المملكة المتحدة تحتفي بالشهر الفضيل شعبياً ورسمياً.. «البلد الأم» ثقافات متنوعة تندمج معاً في رمضان

العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رمضان يسهم في تعزيز التفاهم الثقافي بين مختلف شرائح المجتمع البريطاني
المحلات الكبرى تُعيد ترتيب أقسامها لتسهيل الوصول إلى المنتجات الرمضانية
تنظيم أسواق رمضانية مؤقتة لبيع الأطعمة التقليدية والحلويات والمنتجات الثقافية
موائد الإفطار تشهد أطباقًا تقليدية تعكس التنوع كالحريرة المغربية والسمبوسة
قلعة وندسور الملكية تقيم إفطارًا جماعيًا غير مسبوق هذا العام ورفع الأذان داخل القصر

 

المملكة المتحدة هي «البلد الأم» (The Mother Country)، والتي تمثل رمزًا تاريخيًا وثقافيًا عريقًا ليس فقط في القارة الأوروبية، بل على مستوى العالم. وتتمتع بريطانيا بمزيج من الثقافات المتنوعة التي تتكامل معًا في نسيج متجانس ومترابط، وعلى الرغم من أن المسلمين لا يمثلون الأغلبية في هذا البلد العريق، فإنهم يتمكنون من الحفاظ على تقاليدهم وتراثهم الروحي والإيماني، خاصة في شهر رمضان الفضيل.  
ويُسهم رمضان في تعزيز التفاهم الثقافي بين مختلف شرائح المجتمع البريطاني، مما يجعله نموذجًا للتعددية الثقافية. ومع ذلك، ينجح المسلمون في تحقيق التوازن بين الاحتفالات والروحانيات من جهة، وطبيعة المجتمع وثقافته من جهة أخرى.  

ويوجد في بريطانيا حوالي 3.9 مليون مسلم وفقًا لتقديرات عام 2021، أي ما يشكل حوالي 6.5% من السكان. وتتميز الجالية المسلمة بالتنوع الثقافي، حيث تجتمع ثقافات مختلفة من جنوب آسيا (مثل باكستان وبنغلاديش والهند)، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وشرق آسيا، بالإضافة إلى المسلمين البريطانيين المحليين. وينعكس هذا التنوع في الطقوس والعادات الرمضانية.
يبدأ الاستعداد لشهر رمضان في بريطانيا قبل الإعلان عن رؤية الهلال، خاصة في المحلات والمتاجر التي تستهدف المسلمين، حيث تبدأ تلك المحلات في تخزين المواد الغذائية الأساسية مثل التمور والأجبان والفواكه قبل الشهر بأسابيع.  

20250317_1742239061-973.jpg?1742239062
وتُعيد بعض المحلات الكبرى، مثل Tesco وSainsbury›s، ترتيب أقسامها لتسهيل الوصول إلى المنتجات الرمضانية، وتُقدم عروضًا خاصة لجذب المستهلكين. وتشهد هذه المتاجر إقبالًا كبيرًا على المنتجات الرمضانية، حيث تُخصص أقسامًا خاصة للمواد الغذائية مثل التمور والتوابل والحلويات الشرقية. ويعكس هذا الاهتمام التجاري الأهمية الاقتصادية لرمضان في بريطانيا.  
ومن مظاهر الأجواء الاحتفالية أيضًا إقامة أسواق رمضانية مؤقتة لبيع الأطعمة التقليدية والحلويات والمنتجات الثقافية، مثل الملابس التقليدية والزينة الرمضانية.  
وتُعد هذه الأسواق نقطة جذب للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء، وتُقام في المدن الكبرى مثل لندن ومانشستر وبيرمنغهام.  
وتُقام بازارات رمضانية، مثل تلك الموجودة في سيرك بيكاديللي بلندن، لبيع المنتجات الرمضانية والأطعمة التقليدية.  
كما تُنظم العديد من المطاعم الإسلامية عروضًا خاصة خلال رمضان، مثل قوائم إفطار وسحور بأسعار مخفضة، مما يُعزز الأجواء الاجتماعية.
أما على المستوى الأسري، فإن العائلات تحرص على توفير كافة مستلزمات المائدة خلال الشهر الفضيل، كما تضع معظمها خططًا لتنظيم تجمعات الإفطار، سواء في المنازل أو في إفطارات جماعية خارجية.  
وتُشجع على زيادة الأعمال الخيرية، مثل توزيع الصدقات وإخراج زكاة الفطر، مما يُعزز الروابط الأسرية والمجتمعية.  
ومع بدء الشهر الفضيل، تُنظم التجمعات العائلية يوميًا لتناول الإفطار معًا، وغالبًا ما تتضمن المائدة أطباقًا تقليدية تعكس التنوع الثقافي، مثل التمور والشوربة (كالحريرة المغربية أو العدس الهندي)، والسمبوسة، والأرز بالتوابل.  
وبعد الإفطار، تكثر الزيارات بين العائلات والأصدقاء، وتُعد هذه الزيارات وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية، كما يتبادل الجيران الدعوات لتناول الحلويات أو حضور جلسات دينية.  
وتُعد بريطانيا مثل غيرها من الدول التي تُنشط فيها الجمعيات الخيرية خلال الشهر الفضيل، ومن أشهر هذه الجمعيات مؤسسة الإغاثة الإسلامية ومؤسسة «الإفطار المفتوح». وتستعد هذه المؤسسات قبل الشهر الفضيل بأسابيع، وتُطلق حملات لجمع التبرعات لتوزيع وجبات الإفطار على المحتاجين.  
وتُنظم العديد من الجامعات والمؤسسات العامة فعاليات رمضانية، مثل «خيمة رمضان» التي أُقيمت في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، وشهدت دعوة المشردين وأتباع الأديان الأخرى لتناول الإفطار والمشاركة في الفعاليات.  
وتُعد هذه المبادرات من أبرز العوامل التي تعزز التفاهم المتبادل وتُبرز التنوع الثقافي في بريطانيا.  
وتلعب المساجد دورًا مركزيًا في رمضان، حيث تُنظم فعاليات دينية مثل تلاوة القرآن الكريم والمحاضرات الدينية وجلسات الذكر.  
ومن أبرز المساجد التي تشهد إقبالًا كبيرًا: مسجد شرق لندن، ومسجد المدينة في ليفربول، ومسجد بيرمنغهام المركزي.
 ويُعد مسجد شرق لندن، على سبيل المثال، من المساجد التي تتسع لآلاف المصلين وتُنظم فعاليات خاصة خلال الشهر.  
كما تُنظم العديد من المساجد جلسات إفطار جماعي يومية، يجتمع فيها المسلمون لتناول الإفطار معًا، وهي فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية. وغالبًا ما تكون هذه الإفطارات مفتوحة للجميع، بما في ذلك غير المسلمين، مما يعزز التفاهم بين الثقافات.

مشاركة رسمية
تُعكس المشاركة الرسمية في بريطانيا خلال شهر رمضان التنوع الثقافي والديني في هذا المجتمع الغربي، حيث تُقام فعاليات رسمية برعاية السلطات المحلية، مثل إفطارات جماعية في أماكن بارزة.  
وشهدت قلعة وندسور الملكية، وهي إحدى مساكن العائلة المالكة، إفطارًا جماعيًا غير مسبوق هذا العام، ورُفع الأذان داخل القصر لأول مرة في تاريخه الممتد لأكثر من ألف عام، بحضور مئات الأشخاص من مختلف الأديان والثقافات. وتُظهر هذه الفعالية دعمًا رسميًا لتعزيز الاندماج والتضامن.  
وفي لندن، نظمت السلطات، بقيادة شخصيات مثل عمدة لندن، احتفالات علنية تشمل إضاءة زينة رمضان في شوارع رئيسية مثل ميدان ليستر سكوير ومناطق الوست إند. وهذه الفعالية، التي بدأت في السنوات الأخيرة، تُعتبر رمزًا للاحتفاء بالتنوع الثقافي، وتُعد لندن أول عاصمة غربية تتبنى هذا التقليد بشكل رسمي.  
وتتخذ الحكومة البريطانية تدابير رسمية لتوفير الحماية للمساجد وأماكن العبادة خلال رمضان، وذلك من خلال تخصيص ميزانيات لتعزيز الأمن، خاصة في ظل التهديدات المحتملة. وتأتي هذه الإجراءات في إطار التزام الحكومة بحماية حرية العبادة.  
كما يشارك مسؤولون بارزون، مثل رئيس الوزراء وزعيم المعارضة، في تهنئة المسلمين بحلول شهر رمضان، وأحيانًا يحضرون إفطارات جماعية أو فعاليات رسمية. وتُظهر هذه المشاركة دعمًا سياسيًا للمجتمع المسلم وتساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي.  
أما على المستوى الإعلامي، فتشارك وسائل الإعلام الرسمية في الاحتفاء برمضان، حيث تبث القناة الرابعة البريطانية برامج خاصة، مثل بث أذان الفجر طوال الشهر، وعرض برامج تعريفية تهدف إلى توعية الجمهور البريطاني بأهمية رمضان وتعزيز الصورة الإيجابية عن الإسلام.  
وعلى المستوى الرياضي، فإن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم يشارك من خلال قرار إيقاف مباريات الدوري عند أذان المغرب لتمكين اللاعبين المسلمين من الإفطار، وهو ما يُعد خطوة رمزية لدعم التنوع الديني في المجال الرياضي.
تُظهر وسائل الإعلام البريطانية اهتمامًا متزايدًا بشهر رمضان، حيث تبث قنوات مثل «القناة الرابعة» أفلامًا وثائقية عن تجارب المسلمين في بريطانيا خلال الشهر، مثل استكشاف كيفية التوفيق بين الصيام والحياة اليومية، والآثار الروحية والجسدية للصيام. وتُساعد هذه التغطية على نشر الوعي حول رمضان بين غير المسلمين.  
وفي بعض المدن، يتم إطلاق محطات إذاعية مؤقتة خلال رمضان، مثل «راديو رمضان»، التي تبث برامج دينية وثقافية وترفيهية تستهدف الجالية المسلمة، مما يُعزز الأجواء الرمضانية. ومؤخرًا، بدأت بعض المدن الكبرى، مثل لندن، في الاحتفال برمضان على المستوى العام، حيث تُضاء أنوار الزينة في شوارع مثل شارع أكسفورد، وتُنظم فعاليات ثقافية تحت شعار «رمضان مفتوح»، مما يُعزز الاندماج الثقافي.
تتميز الطقوس الرمضانية في بريطانيا بتنوعها بسبب التنوع الكبير في الجاليات المسلمة، حيث تختلف الطقوس حسب الخلفية الثقافية. فالجالية العربية، على سبيل المثال، تُركز على إحياء التقاليد العربية مثل تحضير الحلويات التقليدية (كالقطايف والكنافة)، وتنظيم فعاليات ثقافية تعكس التراث العربي.  
أما جالية جنوب آسيا، فتشتهر بإقامة إفطارات جماعية كبيرة تتضمن أطباقًا مثل البرياني والنيهاري، بالإضافة إلى تنظيم جلسات قراءة القرآن الكريم في المنازل.  
وتُضفي الجالية الأفريقية لمساتها الخاصة من خلال الأطباق التقليدية مثل الفول والساموسا، مع التركيز على الجلسات الدينية والترانيم الإسلامية.  
ورمضان في المملكة المتحدة ليس حدثًا مقتصرًا على المسلمين فقط، بل هو فرصة للتفاعل بين مختلف الأديان والثقافات.  
ويشارك العديد من غير المسلمين في المملكة المتحدة في فعاليات رمضان، سواء من خلال تجربة الصيام ليوم واحد تضامنًا مع زملائهم المسلمين، أو حضور الإفطارات الجماعية. وتُعزز هذه المشاركة روح التسامح والاحترام المتبادل.  
وقد تصل فترة الصيام في رمضان إلى 18 ساعة في بعض السنوات، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا أمام المسلمين. وتُجرى استعدادات لتسهيل الصيام، مثل تخزين المياه والتمور، وتنظيم أوقات النوم والعمل.  
كما تُقدم الجامعات والمدارس تسهيلات للطلاب المسلمين، مثل توفير أماكن للصلاة أو تعديل مواعيد الامتحانات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق