شفافيات
قبل سنوات عدة نشرت في جريدة "السياسة" الغراء مقالات متلاحقة حول التأثير الثقافي المتبادل بين الجاليات المقيمة في الكويت، والثقافة الكويتية المتنوعة، اجتماعيا ودينيا وسياسيا؛ وعادات وتقاليد ولهجات.
وتناولت في ما اتذكر الجاليات العربية وغير العربية، ومن بين تلك الجاليات، الجاليات السورية والمصرية والهندية واليمنية، واللبنانية.
ما كتبت عن العديد من الجاليات الأخرى؛ وقيل لي وقتها في الصحيفة هنا: إن هذه المقالات عمل تأصيلي، لم يسبقك اليه أحد؛ ففرحت كثيرا لكوني اقوم بعمل بكر ثقافي مهم يؤصل لمزيد من الكتابات والبحوث في هذا المجال.
وأعود حاليا، وعلى عجالة، فألحق بالعمل السابق هذه المقالات عن الجالية الحضرمية، التي لها ميزاتها المختلفة، حتى عن الشعب اليمني نفسه، ولها تاريخها المستقل، وثقافتها المنوعة التي اتوقع أن تثري، أيضاً، ذلك البحث السابق.
وكنت وددت ان يطبع هذا العمل في كتيب، كما طبعت مقالات المرحومين الدكتور أحمد الربعي المسماة "اربعائيات"، وكما طبعت مقالات محمد مساعد الصالح المسماة "الله بالخير". ومعنى "اربعائيات" الدكتور الربعي ما كان يكتبه دون قيود يوم الاربعاء، الذي كان نهاية الاسبوع في ما مضى؛ وهي كتابات رائعة جميلة لا مجال الآن لسرد مزاياها.
اما "الله بالخير" لمحمد مساعد الصالح، فهذه الكلمة إنما هي تحية اهل الكويت قديما، فهم يلقون التحية هكذا: "الله بالخير"، وفي كل الاوقات فيرد عليهم الآخرون: "الله بالخير" بالمثل؛ وأحيانا يردون "الله بالنور"، وقد يضيفون اليها احيانا "الله بالخير والكرامة".
لا علينا؛ ودعونا اليوم بعد هذه المقدمة التي اكلت المساحة ان نقول في شأننا الحضرمي: إن عدد ابناء الجالية اليمنية في الكويت قبل الغزو العراقي الآثم على دولة الكويت عام1990 كان أربعين الفاً -وفق ما نقل- وقيل إن عددهم اليوم على اختلاف ما يذكرنحو خمسة آلاف فرد؛ ونقل اليَّ بعض الإخوة الحضارمة ان عدد اهل حضرموت في الكويت حاليا نحو ستة الاف فرد الى سبعة الاف؛ وربما شمل العدد كل اليمنيين.
وهناك اختلاف بين الارقام المذكورة؛ وأيا ماكان الامر فعددهم قليل جدا قياسا الى تعداد الشعب اليمني؛ او حتى قياسا الى عدد افراد بعض الجاليات الأخرى كالجالية المصرية اوالسورية، او الجاليات الاسيوية من الهند وباكستان وافغانستان، او الجالية الإيرانية؛ والعبرة بالبركة والطبيعة والتعامل وليس بالكثرة؛ والله يكثركم يا الجالية اليمنية في الكويت؛ فما رأينا منكم طوال فترات وجودكم في الكويت- من قبل ومن بعد- لم نر منكم غير الامن والامان للبلاد؛ والصدق والوفاء والاخلاق الحسنة، والانضباط القانوني؛ ويعمل اهل حضرموت بالذات في الكويت في المحاسبة في كبريات الشركات الكويتية، وأمناء صناديق في القطاع الخاص؛ ومحصلين ايجارات لدى الشركات او العوايل ذات العمل التجاري الخاص؛ ويلاحظ ان هذه المهن تحتاج للدقة؛ كما تحتاج بالدرجة الاولى الى الأمانة المتناهية.
وأختم هذه المقالة السريعة بقصة حقيقية لليمنيين في الكويت حدثت ايام الاحتلال العراقي الاثم، الاولى حيث أن يمنيا كان يعمل لدى تاجر ذهب كويتي، ذهب الى دكان ذلك التاجر، ورأى افراد الجيش العراقي المجرم يحيطون بمحال الذهب بهدف سرقتها؛ فقام بمحايلتهم وانتهز غفلتهم ودخل المحل الخاص بمن كان يعمل عنده، وجمع كل الذهب في شوالات وحملها على ظهره؛ واتذكر انهم قالوا انه تظاهر بأنه يبيع أكلا، او شيئا من هذا فلم يلفت نظر الجيش العراقي، ولم يعيروا اهتماما لما يبيع.
ولما رجع التاجر بعد الغزو رجع حزينا لخسارته العظيمة بفقدان كميات الذهب التي كانت في متجره فاتصل به اليمني الذي كان يعمل عنده قبل الغزو؛وقال له:ان ذهب المحل عندي في البيت، وضعته في حفرة، ولما رجع اليمني الى الكويت اخرج ذلك الذهب، واعطاه لصاحبه كاملا غير منقوص، ورفض أخذ مكافأة على عمله ذاك فيما قيل... وللحديث بقية إن شاء الله.
كاتب كويتي
0 تعليق