- توظيف القروض سيوجه بشكل رئيس نحو الإنفاق على المشاريع الرأسمالية
- «التمويل والسيولة» طريق حكومي باتجاه واحد من الناحية المحاسبية... وليس رفاهية
- الكويت تتمتّع بمركز مالي ومصدات اقتصادية عالية ومستوى منخفض جداً للدين
- المعيار الحقيقي لتقييم «الدّين العام يتجسد بالإنتاجية وزيادة الفوائد وانخفاض التكلفة
- الكويت لا تواجه أزمة ثروة... بل عدم كفاية مخزون السيولة المتاح لتمويل التنمية
فتح إقرار مجلس الوزراء لمشروع قانون التمويل والسيولة، بواقع 30 مليار دينار على مدى 50 عاماً، باب النقاش واسعاً أمام الاقتصاديين والمستثمرين، حول أهمية هذه الخطوة سواء على الصعيد الحكومي أو بالنسبة للقطاع الخاص، لا سيما أنها تمهد الطريق لعودة البلاد إلى أسواق الدين الدولية للمرة الأولى بعد غياب 8 سنوات، وتحديداً منذ 2017، بدلاً من الاعتماد على الاحتياطي العام في التمويل، فلماذا تقترض الكويت الغنية؟
لعل من أكثر الأسئلة شيوعاً بعد وقبل إقرار مشروع قانون «التمويل والسيولة»، ما يتعلق بأن الكويت دولة غنية لا تحتاج إلى الاقتراض، مدعومة باحتياطي أجيال قادمة يتجاوز التريليون دولار، حسب المعلومات المتداولة من المؤسسات العالمية التي ترصد الصناديق السيادية، فضلاً عن إيرادات نفطية مستمرة تكفيها لنحو 100 عام حسب الدراسات المتخصصة.
وما يزيد الحيرة في هذا الخصوص حيرة، تأكيد وكالات التصنيف على أن الكويت تتمتّع بمركز مالي ومصدات عالية بسبب قوتها الاقتصادية وامتلاكها ثروة مالية كبيرة ومستوى منخفضاً جداً للدين، لكن ما يستحق التوضيح أن الاقتراض السيادي لا يعاكس هذه الحقيقة إطلاقاً، ولا يعني بالضرورة أن الدولة تعاني من ضعف مالي، ففي حالة الكويت هناك إشكالية في عدم كفاية مخزون السيولة لتمويل القفزة التنموية المرتقبة وإطفاء العجر المالي المسجل، كما أن تكلفة الاقتراض السيادي المتوقعة أقل من عوائد الأصول السيادية، ما يجعل الميل حكومياً إلى «الدين العام» من الناحية المحاسبية طريقا باتجاه واحد وليس رفاهية.
فضلاً عن ذلك، يعد «الدين العام» بصفة عامة خطوة إيجابية ومستحقة، إلى جانب أنه معمول به في غالبية الدول المتقدمة والناشئة، ومن باب الاستدلال في الوقت الذي تعد اليابان ثالث أكبر اقتصاد عالمي بعد الصين والولايات المتحدة بجانب تقدمها التكنولوجي المعروف، يتجاوز دينها 8.4 تريليون دولار بمعدل يوازي أكثر من ضعف حجم الاقتصاد الأكبر في آسيا.
وهنا يبرز المعيار الحقيقي لتقييم «الدين العام» فكلما كان إنتاجياً زادت فوائده وقلت تكلفته، أما إذا مولت الديون السيادية الإنفاق الاستهلاكي في الميزانيات العامة تتنامى الضغوط الإضافية على الميزانية العامة، وحسب توجهات الحكومة الحالية من المقرر أن يكون الصرف تنموياً، ما يعطي الإجراء أهمية مضاعفة، ويبدد المخاوف من استغلاله في أوجه صرف غير مستحقة.
مرونة ائتمانية
ويجمع الاقتصاديون على أن من أبرز مكاسب هذا القانون أنه يسهم في زيادة مرونة التصنيف الائتماني السيادي في مواجهة مخاطر تقلبات أسعار النفط ومخاطر الانتقال بعيداً عن النفط على المدى الطويل، إضافة إلى أهميته في تعزيز ثقة المستثمرين والدائنين محلياً ودولياً، ودوره الأوسع في تطوير أسواق الدَّين، بما يُساعد القطاع الخاص في بناء منحنى عائد يستخدم كمرجعيّة في تسعير أصوله المالية الأخرى «الديون».
حماية الاقتصاد
ويمكن القول إن من أهم مكتسبات «التمويل والسيولة» أيضاً ضمان تنفيذ الاقتراض العام بطريقة لا تؤدي إلى مشاكل مالية طويلة الأمد، كما يسهم في حماية الاقتصاد الوطني من الصدمات المالية والمضاربات، فضلاً عن أنه يندرج ضمن مستهدفات الحكومة لجهة المساهمة في تنظيم مستويات السيولة، وتوطين المدخرات، ورفع قدرة الحكومة على تلبية التزاماتها التمويلية السنوات المقبلة بمصدات متنوعة.
ولعل من معززات قوة «التمويل والسيولة» ودوره الإيجابي المتوقع، بأن توظيفه يأتي بمستهدفات صحية جداً قياساً بمسارات 2017، حيث تؤكد التصريحات الرسمية وفي مقدمتها وزيرة المالية وزيرة دولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار المهندسة نورة الفصام، أن الأموال التي سيتم اقتراضها ستوظف بشكل رئيس في الإنفاق على المشاريع الرأسمالية التي ستطرحها الدولة بالشراكة مع القطاع الخاص، بما يعكس التزام الحكومة بالوصول إلى التوازن المالي من خلال تطبيق الإصلاحات المالية والاقتصادية ورفع الكفاءة الإدارية، موضحة أن «الدين العام» سيكون أداة مالية تساعد الدولة لتطوير مشاريع البنية التحتية والانفاق الرأسمالي.
ترسيخ التنمية
وبالطبع يعاكس هذا التحرك ما اقترضت الكويت من أجله خلال السنة المالية 2016-2017 نحو 8 مليارات دولار عبر إصدار سندات سيادية دولية، من أصل 10 مليارات، إضافة إلى ملياري دينار من البنوك الكويتية حيث وجهت غالبية هذه الأموال نحو سد العجز المالي في الميزانية المترتب على إنفاق غير تنموي.
كما يعول كثيراً على امتصاص هذه الديون في ترسيخ التنمية محلياً، وتطوير مشاريع البنية التحتية، بما يعزز تنافسية الكويت اقتصادياً، كما يدرج «التمويل والسيولة» ضمن خطوات الحكومة الجادة نحو استكمال منظومة إصلاح المالية العامة، وبما يضمن ديمومة المؤسسات ورفاه المواطنين.
وما يساعد الكويت أكثر على الاستفادة من «التمويل والسيولة» انخفاض مستويات دينها السيادي، فحسب تقرير سابق لوكالة التصنيف العالمية «موديز»، تشكل مستويات منخفضة عند أقل من نحو 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية السنة المالية 2023-2024، ما يجعلها بين أدنى المعدلات عالمياً، متوقعة أن تسجل الموازنة العامة للدولة عجزاً بنحو 4 - 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المالية (2024-2027).
مصدات عالية
وما يعزز أهمية إقرار «التمويل والسيولة» أن تصنيف الكويت، ونظرة الوكالات العالمية المستقبلية لقدرات الدولة المالية، يرجح الحصول على قروض سيادية بفائدة تنافسية قياساً بالمتداولة في المنطقة، فتمتع الكويت بمركز مالي ومصدات عالية مدعومة بقوتها الاقتصادية وامتلاكها ثروة مالية كبيرة ومستوى منخفضاً جداً للدين، يمثل اعتباراً إضافياً يزكّي التوجه لإصدار أدوات دين سيادية قريباً، من مكاسبها تخفيف الضغط على سيولة صندوق الاحتياطي العام الذي شارف على النفاد قبل سنوات حسب تصريحات المسؤولين وقتها.
ونتيجة لما سبق يكون إقرار قانون «التمويل والسيولة» ضرورة إصلاحية، مدفوعاً بالحاجة لتوفير التمويل اللازم للإنفاق الرأسمالي، الموجه لتمويل المشاريع ذات الأثر التنموي المدرجة في الميزانية السنوية، والمخطط أن تكون بوتيرة أسرع وبتكلفة عالية.
استغلال المساحة الإقراضية على مراحل
قالت مصادر مسؤولة لـ«الراي»، إن استغلال المساحة الإقراضية التي سيوفرها «التمويل والسيولة» سيكون على مراحل، وليس دفعة واحدة، كما سيكون الإقتراض موزعاً بين السوق المحلي والدولي وبمعدلات تضمن تنظيم مستويات السيولة في الكويت، والإقتراض بأفضل فائدة ممكنة.
وبيّنت المصادر أن حاجة الدولة التمويلية لتغطية العجز أو لتمويل التنمية، تشكل الاعتبار الحاكم في تحديد حجم إصدار الدين، الأمر الذي ستحدده حركة الاقتصاد، نمواً أو انكماشاً.
أبرز مكتسبات «الدين العام» 1 - زيادة مرونة التصنيف الائتماني السيادي2 - تعزيز ثقة المستثمرين والدائنين محلياً ودولياً3 - تطوير أسواق الدَّين وبناء منحنى عائد مرجعيّ للقطاع الخاص4 - تنفيذ الاقتراض العام بطريقة لا تؤدي إلى مشاكل مالية طويلة الأمد5 - تكلفة الاقتراض السيادي المتوقعة أقل من عوائد الأصول السيادية6 - حماية الاقتصاد الوطني من الصدمات المالية والمضاربات وتنظيم السيولة7 - رفع قدرة الحكومة على تلبية التزاماتها السنوات المقبلة بمصدات متنوعة
0 تعليق