سؤال اليوم: رجل غاب عن زوجته سنة كاملة، ثم طلقها، فهل عليها عدة، وهل العدة تعبدية أو معللة، بحيث لو كشف الطب الحديث أن الرحم ليس فيه ولد، فهل تسقط العدة؟ يجيب عن هذا السؤال فضيلة الدكتور فضل مراد أستاذ الفقه وقضاياه المعاصرة بجامعة قطر- قائلاً: العدة لا تسقط، والعدة تعبدية وهي أسباب شرعية، وهذه الأسباب الشرعية جعلها الشرع عللاً وأسبابا للتعبد، فجعل هلال رمضان للصيام، وجعل هلال شوال للفطر، وجعل طلوع الفجر للامساك، وهكذا جعل أشهر الحج، وهكذا جعل عقد البيع يُحل السلعة وتملكها، وكذلك عقد النكاح يحل المرأة وتصير زوجة.
وأضاف د. فضل مراد: هذه تسمى أسباب شرعية، والأسباب الشرعية لا يجوز تغييرها ولا تبديلها، ومن ضمن الأسباب الشرعية هو الطلاق سبب للعدة، وسبب للفرقة، فبمجرده يجب أن تعتد المرأة، كذلك تعتد المرأة من الوفاة، سواء كانت حاملا أو غير حامل، سواء كشف الطب الحديث بتطوره بأن في رحمها ولداً أو لا.
وأوضح أن هذا كله من حكم الشرع وليس من علله، وأن الأحكام تعلق على العلل وعلى الأسباب، مؤكداً أنه لا علاقة للحمل وظهوره وبراءة الرحم بالعدة، وأن المطلقة تعتد سواء أظهر لها الطب أن الرحم فيه شيء أو لا، وأن العدة على ذلك تعبدية.
وفي سؤال على موقع الشبكة الإسلامية «إسلام ويب»، جاء: أفيدونا جزاكم الله خيرا قال تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ما المقصود بثلاثة قروء هل هي ثلاث حيضات ام ثلاثة أطهار وجزاكم الله خيرا.
وجاء في الرد على السؤال:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرء في كلام العرب يقع على الحيض والطهر معاً فهو من الأسماء المشتركة. قال ثعلب: القروء: الأوقات، الواحد قرء، وقد يكون حيضاً وقد يكون طهراً، لأن كل واحد منهما يأتي لوقت. جاء في التمهيد لابن عبد البر: « قال أبو العبّاسِ أحمدُ بن يحيى ثعلبٌ: القُرُوءُ: الأوقاتُ، والواحدُ قُرءٌ، وهُو الوقتُ، وقد يكونُ حيضًا، ويكونُ طُهرًا.
وقال الخليلُ: أقرأتِ المرأةُ، إذا دنا حَيْضُها، وأقرأتِ، إذا دنا طُهْرُها، فهي مُقْرِئٌ »
وفي الحديث: «دعي الصلاة أيام أقراتك» رواه الدارقطني في السنن. أي أيام حيضك.
وقال الأعشى:
وفي كلٍ أنت جاشمُ غزوةٍ
تَشُدَّ لأقصاها عزيمَ عزائكا
مورِّثةً مالاً، وفي الحي رفعةً
لما ضاع فيها من قروء نسائكا
فالمقصود بالقروء في هذا البيت هو: الأطهار كما هو واضح.
واختلف أهل العلم في المراد بالقروء في قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة:228] فقال بعضهم: هو الحيضات وإليه ذهب أحمد وأصحاب الرأي وهو قول الخلفاء الأربعة وابن عباس وغيرهم.
وقال آخرون القروء: الطهر: وإليه ذهب الشافعي ومالك وأهل الحجاز وهو قول ابن عمر وعائشة والقاسم بن محمد وغيرهم.
والراجح أن القرء هنا هو الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم: للمرأة المستحاضة « تدع الصلاة أيام أقرائها « رواه أصحاب السنن وغيرهم، وقوله لفاطمة بنت أبي حبيش: «فَانْظُرِي إِذَا أَتَى قَُرْؤُكِ، فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ الْقَُرْءُ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقَُرْءِ إِلَى الْقَُرْءِ » رواه أحمد وغيره. وقوله صلى الله عليه وسلم «طلاق الأمة طليقتان وقرؤها حيضتان» رواه أبو داود وغيره. فالملحوظ في هذه الأحاديث الثلاثة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلق القرء إلا على الحيض ومن قواعد الأصول أن اللفظ المشترك في اللغة يكون حقيقة لغوية في قسميه فإن تكرر من الشارع إطلاقه في واحد من استعماليه تكرراً ملحوظاً صار حقيقة شرعية فيه، وألفاظ الشارع تحمل على حقيقتها الشرعية -إن وجدت - ولا يعدل بها إلى الحقيقة اللغوية أو العرفية إلا عند انعدام الحقيقة الشرعية، ينضاف إلى هذا أن العدة تتعلق بخروج شيء تعلم به براءة الرحم فوجب أن تتعلق بالحيض كوضع الحمل، فتارة تحصل العدة بوضع الحمل وتارة تحصل بما ينافيه وهو الحيض.
والله تعالى أعلم.
0 تعليق