لم تكن ذكرى نصف قرن على ركوب لبنان «بوسطة عين الرمانة» التي «أقلعتْ» على متنها «رسمياً» حرب الـ 15 عاماً الأهلية تشبه سابقاتها، لاسيما التي أحيتْها «بلاد الأرز» منذ خروجها من غرفة «العناية الفائقة» على حمّالة اتفاق الطائف الذي أَسْكت أفواه المدافع خريف 1990.
فـ 13 ابريل 1975 تاريخٌ أطفأ لبنان شمعته 49 عاماً قبل اليوم وبينها 34 مرة (حتى 2024) بعدما خلع الوطن الصغير عنه «المرقّط» وخرج من تحت الرماد وانطلق في سفينة السِلْم «الرمادي»، ولكنه في 2025 حلّ بمزيجٍ من مخاوف تُثْقِله من إمكان استعادة لعبة الخنادق والمتاريس وخطوط التماس، وآمال تسكنه بأن يكون النفقُ الأخطَر الذي يمرّ به منذ ما بعد الحرب الممرّ الأخير نحو استقرارٍ مستدام لا يكون إلا على قاعدة بناء الدولة بمقوماتها البديهية التي يتمحور «ألف بائها» حول احتكارها حمل السلاح وبسط سيادتها لوحدها وبقواها الشرعية دون سواها على كامل أراضيها.
وفي الوقت الذي كان العالم مشدوداً إلى محادثات «الغرف المنفصلة» في عُمان بين الولايات المتحدة وإيران بوصْفها ستحدد مصيرَ إعادةَ تشكيلَ المنطقة – وفق المسار الذي بدأ ولا يمكن إعادة عقارب ساعته الى الوراء – وهل يُستكمل على البارد أم يتطلّب «عملية قيصرية» تطول طهران، استعاد لبنان الذكرى المشؤومة لحربه الأهلية مستعيداً العِبر منها ومُسْقطاً على الحاضر «الدقيق» جوانب من مسبّباتها، أو «الخواصر الرخوة» التي أتاحت اندلاع «حرب الآخرين على أرضنا»، من واقع «بيت بمنازل كثيرة» والتناقضات الداخلية التي تسهل «اللعب عليها» وتحويلها شراراتٍ تشتعل بالبلاد ومَن فيها، إلى الاختلالات في التوازنات والاعتلالات في النظام التي تستولد «لحظاتٍ تخلٍّ» ربما تساوت فيها كل المكوّنات، في حقبة وأخرى.
وكما كان السلاح (الفلسطيني) الصاعقَ الذي فجّر صِداماً مروعاً كانت كل مكوّناتها الداخلية جاهزة وأذْكته لعبة مصالح خارجية حوّلت لبنان «ملعب نار» بالأصالة والوكالة عن أطراف إقليميين وأرضاً لِما بدا وكأنه «مجموعة حروب في حربٍ» ربط بينها العامل الفلسطيني (السلاح والصراع العربي – الاسرائيلي وقضية فلسطين)، فإنّ السلاح وبعد 50 عاماً مازال الفتيل الذي يَخشى البعض أن يُعيد «بلاد الأرز» في الزمن وإلى زَمَنٍ اعتقد اللبنانيون أنهم «وَضعوا حَجَراً فوقه» وحَجَروا على ويلاته وكوابيسه.
وهذا الزمن استعيدَ من بابِ التحذيرِ الرسمي من عدم مراعاة أو تَفَهُّم حساسية وخصوصية الوضع اللبناني في الطريق إلى سحْب سلاح «حزب الله»، الذي انفجر بالحزب والبلاد حين تفرَّد باقتيادها إلى فوهة بركان غزة، وإن حاذَرَ كثيرون الإفراطَ في الخوف الذي يكبّل الأيدي أو يوجِد «حواجزَ نفسيةً» وتنفيذيةً أمام إنجاز مَهمة تشكل أولوية لبنانية وعربية ودولية لجهة إنهاء وضعية الترسانة العسكرية للحزب خارج الدولة، بوصفها «الطريق المختصر» لوقف الحرب الاسرائيلية المستمرّة حتى بعد إعلان وقف النار والتي تعلن تل ابيب أنها ستمضي بها حتى ضمان ما تَعتبره شرطاً رئيسياً في اتفاق 27 نوفمبر وهو تفكيك البنية التسليحية لحزب الله في كل لبنان.
وإذ يتحضّر رئيسُ الجمهورية العماد جوزف عون الذي أطلّ مساء أمس على اللبنانيين في كلمةٍ بذكرى 50 عاماً على حرب 13 ابريل 1975، لرعاية حوارٍ ثنائي مع «حزب الله» ينظّم مسألة سحب السلاح ضمن مهلةٍ زمنية محددة تمهيداً لوضع إطار ناظم لـ «إستراتيحية أمن وطني»، أجرى رئيس الحكومة نواف سلام الذي يشارك اليوم في وقفة صامتة في «ساحة الشهداء» (بالتوازي مع دقيقة صمت في كل لبنان) مقاربةً لهذه المحطة تضمّنت مقارَنةً بينها وبين واقع لبنان اليوم من «البوابة الأم» التي سمحت بتسلُّل «إعصار النار» قبل 50 عاماً، وكيفية تدارُك تكرار «اللعب بالنار».
فسلام اعتبر «ان الدرس الأهمّ من المراجعة انه مهما تباينت الآراء وتضاربت في أسباب الحرب التي اندلعت عام 1975، فهي كلها تتقاطع عند مسألة غياب الدولة او عجزها، فالقول عشية الانفجار الكبير بالغبن والحرمان من جهة، او الخوف على الوجود والقلق على الهوية من جهة أخرى، أسباب تعود كلها الى قصور الدولة في تأمين شروط المساواة وتحقيق العدل بين أبنائها وتوفير الامن لهم وضمان المصير. وحتى القول بتغليب دور العوامل الإقليمية والدولية في تفسير جذور الازمة او مساراتها فهو يرجع الى فشل الدولة في تحصين الاستقلال والحفاظ على السيادة، فراح كل فريق يعقد التحالفات الخارجية ويستقدم السلاح ويستنجد بالدول الأجنبية وجيوشها اذ لا دولة عنده تبعث بالثقة او توحي بالاطمئنان».
وأضاف: «كما كان غياب الدولة او عجزها هو المشكلة، فلا حل إلا بإعادة بنائها (...) فلنطبق بنود اتفاق الطائف بالكامل (...) ولأنه قال ببسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية، وهو ما تَخَلّفْنا عنه طويلاً، فلا بد من التشديد اليوم ان لا دولة حقيقية إلا في احتكار القوات المسلحة الشرعية للسلاح، فهي وحدها القادرة على بسط سلطة القانون في كل أرجاء البلاد وهذا ما اكد عليه البيان الوزاري لحكومتنا (...) فلنعمل إذا من أجل دولة قوية عادلة تُعيد الثقة إلى شبابنا (...) دولة تحفظ الذاكرة لنتعلّم من ماضينا كي لا نكرر أخطاءنا، بل خطايانا تجاه بعضنا البعض دولة تقوم على قوة القانون لا على هشاشة منطق(تبويس اللحى)».
جنوب الليطاني وشماله
ولم تحجب ذكرى الحرب الأنظار عن توالي التقارير عن شبه إنجاز الجيش اللبناني مهمته في جنوب الليطاني في ما خص إنهاء أي وجود عسكري لحزب الله فيها، وبدء «تمدُّد» هذه المهمة نحو شمال النهر.
وقد نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» أمس عن مصدر في حزب الله من «ان الجيش اللبناني فكّك غالبية المواقع العسكرية التابعة للحزب بالتعاون مع قوة اليونيفيل، وأنّه بات في المرحلة الأخيرة لفرض السيطرة الأمنية على كل المواقع الحزبية الموجودة جنوب الليطاني».
وأضاف المصدر «سلّمنا الجيش اللبناني قرابة 190 نقطة عسكرية جنوب الليطاني من أصل 265».
وكانت قناة «الجديد» اوردت أن الجيش اللبناني دخل معسكرات إضافية لم يسلّمها حزب الله سابقاً شمال الليطاني «كما أظهرت المعلومات أن الجيش يقترب من إنهاء تفكيك بنية حزب الله جنوب الليطاني».
ونقلت عن مصادر أنه «سيتم حصر السلاح تدريجاً، بدءاً بتسوية الوضع الأمني في جنوب الليطاني، حيث ينتشر الجيش اللبناني، مع انسحاب القوات الإسرائيلية. وفي وقت لاحق، سيتم الاتفاق مع حزب الله على آلية التسليم».
وأبلغت مصادر سياسية إلى المحطة أن كلام نائب «حزب الله» حسن فضل الله من مجلس النواب (عن استعداد لحوار حول الاستراتيجية الدفاعية) «يتماشى مع مساعي الرئيسين جوزف عون ونواف سلام لإيجاد آلية تحقق السلم الأهلي في لبنان».
مسار «الخطوة خطوة»
وفي موازاةِ ذلك استكملت حكومة سلام مسار «الخطوة خطوة» في الطريق إلى الإصلاحات المالية الشَرْطية، مع الإصلاح الأمني ذات الصلة بسلاح حزب الله، لأي رَفْدٍ للبنان بدعم خارجي لعملية النهوض من حفرة الانهيار الذي بدأ خريف 2019 حين هبّت عليه واحدة من أعتى 3 «عواصف كاملة» تضرب بلداً منذ العام 1850 بتقاطُعٍ مريع بين الانهيار المالي (للدولة) والمصرفي والاقتصادي بارتداداته الاجتماعية والمعيشية الكارثية.
وفي هذا الإطار، أقرّ مجلس الوزراء أمس مشروعَ قانون إصلاح القطاع المصرفي واعادة تنظيمه بعدما كان أحال على البرلمان مشروع تعديلات على قانون السرية المصرفية، وهي الثلاثية التي يصرّ عليها صندوق النقد الدولي وتحرص الحكومة على التوازي في التنفيذ بين ضلعيه الرئيسيين (إصلاح المصارف والفجوة المالية).
0 تعليق