«زمردة الاستواء» تستقبل الشهر الفضيل بتطهير النفوس والأجساد

العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تبدأ الاستعدادات قبل دخول الشهر الكريم بتزيين الشوارع والمنازل والمساجد
يحتفل الشباب والأطفال ليلة رؤية الهلال بقرع الطبول التقليدية المعروفة بـ «البدوق»
يُعد الإفطار الجماعي من أبرز مظاهر رمضان ويُقام في المساجد والساحات العامة
تُنظم حلقات تلاوة القرآن في المساجد والمنازل ويُطلق عليها «تداروس»

 

يُطلق لقب «زمردة الاستواء» على إندونيسيا، وهو اللقب الأكثر شيوعًا لهذا البلد الذي يُعد أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، إذ تبلغ نسبة المسلمين فيها ما بين 87% و90% من إجمالي عدد السكان الذي يتجاوز 270 مليون نسمة.

تتميز إندونيسيا بطقوس فريدة للاحتفال بالشهر الفضيل، حيث تبدأ مظاهر الاحتفالات قبل دخول رمضان. ففي جاوة على وجه الخصوص، يمارس العديد من الإندونيسيين تقليدًا يُعرف بـ»بادوسان»، وهو الاستحمام في الينابيع أو الأنهار الطبيعية، اعتقادًا منهم أن هذا الطقس يطهر أجسادهم وأرواحهم استعدادًا لاستقبال الشهر الفضيل. يعكس هذا التقليد مزيجًا من الثقافة المحلية والروحانية الإسلامية.
تبدأ الاستعدادات بتزيين الشوارع والمنازل والمساجد باللافتات التي تحمل عبارات مثل «مرحبًا يا رمضان» (Marhaban ya Ramadhan)، إلى جانب المصابيح الملونة والزخارف التقليدية التي تضفي جوًا احتفاليًا. تعتمد إندونيسيا على قرار وزارة الشؤون الدينية لتحديد بداية الشهر الفضيل، حيث تجمع الوزارة بين الرؤية الشرعية للهلال والحسابات الفلكية. تُرسل لجان خاصة إلى مناطق مختلفة في الأرخبيل لرصد الهلال، ويُعلن القرار رسميًا عبر وسائل الإعلام.

20250305_1741202483-437.jpg?1741202483

قرع الطبول
بمجرد الإعلان عن بداية رمضان، يبدأ الشباب والأطفال الاحتفال بقرع الطبول التقليدية الكبيرة المعروفة بـ»البدوق» في الشوارع والمساجد. تُستخدم هذه الطبول أيضًا للإعلان عن موعد الإفطار يوميًا قبل أذان المغرب مباشرة، وتُعد رمزًا مميزًا لرمضان في إندونيسيا.
يُعتبر الإفطار الجماعي من أبرز مظاهر رمضان في البلاد، حيث تُنظم فعاليات تُعرف بـ»بوكا بواسا برساما»، وتعني «الإفطار معًا». تُقام هذه الفعاليات في المساجد أو الساحات العامة أو حتى في المنازل، وتجتمع العائلات والأصدقاء لتناول الطعام بعد صلاة المغرب مباشرة. تشمل الأطعمة التقليدية «الكولاك» (حلوى مصنوعة من حليب جوز الهند والسكر البني)، والأرز مع الدجاج أو السمك، والمشروبات الملونة مثل «إيس تشنكا» (مشروب بارد من جوز الهند والفواكه).

الصلاة والعبادة
يحرص الشعب الإندونيسي على أداء الصلوات في مواعيدها، وتختلف عدد ركعات صلاة التراويح بين الجماعات الإسلامية في إندونيسيا. فمثلاً، تُقيم منظمة «المحمدية» 11 ركعة (بما فيها الوتر)، بينما تُقيم «نهضة العلماء» 21 ركعة. تُؤدى هذه الصلوات في المساجد وسط أجواء احتفالية وروحانية.
تُنظم حلقات تلاوة القرآن في المساجد والمنازل طوال الليل، ويُطلق عليها «تداروس»، ويحرص الكثيرون على ختم القرآن خلال الشهر. أما في ليلة القدر، فتُقام احتفالات خاصة لإحيائها تشمل الصلوات والأدعية والتأمل الروحي.
للشعب الإندونيسي تقاليد مميزة خلال الشهر الفضيل، أبرزها زيارات الأهل. يستغل الإندونيسيون إجازة بداية رمضان (التي تتراوح بين 3 و5 أيام حسب المنطقة) لزيارة الأقارب وتبادل التهاني، مما يعزز التواصل الأسري والاجتماعي. قبل نهاية رمضان، يمارس البعض تقليد «حلال بحلال»، وهو تقليد تصالحي يهدف إلى تسوية الخلافات وطلب الصفح من الآخرين لاستقبال العيد بنقاء ومحبة.

إغلاق المطاعم
تغلق معظم المطاعم والمقاهي أبوابها خلال النهار احترامًا للصائمين، بينما تُقدم بعض المساجد وجبات إفطار مجانية للمحتاجين والمسافرين.
يجمع الإفطار في إندونيسيا بين النكهات التقليدية والعادات الإسلامية، مع التركيز على الأطعمة الخفيفة في البداية ثم الوجبات الرئيسية بعد صلاة المغرب. كما في العديد من الدول الإسلامية، يبدأ الكثير من الإندونيسيين إفطارهم بالتمر والماء، وأحيانًا يُضاف اللبن، وهو أمر شائع في المدن الكبرى مثل جاكرتا وفي القرى على حد سواء، خاصة بين الأسر الملتزمة بالسنة.
تُعد «الكولاك» (Kolak) من أشهر أطباق الإفطار، وهي حلوى رمضانية تقليدية تتكون من البطاطس الحلوة أو الموز (وأحيانًا اليقطين أو القلقاس) المطبوخة في حليب جوز الهند مع السكر البني (سكر النخيل). تُقدم كوجبة خفيفة لكسر الصيام مباشرة بعد الأذان لأنها حلوة وسهلة الهضم، وتُباع في الأسواق والأكشاك خلال رمضان، خاصة في المدن مثل جاكرتا وسورابايا.
أما «ناسي جورينج» (Nasi Goreng)، فهو طبق الأرز المقلي المشهور عالميًا، يُحضَّر مع البيض المقلي، والدجاج أو الروبيان، والخضراوات، والتوابل مثل صلصة الصويا والفلفل الحار. يُقدم كوجبة رئيسية بعد الإفطار الخفيف، ويتمتع بشعبية كبيرة في المدن، حيث تُعد المطاعم والأكشاك نسخًا خاصة برمضان، وغالبًا ما يُضاف إليه «سامبال» (صلصة الفلفل الحار) لإضفاء نكهة قوية.
تُعد وجبة «ساتيه» (Sate) خيارًا شعبيًا في القرى والمدن على حد سواء، وهي أسياخ من اللحم المشوي (دجاج، لحم بقر، أو ماعز) تُقدم مع صلصة الفول السوداني الحارة والأرز المضغوط (لونتونج).
بالنسبة للمشروبات، يُعد «إيس تشنكا» أو «إيس كيلابا مودا» (Es Cendol / Es Kelapa Muda) من المشروبات الباردة المفضلة، وهو مشروب منعش مثالي للطقس الاستوائي الحار. يُحضَّر من حليب جوز الهند، والسكر البني، وفتات الثلج، وأحيانًا مع حبات الأرز اللزجة (تشنكا) أو جوز الهند الطازج، ويُقدم في جميع أنحاء إندونيسيا، خاصة في الأسواق الحضرية.
يفضل الإندونيسيون تناول سحور خفيف عادةً، مع الحرص على أن يكون مغذيًا ليساعد على تحمل الصيام. تختلف أنواع السحور بين المدن والقرى بناءً على الموارد المحلية والعادات. من أشهرها «ناسي أودوك» (Nasi Uduk)، وهو أرز مطبوخ بحليب جوز الهند مع التوابل (مثل القرنفل والقرفة)، يُقدم مع الدجاج المقلي، والبيض المسلوق، والفول السوداني المحمص.
توجد في إندونيسيا أسواق الإفطار (مثل سوق بنهيل) التي تقدم تشكيلة واسعة من الحلويات والمشروبات الباردة. أما في القرى، مثل مناطق جاوة الوسطى وسومطرة، فيعتمد الناس على المكونات المحلية مثل الأرز، والسمك المجفف، والخضراوات البسيطة. في جميع الأحوال، يبقى الأرز العنصر الأساسي في الإفطار والسحور، مما يعكس أهميته في الثقافة الإندونيسية.

التنوع الثقافي
نظرًا لامتداد إندونيسيا عبر آلاف الجزر، تختلف بعض العادات من منطقة لأخرى. ففي سومطرة، مثلًا، تُضاف طقوس محلية مثل الاحتفالات بالأناشيد الدينية، بينما تكون الاحتفالات في بالي (ذات الأقلية المسلمة) أكثر هدوءًا. ينخفض معدل الجرائم خلال رمضان، وتقل مظاهر المعاصي، مما يعكس احترام المجتمع لقدسية الشهر.
تجمع إندونيسيا، بموقعها كأكبر أرخبيل في العالم، بين الروحانية الإسلامية والتراث المحلي في احتفالاتها الرمضانية، مما يجعلها تجربة فريدة تجذب الانتباه عالميًا.

العيد وما قبله
مع اقتراب عيد الفطر المبارك، يمارس ملايين الإندونيسيين تقليد «الموديك»، وهو السفر إلى القرى والمدن الأصلية للاحتفال بالعيد مع العائلات. تُعد هذه الظاهرة من أكبر حركات الهجرة الداخلية في العالم خلال هذه الفترة. في ليلة العيد، تملأ أصوات التكبير الشوارع مصحوبة بقرع الطبول والموسيقى التقليدية، حيث يطوف الناس احتفالًا بانتهاء الشهر الفضيل.
تمنح الحكومة عطلة رسمية تمتد لأسبوعين تقريبًا تشمل أيامًا قبل وبعد عيد الفطر، مما يتيح للناس الاحتفال والسفر. تُخفَّض ساعات العمل في الدوائر الحكومية، مثل انتهاء الدوام في جاكرتا عند الساعة الثانية ظهرًا، كما تُصرف مكافأة مالية (راتب إضافي) للموظفين لدعم الاحتفالات الرمضانية والعيد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق