أطلقت جامعة قطر، بالتعاون مع وزارة البلدية، مشروعا بحثيا رائدا يهدف إلى استكشاف خفايا التربة والمياه والنباتات في دولة قطر عبر توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، سعياً لتحقيق استدامة بيئية وزراعية تتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030.
يأتي المشروع في ظل تحديات مناخية قاسية تواجهها البلاد، تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة وندرة الأمطار، مما يؤدي إلى شحّ الموارد المائية وارتفاع ملوحة التربة، ويشكل عقبة أمام تحقيق إنتاج زراعي مستدام يلبي احتياجات الأمن الغذائي للدولة.
ويقود الفريق البحثي الدكتورة نورة القحطاني، أستاذ مساعد في علوم وهندسة المواد من مركز المواد المتقدمة بجامعة قطر، ويضم نخبة من طلبة الدراسات العليا والبكالوريوس في كليتي الآداب والعلوم والهندسة، بالإضافة إلى طلبة من المدارس الثانوية ضمن برامج تدريبية تهدف إلى إشراك الشباب في البحث العلمي التطبيقي. ويتعاون الفريق مع قسم الشؤون الزراعية وإدارة البحوث الزراعية بوزارة البلدية لضمان توافق نتائج المشروع مع الخطط الوطنية.
ويعتمد المشروع البحثي على شبكة متكاملة من المجسات الميدانية التي تجمع بيانات حيّة حول رطوبة التربة ودرجة الحموضة ودرجة الحرارة ومستويات المغذيات الأساسية ومعايير جودة المياه، ثم تنقل هذه البيانات عبر وحدات تحكم ESP32 باستخدام بروتوكولات اتصال متعددة تشمل Wi‑Fi وLoRa، وبروتوكول الرسائل الخفيفة MQTT إلى مركز الرسائل في السحابة عبر خدمة Azure IoT Hub، ثم تُخزَّن البيانات المهيكلة في قاعدة بيانات Azure SQL، فيما تُحلل السلاسل الزمنية باستخدام Azure Time Series Insights. ومن ثم تُعالج البيانات عبر نماذج الانحدار الزمني للتنبؤ باحتياجات المحاصيل من الري والتسميد استناداً إلى المتغيرات المناخية، بينما تتولى الشبكات العصبية الالتفافية تحليل صور النباتات عبر خدمة Azure Custom Vision لاكتشاف الأمراض أو نقص المغذيات، ويُدمَج البُعد المكاني عبر نظم المعلومات الجغرافية GIS لتقديم توصيات زراعية دقيقة حسب الموقع الجغرافي للمزارع.
ويتيح التطبيق المحمول المصاحب للمشروع للمزارعين والخبراء متابعة مؤشرات التربة والمياه وصحة النباتات في الوقت الفعلي، مع استقبال إشعارات فورية عند اكتشاف أي تغيرات حرجة، مثل انخفاض الرطوبة أو ارتفاع الحموضة، فضلاً عن توصيات آلية لتنفيذ إجراءات مثل الري التلقائي أو توزيع المغذيات.
ويعتمد التطبيق على خدمات Azure Functions لمعالجة المنطق التشغيلي وإرسال التنبيهات، ويعرض البيانات عبر رسوم بيانية ولوحات تحكم ملونة، مع إمكانية استعراض السجلات التاريخية المخزنة في Azure SQL.
ويمثل إشراك طلبة البكالوريوس والثانوية أحد أهم ركائز المشروع، حيث يكتسب المشاركون خبرات ميدانية في تركيب المجسات وجمع العينات، ومهارات تحليل البيانات البيئية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تجربة العمل التعاوني مع خبراء أكاديميين وصناع قرار حكوميين، ما يسهم في تحفيزهم على الابتكار وحل المشكلات البيئية بأساليب تقنية متطورة.
ويواجه المشروع تحديات تقنية تتعلق بمعالجة كميات ضخمة من البيانات وضمان دقتها، إضافة إلى الحاجة إلى تدريب مكثف للباحثين والطلبة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات المعقدة. وللتغلب على ذلك، جرى التعاون مع مؤسسات دولية رائدة في مجال تحليل البيانات البيئية، وإطلاق ورش عمل وبرامج تدريبية داخلية لصقل مهارات الفريق.
ويتوقع الباحثون أن ينتج المشروع خرائط تفاعلية لتوزيع خصائص التربة وجودة المياه في مختلف مناطق الدولة، ما سيمكن الجهات المعنية من صياغة سياسات بيئية وزراعية أكثر فعالية وكفاءة، ويساهم في تقليل استهلاك المياه والأسمدة الكيميائية وزيادة إنتاجية المحاصيل بطرق مستدامة. كما أن هذه النتائج ستدعم جهود الأمن الغذائي وتطوير القطاع الزراعي والاقتصاد الأخضر في قطر، بما يتوافق مع الأهداف الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة.
0 تعليق