التقدم والنهوض المتسارع، كما تفعل المملكة.
أنا واثق من أن نجاحات أكبر تنتظرنا، وفخور بأن أكون جزءاً من هذه الرحلة، التي ننظر فيها إلى مستقبل مشرق ومختلف للمملكة.
بالنيابة عن جمهورية صربيا، أود أن أهنئ القيادة والشعب السعودي الكريم، بمناسبة شهر رمضان، وأعرب عن إعجابي الصادق بما حققتموه لبلادكم، من خلق لروح التحول والتقدم. نسأل الله أن يمنح المملكة السلام والازدهار، ورمضان كريم على الجميع.
أخبار ذات صلة
0 تعليق