محليات
0

القاهرة - قنا
تخيم الأجواء الروحانية على المساجد في مصر، خلال شهر رمضان المبارك، لا سيما في مدينة القاهرة التاريخية، وفي القلب منها مسجد عمرو بن العاص الذي أنشئ في عام 21 هـ (الموافق لعام 641م)، على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص، رضي الله عنه، تزامنا مع دخول الجيش الإسلامي الفاتح إلى مصر، وإنشائه مدينة الفسطاط (الاسم القديم لمدينة القاهرة).
وعلى مر التاريخ، ظل مسجد عمرو بن العاص حاضرا بقوة كمنارة لنشر الدين والحفاظ على الهوية من قلب عواصم مصر الإسلامية التي بدأت بالفسطاط، وصولا إلى القاهرة "مدينة الألف مئذنة" التي فاحت فيها وفي أنحاء البلاد روائح الإسلام من قلب هذا الجامع العريق الذي يعد مقصدا للآلاف من المصلين والزائرين للصلاة فيه، والاستمتاع بروعة بنائه، حيث ظل منذ إنشائه من بين أكثر المساجد استقبالا للمصلين من المصريين والطلاب الأجانب الوافدين.
وفي شهر رمضان الفضيل، يكتسب المسجد أهمية خاصة، ومكانة كبيرة، ليس فقط في قلوب المصريين، بل في قلوب العرب والمسلمين، حيث يقصده عدد كبير من الذين يحرصون على زيارة مصر في شهر رمضان خصيصا، لأداء صلاة التراويح في رحابه، والذين لا يسعهم في بعض الأحيان، فيضطرون لافتراش الأرض من حوله، رغم ما يتمتع به المسجد من مساحة كبيرة تبلغ 28500 متر مسطح، منها 13200 متر أروقة للصلاة، إلى جانب ساحات خارجية.
وعلى مر العصور، احتضن مسجد عمرو بن العاص دروسا لعلماء أجلاء، من أبرزهم الإمام الشافعي، والليث بن سعد، وأبو طاهر السلفي، كما خطب فيه العز بن عبدالسلام، وانعقدت فيه حلقات علم، وتميز كذلك بتقديم حلقة درس ووعظ للسيدات، وكانت تقوم عليها إحدى النساء الشهيرات في زمانها، وهي أم الخير الحجازية عام 415 هـ، كما كانت به مدرسة لتعليم القرآن الكريم وباقي العلوم.
وإلى جانب كونه مسجدا، كان الجامع مقرا للوالي الذي كان يجتمع فيه مع قواته، كما كانت تقام فيه المحاكمات للفصل بين الرعية، إضافة إلى انعقاد دروس العلم بداخله، حيث كان المسجد ولا يزال مركزا مهما للتعليم والثقافة في مصر منذ العصر المبكر لدخول الإسلام إلى مصر، وتنوعت تلك الدروس لتشمل تعليم القرآن الكريم وتفسيره، والحديث النبوي الشريف، والفقه الإسلامي، واللغة العربية، فضلا عن علوم الرياضيات والفلك، حيث سبق الأزهر الشريف في ذلك بأكثر من خمسة قرون.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور جمال عبدالحي النجار أستاذ الإعلام الإسلامي في جامعة الأزهر الشريف، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن بناء مسجد عمرو بن العاص كان بمثابة تأسيس لحقبة جديدة، تفتح فيها أبواب العدل، وتغلق فيها أبواب الظلم، في ظل شريعة الإسلام التي لا تفرق في الحقوق بين الناس جميعا، وتجلى ذلك العدل عندما أراد عمرو بن العاص، رضي الله عنه، توسيع المسجد، فطالت التوسعة قطعة أرض لامرأة مسيحية، فاشتكت المرأة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في المدينة المنورة، فكتب أمير المؤمنين رسالة لعمرو بن العاص، جاء فيها: "أكسرى أعدل منك؟!.. والسلام على من اتبع الهدى"، فلما قرأ عمرو بن العاص، الرسالة تغير لون وجهه، وارتعشت قدماه، وبكى، ثم قال للمرأة: "جئت الجامع لأصلي، فلو شئت أمهلتيني أصلي، ثم أهدم المسجد في الجزء الخاص بك، ولو شئت بدأت في هدمه الآن"، فذهلت المرأة مما سمعت وقالت له: "بل صل"، فلما فرغ من صلاته أعطاها، رضي الله عنه، أرضها كاملة.
وأضاف أن جامع عمرو بن العاص، له أسماء أخرى اشتهر بها، في حقب زمنية مختلفة؛ مثل "تاج الجوامع" و"المسجد العتيق" و"مسجد الفتح"، مبينا أن المسجد شهد العديد من التوسيعات والإصلاحات على مر العصور؛ ففي عام 53 هـ (672م)، قام مسلمة بن مخلد الأنصاري، رضي الله عنه، والي مصر من قبل معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهما، بتوسيع المسجد وإضافة أربع مآذن إليه.
وأشار النجار إلى أنه في عام 564 هـ، خاف الوزير شاور بن مجير السعدي، وزير الخليفة الفاطمي، من احتلال الصليبيين لمدينة الفسطاط، بعد أن عجز عن الدفاع عنها، فعمد إلى إشعال النيران فيها، ما أدى إلى احتراق المسجد ودمار أجزاء كبيرة منه، غير أنه لم يندثر بشكل كامل، ما سمح لصلاح الدين الأيوبي، أن يعيد إعماره من جديد، عام 568 هـ؛ حيث قام ببناء الجامع والمحراب الكبير الذي كسي بالرخام، ونقش عليه نقوشا من بينها اسمه.
وفي ذات الإطار، قال الشيخ ضاحي محمد عبدالغني، وهو أحد علماء وزارة الأوقاف، في تصريح مماثل لـ"قنا" إن جامع عمرو بن العاص، يعد واحدا من أهم المعالم التاريخية في مصر، ويجذب العديد من الزوار من مختلف أنحاء العالم، وإن تصميمه، الذي شارك فيه عدد كبير من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان على غرار تصميم المسجد النبوي، في المدينة المنورة، مبينا أن ثمانين رجلا من أصحاب الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وقفوا على إقامة قبلته وتحديد اتجاهها.
وأضاف أن وزارة الأوقاف دائما ما تعد برنامجا خاصا للمساجد الكبرى، والمساجد الحاصلة على الجودة، خلال شهر رمضان، وبالأخص الليالي العشر الأواخر منه، ومن أهمها، مسجد عمرو بن العاص، الذي يقصده الآلاف لأداء صلاة العشاء والتراويح، فضلا عن صلاة التهجد، وصلاة الجمعة، مشيرا إلى أن الناس يقصدونه نظرا لما يجدونه فيه من إيمانيات، وخشوع، يخرج نفوسهم من ضيق الدنيا إلى واسع رحمة الله ومغفرته.
كما لفت إلى أن المسجد يعد في الفترة الحالية قلعة للثقافة والدعوة، من خلال الأنشطة المتعددة داخله، أو من خلال الأنشطة الاجتماعية التي ينفذها في محيطه، مثل حلقات تلاوة القرآن الكريم، ولجنة الزكاة، وفصول التقوية، وغيرها من الأنشطة التي تدعم صلة المجتمع المسلم بهذا المسجد الذي ظل منارة مشعة عبر مختلف العصور.
اقرأ المزيد
مساحة إعلانية
0 تعليق