الفيصل: رؤية استراتيجية بعمق تاريخي

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

استمعت بعمق إلى حديث الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات في برنامج «من الرياض» على قناة الإخبارية السعودية، ووجدته كما عودنا في مختلف لقاءاته عميقا في مضمونه، سهلا في لغته، وواضحا في دلالته السياسية، وهي مهارة لا يجيدها إلا القليل في إطار التعليق السياسي وفق ما أشرت إليه سابقا في مقالي بعنوان «مهارات التعليق السياسي».

في ذلك المقال أكدت على أهمية أن يتحرى المعلق السياسي الدقة في المعلومة، وأن يمتلك القدرة على الاستفادة منها بشكل فاعل، ويتمتع بخاصية الهدوء في لغة الخطاب، دون أي مزايدات في خطابه السياسي، فالمعلق يمثل نفسه وليس ناطقا باسم الحكومة أو متحدثا باسم الخارجية، وما يقدمه من تحليل يعكس رؤيته التي من المفترض أن تتسق مع رؤية وطنه ودون أن يحملها توجهه العقائدي، أو هواه السياسي.

هذا ما يتراءى لي وأنا أشاهد الأمير تركي في حواراته المختلفة وآخرها الحوار الآنف الذكر، والذي كرر فيه بهدوء وعمق بأنه يقدم رؤيته الخاصة، ودون أن يحمل المؤسسة الرسمية أي تبعة من تبعاتها، بحكم أنه ليس أحد مسؤوليها في الوقت الراهن، ولعمري فذلك ما نفتقده في عديد من حوارات بعض المعلقين السياسيين.

على أنني - والحق أقول - لا أستطيع أن أغفل الجانب التاريخي والمهني الذي ينطلق منه الفيصل في حواراته وأحاديثه السياسية، فهو ابن الزعيم الخالد الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله، كما أنه رأس جهاز الاستخبارات السعودية في أحلك الظروف السياسية، ورأس بعثتين دبلوماسيتين بتعيينه سفيرا للمملكة العربية السعودية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وحتما فقد أكسبه كل ذلك خبرة سياسية عميقة، وقدرة على إدارة الدبلوماسية الدولية.

أشير إلى أهمية ما طرحه الأمير تركي حول مخرجات القمة العربية التي ناقشت الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، ودعوته إلى ثبات الدول العربية على موقفها الرافض للتهجير التعسفي، ورأيه بتشكيل وفد دبلوماسي من الجامعة العربية لعرض الخطة أمام الولايات المتحدة وأوروبا وعديد من دول العالم، لحشد الدعم والتأييد للخطة العربية، وتدويل قضية غزة بشكل إيجابي، والضغط على إسرائيل للإقرار بأهمية تحقيق السلام العادل، المؤدي لبلوغ غاية الأمان لدولة إسرائيل والدول العربية إجمالا.

أشير إلى أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة عصيبة، فالتوغل الإسرائيلي يزداد يوما بعد يوم بتوسعهم في بناء المستوطنات واحتلال مزيد من الأراضي العربية في سوريا ولبنان؛ والرؤية السياسية الأمريكية فقدت اتزانها بتولي شخصيات يمينية متطرفة تدعم إسرائيل بكل قوتها؛ وكل ذلك يتزامن مع غياب التوازن القطبي، مما يفرض على العرب مزيدا من الثبات والصرامة في مواقفهم السياسية دفعا لأي ضرر قادم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق