أقول، الوصول إلى مرحلة الوعي بالسعي إلى تهذيب النفس والسمو إلى مكارم الأخلاق. هو بحد ذاته مرحلة وعي سامية، كما وتجدر الإشارة إلى أن مشاعر التحسر على "التأدب الزائد" تنبع من الصراع الداخلي بين تلبية توقعات المجتمع والتمسك بزمام الذات الحقيقية. فالشخص الذي يسعى للتماهي مع المعايير الاجتماعية التي تفرضها مفاهيم "الأدب" و"الاحترام"، يجد نفسه في لحظة من اللحظات محاصرا بين ما يمليه عليه الآخرون وما يستشعر به داخليا. وهذا ما يسبب الإرباك الداخلي للهوية الحقيقية والتي بدورها تفضي لعلاقات غير سوية.
عندما نحترم أنفسنا بصدق، نصبح قادرين على بناء علاقات حقيقية قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل. لكن في حال كان التركيز على "التأدب الزائد" هو ما يحركنا، فإننا بهذا المنحى نغفل عن الحقائق التي نؤمن بها ونكبت ولنقل نُجهض مشاعرنا الحقيقية. وهذا ما يؤدي في النهاية إلى الشعور بالخواء الداخلي، كما لو أن هذه الأدوات التي اخترناها لمحاكاة الآخرين أمست قيودا تكبل حريتنا. وتسرق جزءا من هويتنا. كم مرة ترددنا في إبداء آرائنا والتعبير عن مشاعرنا بصدق، كم مرة تراجعنا عن قول الحقيقة فقط لتجنب الصدام أو الحفاظ على صورة "المؤدب" في أعين الآخرين، وكم مرة جعلنا التزامنا بالأدب يُلجم رغباتنا الداخلية، ويدحضها لدرجة فقدنا جوهرنا.
القوة الحقيقية تأتي عندما نجرؤ على أن نكون نحن دون أن نضع أقنعة "الأدب الاجتماعي" التي لا تعكس حقيقتنا، والشجاعة تكمن في أن نكون صادقين مع أنفسنا، حتى لو كان ذلك يتطلب تحديا، لأن رحلة البحث عن التوازن بين التأدب الذي يفرضه الآخرون والصدق مع الذات لا شك هي رحلة طويلة وشاقة، لكنها الأسمى، لأنها رحلة تبحر في أعماق كينونتنا وصدقنا مع ذواتنا، وقدرتنا على أن نكون حقيقيين وصادقين مع أنفسنا بلا أقنعة في عالم قد يطالبنا بأن نكون صورة أخرى لا تشبهنا.
0 تعليق