ترامب يرمي أوروبا في أحضان «التنين»

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف


- «ترامب 2» أكثر صخباً من «ترامب 1» ويصل في تفكيره إلى إمكانية تغيير الخرائط والمصائر
- خبرة الولاية الأولى جعلته نسخة غير مسبوقة لرجل يقود أقوى قوة في العالم بعقلية «ملك الصفقات»
- الرئيس المُنخرط بعمق في نظرية التفوق الأميركي المُطلق على العالم لديه الكثير من الكُره للأوروبيين
- قرارات الولاية الثانية ستُحدث «ضرراً لا يمكن إصلاحه» وأي خطوة دراماتيكية ستكون نقطة تحوّل عالمية
- هناك من يهمِس من الخبثاء أن تسوية حرب أوكرانيا أُنجزت منذ إسقاط نظام بشار الأسد

لم يمرّ شهران على تولي «دونالد ترامب 2» سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، لكن «الصخب» يلفّ العالم: من غزة التي يريدها «ريفييرا الشرق الأوسط»، مروراً بالحرب التجارية مع حلفاء الأمس، والودّ الواضح تجاه الكرملين وسيده، وصولاً إلى المراجعة الشاملة للإنفاق الفدرالي و«مجزرة التفنيشات» من الأجهزة والوكالات الحكومية بقيادة إيلون ماسك.

«دونالد ترامب 1» (الولاية الأولى 2016 - 2020) أيضاً كان صاخباً. أخافَ العالم ودفع كثيراً من الدول لتعديل سياساتها واستراتيجياتها. لكن النسخة الحديثة أكثر صخباً وتصل في عمق تفكيرها إلى إمكانية تغيير الخرائط والمصائر والسياسات، وصولاً لقيادة التحوّلات، تحت لافتة «المصلحة الأميركية المطلقة... ومن بعدي الطوفان».

9 مارس 2025

5 مارس 2025

سببان رئيسيان يجعلان من «ترامب الثاني» أخطر بأشواط من «ترامب الأول»:

• أولهما الرغبة في الانتقام من الخصوم في الداخل الأميركي، الذين شمتوا بخسارته الانتخابات أمام جو بايدن في 2020، ويعتبر أنهم قاموا بتصفية الحساب عبر تشويه صورته، وملاحقته قضائياً، في ما كان يسميه «مطاردة الساحرات».

• ثانيهما أن الخبرة التي اكتسبها خلال السنوات الأربع التي قضاها خارج البيت الأبيض، أكسبته فهماً عميقاً لما هو ممكن وما هو مستحيل، وأضافت إلى مهاراته التفاوضية «فنوناً جديدة»، وجعلته نسخة غير مسبوقة لرجل يقود أقوى قوة في العالم بعقلية «ملك الصفقات».

يتحرك ترامب كـ «فيل في متحف خزف» يرغب بالخروج من الخطوط المُحدّدة سلفاً، مُطيحاً أعرافاً دولية وقانونية، ومُحاولاً إسقاط خصوم بضربات «الصدمة»، وزارعاً بذور حرب تجارية كبرى على مستوى العالم، تشمل حتى الأوروبيين، أقرب الحلفاء التاريخيين.

لدى الرئيس، المُنخرط بعمق في نظرية التفوق الأميركي المُطلق على العالم، الكثير من الكُره للأوروبيين، منذ ولايته الأولى. يعتبر أنهم لا يُنفقون في «الناتو» بطريقة عادلة ويعتمدون على أميركا كـ«درع دفاعيّ»، وسياراتهم تُغرق شوارع أميركا فيما السيارات الأميركية مُكدّسة في المصانع والشركات ويميل الميزان التجاري لصالحهم (أوروبا تُصدّر لأميركا سنوياً نحو 500 مليار يورو فيما تستورد بنحو 350 مليار يورو).

في التعامل مع «السبب الدفاعي»، يتجه ترامب إلى «اللعب» بأمن الأوروبيين من خلال إبرام «تسوية - صفقة» مع روسيا لحرب أوكرانيا، يكونون مُلحقين بها وليسوا صانعين لها. أما تجارياً، فالأمر بسيط: الرسوم التجارية جاهزة وقطارها يسير بلا عقبات.

ولأن قرارات الولاية الثانية ستُحدث «ضرراً لا يمكن إصلاحه» بخلاف قرارات الولاية الأولى التي تم بالفعل إصلاح جزء منها، فإن أي خطوة دراماتيكية من ترامب بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي ستكون أكبر نقطة تحوّل في العالم، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

ومع «احتضانه» روسيا وعزمه الثابت على خوض الحرب التجارية معهم، يجد الأوروبيون أنفسهم أمام خيار وحيد: الصين.

صحيح أن العلاقة بين الجانبين مُعقّدة وهناك فجوة في الميزان التجاري لصالح الصين، لكن ألمانيا، العمود الفقري الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، ترى أن العلاقة مع الصين يجب أن تكون استراتيجية وعلى قاعدة «رابح - رابح»، سواء في السياسة أو الاقتصاد.

كما أن فرنسا، ثاني أهم دولة في الاتحاد بعد ألمانيا، بدأت مساراً جديداً مع الصين منذ منتصف 2024، مع الزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جينبينغ إليها، ضمن جولة أوروبية.

في الجانب الآخر، أيضاً، تفتح الصين ذراعيها لأوروبا، وتنظر إليها باعتبارها «شريكاً استراتيجياً شاملاً وركيزة مهمة ومستقلة في العالم متعدد الأقطاب»، بحسب تصريحات رسمية.

هكذا، يرمي ترامب أوروبا في أحضان «التنين» الصيني، ولا يترك لها خياراً آخر، فهو يستقطب روسيا لأسباب كثيرة، أحدها أنه يعتبر أن تحييدها عن المواجهة الكبرى مع الصين، سيكون في صالح الولايات المتحدة.

هناك من يهمِس من الخبثاء أن تسوية حرب أوكرانيا أُنجزت منذ ما قبل تولي ترامب الرئاسة، تحديداً منذ 8 ديسمبر الماضي عندما جاء «الضوء الأخضر» من موسكو بإسقاط نظام بشار الأسد، الذي بات «عبئاً ثقيلاً»، ولم يستوعب معنى الطلبات الروسية المتكرّرة بضرورة الانفتاح على تركيا، الدولة «الأطلسية» التي كانت مؤهلة بقوة للوساطة في حرب أوكرانيا.

إذا كان ترامب يرى روسيا «خصماً مُحيّداً»، والصين «خصماً استراتيجياً»، وأوروبا «حليفاً مُكلفاً وكسولاً»، فإنه قد يعيد تشكيل خريطة العالم السياسية، ليس فقط خلال السنوات الأربع من ولايته، وإنما ربما لعقود طويلة مقبلة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق