صان الحجر.. عاصمة مصر القديمة وسر الحضارة المخفية تحت رمال محافظة الشرقية

الفيروز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في قلب دلتا النيل، حيث يلتقي عبق التاريخ بعظمة الحضارة المصرية القديمة، تتربع مدينة صان الحجر، أو كما عُرفت قديماً باسم “تانيس”، على عرش المجهول الأثري.

وهذه المدينة التي تتبع محافظة الشرقية اليوم، كانت يوماً عاصمة لمصر الشمالية وواحدة من أهم مراكز العبادة والسياسة، لا تزال تخفي في طياتها الكثير من الأسرار والكنوز التي تحكي قصة ماضٍ عظيم.

وبين أطلال المعابد والتماثيل العملاقة، تنتظر تانيس أن تُنصف لتأخذ مكانتها المستحقة على خارطة السياحة العالمية.

صان الحجر.. عاصمة مصر القديمة وسر الحضارة المخفية تحت رمال محافظة الشرقية

نشأة تانيس: عاصمة تختزل مجد العصور الفرعونية
تأسست مدينة تانيس خلال الأسرة الحادية والعشرين حوالي عام 1070 قبل الميلاد، عندما قرر الملك سمندس الأول أن ينقل العاصمة من طيبة إلى الشمال، واختار موقعاً استراتيجياً في دلتا النيل ليؤسس مدينة عظيمة تضم معابد ضخمة ومقابر ملكية رائعة.

كانت تانيس معقلاً سياسياً ودينياً خلال عصر الأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين، حيث ازدهرت في عهد الملك شيشنق الأول، مؤسس الأسرة الثانية والعشرين، الذي جعلها مركزاً لحكمه.

صان الحجر.. عاصمة مصر القديمة وسر الحضارة المخفية تحت رمال محافظة الشرقية

كان لهذا القرار تأثير عميق على المشهد السياسي لمصر القديمة، حيث أصبحت المدينة مركزاً دينياً هاماً لعبادة الإله آمون وارتبطت أيضاً بعبادة الإله ست، وهو ما أضفى عليها طابعاً دينياً وسياسياً فريداً.

كنوز تانيس: اكتشافات غيرت نظرة العالم إلى التاريخ المصري
مع مرور الزمن، تعرضت تانيس للنسيان واندثرت معالمها تحت رمال دلتا النيل. لكنها أعيدت إلى دائرة الضوء في القرن التاسع عشر، عندما بدأ علماء الآثار في التنقيب عن آثارها.

كان أبرزهم العالم الفرنسي بيير مونتيه، الذي قاد حملات تنقيب أسفرت عن اكتشاف مذهل: مقابر ملكية تحتوي على كنوز ذهبية وأحجار كريمة لا تقل أهمية عن كنوز الملك توت عنخ آمون.

صان الحجر.. عاصمة مصر القديمة وسر الحضارة المخفية تحت رمال محافظة الشرقية

تعد مقبرة الملك بسوسنس الأول واحدة من أبرز الاكتشافات في تانيس، حيث عُثر فيها على قناع ذهبي وأدوات جنائزية تكشف عن مهارة المصريين القدماء في فنون الصياغة والنحت.

كما تم العثور على مقابر ملوك آخرين مثل أمنمأوب وشيشنق الثاني، التي حملت تفاصيل مذهلة عن الحياة الملكية والدينية في تانيس.

صان الحجر.. عاصمة مصر القديمة وسر الحضارة المخفية تحت رمال محافظة الشرقية

معابد تانيس: صروح شاهقة تعكس عظمة المصريين القدماء
تزخر تانيس بالعديد من المعابد الضخمة التي كانت مركزاً للعبادة والطقوس الدينية. من أبرزها:
معبد آمون: الذي كان يُعد القلب الروحي للمدينة، وشهد احتفالات ومراسم دينية عظيمة.
معبد حورس: الذي يعكس أهمية تانيس كمركز لعبادة الآلهة.
المسلات العملاقة: التي تُعد شاهداً حياً على براعة الهندسة والنحت في العصور الفرعونية.

صان الحجر.. عاصمة مصر القديمة وسر الحضارة المخفية تحت رمال محافظة الشرقية

دور تانيس في التاريخ الديني والسياسي
إلى جانب دورها كعاصمة سياسية، كانت تانيس مركزاً دينياً رئيسياً. هنا، أقام الكهنة طقوسهم وقدّم الملوك القرابين، وكان يُعتقد أن المدينة تحمل قداسة خاصة بفضل ارتباطها بالإله آمون.

في عهد الأسرة الثانية والعشرين، أصبحت تانيس مقراً للقوة والنفوذ، حيث سيطر ملوكها على أجزاء واسعة من مصر وأقاموا علاقات سياسية مع الدول المجاورة.
تانيس عبر العصور: من الازدهار إلى النسيان
مع حلول العصر البطلمي، فقدت تانيس بريقها شيئاً فشيئاً لصالح مدن أخرى مثل الإسكندرية. وتعرضت لاحقاً للتدمير بفعل الزلازل والفيضانات، مما أدى إلى دفن معالمها تحت طبقات من الرمال والطمي.

رغم ذلك، لم تفقد تانيس مكانتها في ذاكرة التاريخ. فعندما بدأ علماء الآثار في التنقيب، اكتشفوا كنوزاً لا تقدر بثمن، عكست جانباً خفياً من الحضارة المصرية.

صان الحجر.. عاصمة مصر القديمة وسر الحضارة المخفية تحت رمال محافظة الشرقية

جهود الكشف وإحياء المدينة
شهد القرن العشرين زخماً كبيراً في عمليات التنقيب، خصوصاً في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث قاد العالم الفرنسي بيير مونتيه بعثات أثمرت عن اكتشافات مذهلة. كما ساهمت جهود علماء آخرين مثل البريطاني فليندرز بيتشي في إبراز أهمية المدينة تاريخياً وأثرياً.

كنوز تانيس في المتاحف العالمية
لا تزال آثار تانيس حاضرة في المتاحف العالمية الكبرى:
المتحف المصري بالقاهرة: يعرض قطعاً نادرة مثل قناع الملك بسوسنس الأول.
متحف اللوفر في باريس والمتحف البريطاني في لندن: يحتضنان مجموعة من التماثيل والمجوهرات التي تعود إلى تانيس.
متحف المتروبوليتان في نيويورك: يعرض قطعاً مميزة من الكنوز الملكية المكتشفة.

صان الحجر.. عاصمة مصر القديمة وسر الحضارة المخفية تحت رمال محافظة الشرقية


صان الحجر اليوم: جسر إلى الماضي
في الوقت الحالي، تمثل صان الحجر موقعاً أثرياً ينتظر الاستفادة الكاملة من إمكاناته. فرغم ما تشهده المنطقة من جهود للتطوير، لا تزال تانيس بحاجة إلى مزيد من الدعم لتتحول إلى مقصد سياحي عالمي ينافس أشهر المواقع الأثرية في مصر.

دعوة لاستكشاف تانيس: حكاية لا تزال تُروى
زيارة تانيس ليست مجرد رحلة إلى موقع أثري، بل هي نافذة على الماضي. إنها فرصة لاكتشاف حضارة مصر القديمة من زاوية جديدة، والتعرف على أسرار مدينة شكلت يوماً القلب النابض لدولة عظيمة. هل ستُلبى الدعوة لكشف المزيد من أسرار تانيس؟ الأيام القادمة قد تحمل الإجابة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق