عربي ودولي
10

❖ لندن - هويدا باز
■ دخلت الإسلام من بوابة فلسطين.. ولن أغادره أبدًا
■ هدايتي للإسلام كانت بالعقل وخضت معاركي بالإيمان
■ لُقبت بـ «أشهر امرأة في العالم الإسلامي» و«الأقرب إلى مسلمي الغرب
■ قضية فلسطين أعظم القضايا الإنسانية في العصر الحديث
■ قطر دولة مسالمة ساعدتني كثيرًا في فهم الإسلام بعمق
أكثر من اثنين وعشرين عاماً مضت على رحلة الهداية التي غيرت مجرى حياة الصحفية والكاتبة والناشطة السياسية البريطانية إيفون ريدلي. منذ أن أشرقت أنوار الإسلام في قلبها، لم تكن تلك الخطوة مجرد اعتناق لعقيدة، بل بداية لمسيرة نضال ووعي ومعركة فكرية خاضتها بلا هوادة، متحدية الصعاب والعوائق التي حاولت أن تَحُول بينها وبين طريق الحق.
توغلت ريدلي في عمق البيئة الإسلامية بكل أبعادها: الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، حتى غدت صوتاً صريحاً ومدوّياً في الدفاع عن قضايا المسلمين، ومناصرة المظلومين في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان وشينجيانغ وأوزبكستان. لم تكن مواقفها مجرد تعاطف عابر، بل التزاماً مبدئياً تُرجم عبر أقلامها ومشاركاتها في المظاهرات، حيث وقفت وجهاً لوجه أمام السياسات البريطانية والغربية تجاه الشرق الأوسط. لقّبها موقع إسلام أونلاين بـ»أشهر امرأة في العالم الإسلامي»، فيما وصفتها الصحفية البريطانية راشيل كوك بأنها «الأقرب إلى المجتمعات الإسلامية». ولم يكن ذلك إلا انعكاساً لصوت حرّ لم يساوم على المبادئ، وظل حاضراً في كل مفترق حاسم من قضايا الأمة.
في هذا الحوار، تفتح «الشرق» معها صفحة من ذاكرتها الغنية، نستعرض فيها مسيرتها نحو الهداية، ونتوقف عند أبرز محطاتها السياسية والإنسانية التي صنعت من اسمها رمزاً في سماء النضال الإعلامي.
بداية رحلة الاهتداء للإسلام
ذكرت»إيفون ريدلي» أنها عندما كانت شابة في مدينة «درهام» شمال شرق إنجلترا انضمت إلى حركة التضامن مع فلسطين وشاركت في الكثير من المظاهرات وتعرفت عن قرب على الإسلام والمسلمين، وفي يوم تواجدها في مدينة لندن أنار الله لها طريق الهداية مع عدد من الأصدقاء، وأعلنت إسلامها في 30 يونيو من عام 2003. وأخبرت عائلتها بقرارها وواجهت موقفا خطيرا جدا، حيث قالوا لها «أنتِ في عداد الأموات الآن» بعد أن أعلنت إسلامها، وانتقلت بعدها إلى قطر للإقامة بها وكان قرارا جيدا للتعرف عن قرب على الدين الإسلامي، فاجتهدت في التعرف على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واهتمت بأن تكون مسلمة صالحة بكل معنى الكلمة وتسعى إلى فهم صحيح للإسلام.
فلسطين... نبض العدل في قلب إيفون
منذ بداياتها قبل أن تعتنق الإسلام، كانت إيفون ريدلي تعتبر القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا في مسيرتها الحقوقية. شاركت في جميع المظاهرات المؤيدة لفلسطين في بريطانيا، مؤمنة بأنها تمثل جوهر العدل والحق في هذا العالم. ومع اعتناقها للإسلام، ازداد هذا الارتباط عمقًا وصدقًا، حتى أصبحت القضية الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من هويتها ونضالها. واجهت ريدلي سيلاً من الانتقادات بسبب مواقفها الجريئة من فلسطين، لكنها لم تتراجع. بل واصلت دعمها العلني والمستمر، فالتقت بالقادة الفلسطينيين، من بينهم إسماعيل هنية الذي منحها الوثيقة الدبلوماسية الفلسطينية تقديرًا لجهودها في خدمة القضية، كما زارت الرئيس الراحل ياسر عرفات أثناء حصار مدينة رام الله في عام 2010، في خطوة رمزية ضمن حملتها الانتخابية في إسكتلندا، والتي حملت البعد الإنساني لفلسطين كرسالة سياسية واضحة.
وتقول ريدلي: «قضية فلسطين ليست مجرد صراع سياسي، بل هي أعظم القضايا الإنسانية في العصر الحديث».
الشرق... بوابة الفهم الحقيقي للإسلام
في حديثها عن علاقتها بالمجتمع الإسلامي في الشرق، أكدت ريدلي أن بداياتها في بلد إسلامي كقطر ساعدتها كثيرًا في فهم الإسلام من الداخل. وهناك، اكتشفت الفرق بين قواعد الإسلام وممارسات المسلمين، وهي مسافة أدركت خطورتها بعد تجربة من المعاناة والارتباك، قبل أن تترسخ قناعتها بأن الإسلام دين متكامل، وأن الالتزام به لا يقاس بكثرة المسلمين بل بصدق الممارسة. وتقول: «تعلمت أن كثيرًا من النقد الذي يوجَّه للإسلام في الحقيقة هو نقد لسلوكيات لا تعبّر عنه.» وقد جعلتها هذه التجربة أكثر تمسكًا برسالتها في التوعية، رغم رفض كثيرين لمواقفها في القضايا الإنسانية من منطلق إسلامي. وتضيف بابتسامة: «تعلمت أن أختم كل رأي ديني بقول: والله أعلم، فذلك أصدق ما يُقال بعد اجتهاد.»
رمضان الأول... لحظة التحول الروحي
وتتحدث ريدلي بتأثر عن أول رمضان صامته بعد إسلامها، وتقول إنه كان مفصليًا في مسيرتها الروحية، خاصة أنها عاشت هذه التجربة في بلد إسلامي. عايشت أجواء الإفطار الجماعي في قناة الجزيرة، وشاركت موائد الأصدقاء، حيث أحاطها دفء الجماعة بنفحات إيمانية غامرة. «كان رمضان بوابة الصفاء النفسي... وصلت فيه إلى إسلام يقيني لا جدال فيه.»
الأسرة... بين الجفاء والدعم الصامت
لم تكن رحلة ريدلي خالية من التضحيات، فقد تبرأت عائلتها منها عقب إعلان إسلامها، وقطعت أختها جميع سبل التواصل معها. ورغم هذا الجفاء، فإن الضوء جاء من حيث كانت الروح متعلّقة: ابنتها. تقول ريدلي: «ابنتي كانت سندي، وكانت دعواتي لها أن تنال نور الإسلام». كما أن دعم المهتدين الجدد، ولقاءها بعائلات كاملة اعتنقت الإسلام، منحها دفعة قوية، وعمّق من شعورها بالانتماء. وتختم هذه القصة الشخصية بتأمل عميق: «الإسلام لا يُفرض، ولم ينجح النبي محمد ﷺ في إقناع أحب الناس إليه، عمّه أبو طالب، بدخول الإسلام. لكنه نجح في إقناع البشرية بأسرها بقيم الرحمة والعدل».
وتؤكد ريدلي أن قصتها، التي مزجت الصحافة بالإيمان، ألهمت العديد من البريطانيين وغيرهم لاعتناق الإسلام. وتقول: «الحمد لله... هذه أعظم جائزة نلتها في حياتي».
المسلمون في بريطانيا
تؤمن إيفون ريدلي أن الجالية المسلمة في بريطانيا قطعت شوطًا كبيرًا نحو التمكين، وأصبحت اليوم أكثر حضورًا وتأثيرًا في المشهد السياسي والاجتماعي والديني والثقافي. وتشير إلى أن النساء المسلمات على وجه الخصوص بدأن يفرضن وجودهن بثقة، ويعبرن عن هويتهن دون تردد، ويغتنمن كل فرصة للتأكيد على دورهن كمسلمات فاعلات في نسيج المجتمع البريطاني.
لكن ريدلي لا تُخفي قلقها على شريحة الشباب المسلمين، خاصة الذكور منهم، وتقول: «أخشى على الإخوة الشباب الذين لا تبدو لهم رؤية واضحة في دينهم، ويعيشون حالة من الارتباك إزاء أصولهم غير البريطانية التي يعتبرونها عائقًا أمام اندماجهم السياسي والاجتماعي.»
وتُرجع هذه الإشكالية إلى غياب القدوة المؤثرة في حياة هؤلاء، معتبرة أن القلة من النماذج المسلمة البريطانية لم تصل إليهم بالصورة الصحيحة. وتدعو الشباب إلى الاقتداء بسيرة النبي محمد ﷺ، خاصة في احترامه العميق للنساء، مشيرة إلى أن الإسلام لا يضع المرأة في مرتبة دون الرجل، بل يساوي بينهما في الكرامة والدور.
المرأة في الإسلام... رؤية ورسالة
من بين أبرز القضايا التي تشغل إيفون ريدلي في فهمها العميق للإسلام، تلك النظرة غير المنصفة التي يحملها بعض المسلمين تجاه النساء. وتقول: «للأسف، ما زال البعض يرفض الاعتراف بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، رغم أن سيرة النبي ﷺ تُفنّد هذا الادعاء.»
وتستشهد بالمحاربة الصحابية نسيبة بنت كعب التي خاضت غزوة أحد بشجاعة، دافعت عن النبي وتعرضت للإصابات في سبيل حمايته، دون أن تتراجع أو تتخاذل. وتتابع: «هناك من الأخوة من يرون أن النساء لا تُرى ولا تُسمع، بينما القرآن الكريم يوضح بكل صراحة أننا، نحن النساء، متساويات في الروحانيات، والقيمة، والتعليم، ولا يملك أحد أن يجادل في كلام الله.»
السياسة من بوابة القيم
لم تكتفِ ريدلي بالكتابة والتوعية، بل قررت أن تكون جزءًا من الفعل السياسي. تقول بثقة: «أنا أمارس دوري في الحياة السياسية البريطانية منذ سنوات، وشاركت في الانتخابات، وأنا اليوم عضوة في حزب ألبا الاسكتلندي». وتضيف أن عملها البرلماني يتنوع بين القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأنها تحرص على تمثيل الصوت المسلم في المحافل العامة، ليس من باب الدين فقط، بل من باب القيم الإنسانية التي ترى فيها جوهر الإسلام.
وتعرب عن رفضها القاطع للتدخلات البريطانية في شؤون الشرق الأوسط، وتنتقد التحيز الغربي في التعامل مع القضايا الإسلامية والعربية، خصوصًا القضية الفلسطينية، التي تعتبرها نموذجًا للسياسات غير المتوازنة التي تفتقر إلى العدالة والإنصاف.
اقرأ المزيد
مساحة إعلانية
0 تعليق