عندما أصدر المغفور له الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، قانون "التأمينات الاجتماعية" بالأمر الأميري رقم 61 لسنة 1976، وقد كلف سموه، حينها، الاستاذ حمد الجوعان، رحمه الله، بصياغة المشروع.
وضمن مواد القانون جاءت المادة 80 التي تجيز لمجلس الوزراء منح معاشات، او مكافآت، استثنائية للمؤمن عليهم، واصحاب المعاشات او المستحقين عنهم، او لغيرهم من الكويتيين، ولو كانوا من غير الخاضعين لاحكام هذا القانون.
فالغاية من وضع هذه المادة في القانون هي ترك مساحة لمجلس الوزراء لتقدير حالات معينة، قد لا تكون خاضعة لقانون "التأمينات" ما يستدعي تدخل السلطة إنسانيا، وهذا صحيح ومنطقي.
وكان التعامل مع هذه المادة بحذر، ولم تستعمل الا في حالات قليلة، ممن كانت ظروف تقاعدهم لا تسعفهم بالحصول على معاش تقاعدي، إما بسبب قصر مدة خدمتهم او لاسباب اخرى.
وكان صرف المعاش التقاعدي وفق شرائح يضعها مجلس ادارة المؤسسة، لكن، للأسف، ومن واقع الارقام المخيفة المنشورة في الصحافة فإن المادة 80 قد أسيء استخدامها خلافا للغرض النبيل، ولاغراض بعيدة عن الغاية التي وضعت من اجلها، فأضحت في السنوات الاخيرة وسيلة لغايات غير نبيلة، ولا تحقق العدالة والمساواة التي حرص عليها الدستور والمبادئ العامة، واضحت مادة للتكسب من دون وجه حق على حساب المال العام! وعبئا على ميزانية الدولة.
والارقام التي صرفت حتى اليوم مخيفة، وغير متخيلة، اذ بلغت عشرات الملايين من الدنانير، يستفيد منها عدد محدود، ووظائف في جهات معينة في الدولة، ما سبب امتعاضاً لدى غالبية المواطنين عموما بعدم وجود عدالة في التطبيق؟
ويبدو، ان الحكومة، استشعرت الحرج اخيراً من التكلفة المالية التي صارت عبئاً ثقيلاً على الميزانية، فأرادت ان تصحح خطأ ما اقترفته الحكومات السابقة، فصدمت برأي الفتوى التي لا تجيز المساس بهذه المعاشات الاستثنائية، كونها حقا مكتسباً لمن صرفت له!
رغم الاسباب التي قام عليها هذا الرأي فإننا نختلف معه، ذلك ان الصالح العام يسمح، بل يدعو الى تطبيق رؤية الدولة الجديدة على المعاشات الاستثنائية.
فالصالح العام يتسع ما دام هناك ضرر قد لحق بالميزانية، واصبح التدخل الجراحي واجبا ومستحقا "والضرر يُزال".
وزيرة المالية كشفت عن جداول مخيفة وارقام هائلة تئن منها ميزانية الدولة، وآن الآوان لتصحيح هذا الوضع الخاطئ أساسا.
ونؤيد ما تذهب اليه الدولة في هذا الاتجاه، والغاء كل ما زاد على المعاش، الذي كان يستحقه المتقاعد مع نسبة لا تزيد على 25 في المئة، واعادة النظر في المعاشات التقاعدية عموماً للمواطنين، بحيث لا تخل بالعدالة والمساواة، وهو ما حرص عليه الدستور، وقواعد الشريعة والمبادئ العامة.
كما نقترح الابقاء على فكرة المادة، واعادة صياغتها بضوابط.
فأولا على كل طالب معاش ان يتقدم بطلب الى مجلس ادارة مؤسسة "التأمينات" ويبحث المجلس الطلب ويصدر توصية مسببة، وفق شريحة معينة، ثم يرفع توصيته الى مجلس الوزراء للموافقة او الرفض.
وثانيا لا يجوز الجمع بين المعاش التقاعدي وأي راتب، اذا ما اعيد للخدمة، وفي هذه الحالة يستفيد الافضل منهما.
وثالثا لا يستفيد من المعاش الاستثنائي الا صاحبه، دون ان ينتقل الى ورثته.
ورابعا يجيز لمجلس الوزراء، ولظرف معين، وحالات خاصة منح معاش استثنائي بنسبة معينة، لا تخل بميزان العدالة وتكافؤ الفرص، ولا تستغل لاغراض سياسية.
الموضوع ليس هيناً لانه يمس شرائح نافذة في المجتمع، اعتادت على مستوى معين من الدخل، وقد تواجه الوزيرة بعض الصعوبات، وهذا امر غير مستغرب، لكن بفضل الله ودعم القيادة السياسية، سيتخذ القرار الصائب والاصوب، بما يصب في صالح الجماعة والمجتمع، ويحقق العدالة بين افراده دون إفراط او تفريط.
وأي تعديلات ترد على نظام المعاشات الاستثنائية القائمة سوف لا تمس ما صرف منها في الماضي، وسوف تخاطب المستقبل فقط.
هذا هو التطبيق السليم للقواعد الجديدة المقترحة باعتبارها ذات أثر مباشر على المراكز القانونية القائمة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مستشار قانوني
0 تعليق